صبا مبارك…… غابت عن دمشق وأشرقت في القاهرة

بقلم: أنس فرج

لطالما قدّمت الدراما السورية على مدى سنوات عطائها العديد من الفرص لفنانين عرب للاندماج في قالب حكايات تنطلق من شوارع دمشق لتدخل كل بيتٍ عربي.

وهذا ليس بمبالغة حين يظهر على منصات التواصل الاجتماعي متابعون عرب يطالبون على الدوام بالعودة للأعمال السورية القريبة من يوميات العائلة العربية وتحولات المجتمع وقصص الحب الخالية من التقليد والمبالغة.

أحد هذه الأعمال “الشمس تشرق من جديد” والذي لم يكن علامة فارقة في الدراما الاجتماعية فحسب، بل نقطة تحول في حضور وتواجد الفنانة الأردنية صبا مبارك ضمن المشهد الدرامي في المنطقة.

“مرام” فتاة الريف التي كبُرت في عائلة مفككة اتخذت من والدتها كلاماً وفعلاً بوابة لفهم الحياة خارج الجدران الأربعة، وهنا ظهر إبداع نص الكاتبة السورية أمل حنا بتصوير علاقة الأمومة درامياً بطريقة ساحرة أكسبت حضور الراحلة مي سكاف قيمة مضافة بتجسيدها لدور السيدة المتماسكة رغم مرضها, الحريصة على نجاح ابنتها والمكافحة من أجل البقاء بذات الصورة القوية للأم مقابل ابنة تعتمد على نفسها مبكراً لتواجه مجتمع المدينة دون التنازل عن قناعاتها وطريقة اختيارها للعيش.

هنا نميّز الألق المبكر لصبا على صعيد الأداء بالوقوف أمام نجوم كبار في العمل وتقديم شخصية منضبطة تتماشى مع إيقاع العمل صعوداً وهبوطاً دون تساهل ما عرّف الجمهور عليها كنجمة من الدور الأول.

لن تبتعد صبا عن ضوء الشمس بل ستبحث ورائه عن فرصة استمرار النجومية، لتقدم ثنائية درامية ناضجة مع النجم باسل خياط ضمن “وراء الشمس”، وتحضر بعنفوان كامل أمام القديرة ثناء دبسي، في نموذج مبكر لشكل الثنائيات الدرامية العاطفية والذي تجاوزت فيه مبارك مع خياط مراحل متقدمة للغاية بمعالجة المشاكل الزوجية عما تلا هذا العمل بعد سنوات قليلة في الدراما المشتركة والتي وقع في أسرها باسل نفسه.

مرة ثانية تمكنت صبا من إتقان اللهجة السورية مكسبةً إياها بريقاً خاصاً فلا دلع زائد يقتل نضج الشخصية ولا تبرج مصطنع يغيب واقعية الزوجة المضطربة في علاقتها مع زوجها حول الإنجاب.

الثيمة ذاتها ستتكرر بعد خمسة عشر عاماً في مسلسل بين السطور، وهذه المرة باللهجة المصرية لتشرق صبا من جديد في الوسط الفني المصري دون أي تساهل عما بدأت به المشوار في سوريا قبل قرابة عقدين من الزمن.

وما يمنح صبا علامة عالية بشخصية “هند سالم” أنّ المسلسل بحد ذاته مقتبس عن عمل كوري، لكن مبارك ذهبت بالشخصية إلى ملعبها، أكسبتها حُلىً محلية السمات لتجمع في نمط واحد صلابة الإعلامية القيادية والمؤثرة في الرأي العام، والزوجة المشتنجة العالقة في دوامة حب يعود من الماضي، والمتهمة التائهة أمام جريمة قتل خلطت كافة أوراق حياتها.

وهذا النمط من الشخصيات متعددة الطبقات يغري صبا بشكل دائم، حيث سبقَ وقدمته في رائعة “أفراح القبة” لنشاهدها بأكثر من حالة درامية متبدلة ما يجعل المشاهد يحتار من اتخاذ موقف محدد من الشخصية، فهل هي مذنبة حين أزاحت “تحية” عن خشبة المسرح، أم ضحية زوجة والدها ما دفعها للقدوم لمصر والوصول للمسرح لتبحث عن الثروة فوقعت في أسر الأضواء ولم تغادره.

كما يجدر الوقوف عند دور الطبيبة النفسية الذي قدمته صبا مؤخراً في فيلم “أنف وثلاثة عيون” حيث تلعب مبارك دور المنصتة لمريضها قبل أن تطرح فلسفتها في العلاقات العاطفية على الطاولة وتسير بالتوازي مع جلسات المعالجة بإعادة قراءة علاقتها الزوجية المنتهية مجدداً.

بذلك لم يخطئ القدير باسل الخطيب حين اختار صبا لتجسيد دور الملكة بلقيس في عمل درامي تاريخي ضمن فئة قليلة من الأعمال التي قرأت التاريخ من فكر المرأة ودورها القيادي ونظرتها للحكم.

كما لم تغب اللهجة السورية عن صبا في العقد الأخير بشكل كامل، حيث عادت لتجسدها ضمن فيلم “مسافر حلب اسطنبول” حيث قدّمت دور اللاجئة السورية التي تقع بين صراعي الهجرة أو البقاء في عرض لمفهوم الهوية والانتماء من خلال استعراض محطات الهجرة غير الشرعية وحبل الوصل الذي قد ينقطع عند ركوب مركب السفر.

وبين سطور الرواية التي كتبتها “مرام” في “الشمس تشرق من جديد” وسطور الإعداد في حلقات برنامج “بين السطور” مع هند سالم, تظهر صبا كممثلة تتقن إعادة التموضع فلا تبحث عن شهرة زائفة تنتهي بعد انتهاء عرض العمل, بل تبحث في الدور عن قطب تحيكها برنة صوتها الممتعة على السمع وملامحها الصافية حيث لم يهدم التجميل تعبيرات الوجه وتبينها للحالة الدرامية، فحيث يوجد إيمان بقيمة الدراما وأثرها على المشاهدين، تظهر صبا كخيار صائب للانتقاء سواءً ضمن الدراما السورية أو المصرية على اختلاف تركبيتهما، وهذا أيضاً ما جعل آلية صبا في العمل لا تنسجم مع تركيبة وبناء الدراما المشتركة في سوريا ولبنان.

غادرت مرام ذات يوم منزل والدتها نحو العاصمة المجهولة، رافقتها الدمعات وشغف اكتشاف المجهول، لتثبت الأيام أنّ ما حملته من منظور والدتها للحياة شكّل زاداً لفهم مجتمع المدينة الجديد، وهكذا صبا التي غرست بذور تجربتها في الدراما السورية فأشرقت ولمعت بريقاً بنجومية وصلت لمصر حيث نضج الأداء وأزهر, لتكون ابنة عمّان قد خسرت دمشق لكن ربحت القاهرة.