الهيبة تبحث عن اسمها

 

ضمن قرية حدودية بين سورية ولبنان، يستعد المشاهد العربي لاستقبال مسلسل يتحدث عن بيئة العشائر. جرعة من التشويق العالي ستنتاب الجمهور لحظة سماع نبأ مسلسل عن تجار السلاح والمخدرات، وشوق أكبر حين معرفة أن نجم  كتيم حسن هو سيد الهيبة أو “ِشيخ الجبل” بعد عامين فقط من مسلسل “جبل الحلال- أبوهيبة” للراحل محمود عبد العزيز، فهل جاء اقتباس الكاتب السوري هوزان عكو لاسم جبل والهيبة مصادفة؟! وإذا افترضنا ذلك فماذا عن التفاصيل التي قدمها العمل في حلقاته الخمس الأولى.

 

البطاقة الرابحة

درج في الحديث داخل الوسط الفني السوري مصطلح “نجم بيحمل العمل” وهذا وصف دقيق لمقدرات الفنان تيم حسن التمثيلية. وكيف لا ودوره في مسلسل الانتظار كان نقطة تحول في مسيرته المهنية. واليوم يعود بقالب الرجل الشرس ذاته الذي يحصل على حقوقه بقوة جسده. بذلك ضمن صناع “الهيبة” البطاقة الرابحة الأولى لمتابعة المسلسل علماً أن الجمهور بات يعرف أن المسلسل فصّل على قياس تيم وليس العكس. من ناحية ثانية يبرز دور باسم “ناهد عمران” تلعبه نجمة كبيرة كمنى واصف كفيل بشد الأنظار بعد تأطير القديرة بدور الأم الحنونة وتضييق مساحات القوة في أعمال عدة قدمتها مؤخراً.

 

الصورة والإيقاع: ندية مباغتة

ما هو جديد في الهيبة الموضوع، أما التقليدي هو الأسلوب الإخراجي المعتاد لأعمال المخرج سامر البرقاوي في السنوات الخمس الماضية. والتقليدي هنا ليس القديم بل القالب المعتاد الذي يقدم من خلاله المشهد. ولأن الأعمال السابقة اعتمدت على الاقتباس من أعمال أجنبية – إذا سلمنا بعدم وجود علاقة بين الهيبة ومسلسل أجنبي- جاءت الغرابة في طريقة المقاربة بين نص سيهبط في منطقة ما إلى المحلية المغرقة وبين الصورة الإخراجية المرفهة. وبهذا لن تكون مفاجأة إذا ما شاهدنا العشيرة بتصورها الشعبي في ذهن الجمهور، تتناول الطعام بالشوكة والسكين، وتعيش في بيوت فارهة ولا تحتفظ من قالب العشائر إلا بزي السيدة منى واصف أو لكنة جبل في الحديث. ليقابل المشهد “الشعبي” إن جاز التعبير مشاهد الأوتيلات وغرف النوم وشوارع بيروت التجارية ضمن مسلسل من المفترض أنه يجري في “ضيعة” حدودية.

 

لاضير في اختلاط اللهجات

وكأن الحدود مبرراً لتداخل اللهجات الشامية بالبيروتية بالبقاعية في نسق غير متوازن، يظهر فيه التفوق لتيم حسن في تقديم شخصيته بطريقة يرتفع فيها الإحساس بالواقعية ضمن مشهده لينخفض بشكل سريع جداً في المشاهد التي تخلو من جبل. وليس الكلام هنا عن انتقاص من الأداء اللبناني في المسلسل، بل بالموازنة وأخذ سياق العمل إلى قرية حدودية دون مراعاة خصوصية هذه البيئة في أولى عناصرها وهي اللهجة.

 

أين ملامح الهيبة؟!

تحت بند التشويق يمكن تصنيف الهيبة للوهلة الأولى. ليدخل بعدها المسلسل بحلقاته في قالب يميع قوامه حيث لا يتجلى فيه خط واضح للتصنيف. سيقابلنا مشهد رومانسي – مفيد تسويقياً-  يليه مشهد اجتماعي يرفع الإيقاع بوجود منى واصف ثم لن تتردد كاميرا البرقاوي في زيارة مكتب التحقيق في أغلب الحلقات والهبوط إلى بيروت لالتقاط المشاهد السياحية. ذلك كله والطابع المحلي للمسلسل أو ما يمكن تسميته “الضيعجي” يظهر في مشاهد قليلة تتمثل بعدد من الممثلين اللبنانيين الذين ربما هم من أبناء المنطقة نفسها دون إغفال رموز السلاح وصوت إطلاق الرصاص كمكثف لطقس العمل البوليسي.

 

لا دولة هنا.. الهيبة من المريخ

يبرر جبل لوالدته خوفه من صفقة السلاح في أن تتعرض للتفجير وبذلك قد تلصق فيه تهمة “الإرهاب”. الإرهاب الكلمة الأكثر تداولاً في دراما رمضان وصلت للهيبة أيضاً، وتاجر المخدرات والسلاح يمارس عمله الطبيعي بإنسانيته الجاذبة للنساء كما للصحافة اللبنانية كما ربما لمجتمع يفتقد صورة الرجل الشرس، فيهتز الجميع لجمل وحركات وإيماءات جبل. بينما تغيب في الحكاية أي مقاربة عن الشقيقة سوريا التي تقع ملاصقة للهيبة كما يفترض. وعن خلفيات تجار هذه المنطقة وملاحقة الدولة لهم –إذا كانت تلاحقهم فعلاً- وتنحصر القصة في الثأر العشائري الذي قد يفجر في الحلقات القادمة النزاع الأقوى في المسلسل.

 

عمل و”بيقطع”

ستبرر اللغة الأجنبية في حديث “مايا” القادمة من كندا، ستقابل hi مايا بمراحب جبل. ووسط ذلك الانقسام الشاقولي ستشرق من عمق الاختلاف ملامح ثنائية تيم-ندين في حكاية درامية جديدة. التشويق لن يتوقف طالما بطاقات العمل الرابحة متوفرة والإعجاب الصحفي على قدم وساق. لكن هل ستجيب الحكاية مفترضة الأحداث على الحدود :لم وُصِف جبل ابن “ناهد عمران” بابن الشامية؟! ولم خشي جبل تهمة الإرهاب وهو الذي لا يخشى شيئاً؟! وهل ستظهر في الهيبة -التي يحكمها الطابع العشائري ويبرر الغلط من أجل الصح كما تقول كلمات الشارة- مقاربة منصفة لقرى الحدود اللبنانية كما للجرح السوري عبر عكس طابع إنساني عالي مهم تسويقياً حتى لو جاء على حساب خصوصية هذه المنطقة وغرابة كواليسها في الحرب السورية؟!