خالد القيش.. ضابط بنجمتين وتحية عسكرية

من سلسلة مقالات نجوم العيد لشارل عبد العزيز

إذا ما أردنا أن نصنّف اسم الفنان خالد القيش ضمن مجموعة النجوم السوريين، من الصعب أن نعتبره ضمن نجوم الصف الأول لأنه يختلف عنهم حتى اليوم بالأجر وبتصدّر البطولات أو بتسويق العمل على اسمه وفقاً لمنطق شركات الإنتاج أو شبّاك التذاكر الذي يحكم آلية توزيع الأدوار وترتيب الأسماء وغيرها من الاعتبارات، كما أنه يتفوّق على نجوم الصف الثاني من خلال أهمية الأعمال التي شارك بها من بداية تعرّفنا عليه في “التغريبة الفلسطينية” وحتى اليوم، نظراً لأكاديميته وموهبته الحاضرة وقدرته على تجسيد مختلف الأدوار وخاصةً الصعبة، وبالتالي تبقى مكانته متأرجحة رغم أنه استطاع أن يلعب أدواراً محورية في العديد من الأعمال التاريخية والشامية وتحديداً الاجتماعية مثل “زمن الخوف”، “عن الخوف والعزلة”، “أرواح عارية” وغيرها.

ولكن إذا ما أردت أن تستنطق ذاكرتك لتستحضر أبرز الأدوار التي لعبها، قد يستغرق الأمر وقتاً لا بأس به، على نقيض بقية النجوم التي يقفز أرشيفهم إلى ذاكرتك بوضوحٍ شديد، ويرجع هذا الأمر إلى ضعف الدراما السورية في صناعة النجومية وقلة المغامرة وبطء عملية انتقال الممثل من صفٍ إلى آخر ليكون في الصفوف الأمامية حيث يستحق، ومعظم الفرص التي استغلها بعض الأسماء ليثبتوا موهبتهم واستحقاقهم لها في الموسم الحالي لم تكن بسبب وعي المخرجين أو المنتجين لهذه الناحية، بل لغياب النجوم عن الدراما السورية وانشغالهم في الأعمال المشتركة والمعرّبة وسواها.

لعل المنعطف الأبرز في مسيرة خالد القيش كانت في مسلسل دقيقة صمت عام 2019 (تأليف سامر رضوان، إخراج شوقي الماجري) من خلال شخصية “العميد عصام شاهين” التي  كان فيها قائداً للأحداث وحقّق انتشاراً واسعاً على خلفية الجماهيرية الكبيرة التي حظي بها العمل ولا سيّما على الساحتين السورية واللبنانية وذلك لمتانة النص وحواراته القوية والإخراج المُحكم الذي اعتبره البعض مُغامراً في منح هذه الفرصة للقيش، علماً أنها ليست المرة الأولى التي كان يلعب فيها دور الضابط أو المتخصّص بالسلك العسكري، لأنه سبق وأن جسّد هذه الشخصية مراتٍ عدة مثل مسلسل “مذنبون أبرياء”، كما أنه صرّح عن حبه للأدوار التي تحمل جانباً من الشر مثل “الشمس تشرق من جديد”، “أحمر”، “حارة القبة” وغيرها.

وترافق نجاحه الكبير في العمل مع تصريحاته بأنه سيعتني أكثر في انتقاء الأدوار، وهذه هي الحالة البديهية التي يسير عليها النجوم وفقاً لمبدأ “الانتشار ثم الاختيار”، وترقّبنا بعدها البطولة القادمة له، لتكون في مسلسل هند خانم عام 2020 (تأليف رازي وردة، إخراج كنان اسكندراني) والذي كان من أسوأ الأعمال الدرامية ليس في مسيرة خالد فقط، بل بتاريخ الدراما العربية، لضعف النص والإخراج والحشو الزائد والإقحام و و و، بالمختصر كانت دعسةً ناقصة ليدخل فيها إلى الدراما اللبنانية، فكيف بالحري بعد نجاحه الكبير!

استطاع أن يوازن الأمور أكثر العام الماضي في مسلسل حارة القبة (تأليف أسامة كوكش، إخراج رشا شربتجي) من خلال شخصية “غازي بيك” الشرير الذي يقف ندّاً لأبو العز “عباس النوري”، كما أنه شارك في مسلسل للموت (تأليف نادين جابر/ إخراج فيليب أسمر)، ولم يخدمه العمل بالشكل الكافي، وغاب عن الجزء الثاني بعد استبعاد شخصيته، وشارك هذا العام في ثلاثة أعمال جديدة دفعةً واحدة، ولكن بدورٍ واحدٍ مشترك، وهو الضابط الوطني والذي يعمل للمصلحة العامة، وقد تكون مساحته أكبر في مسلسل كسر عضم (تأليف علي معين صالح/ إخراج رشا شربتجي)، ويحاول كشف العصابة التي تعمل بالتهريب وتجارة الأعضاء والفساد الجامعي حتى يصل به الأمر لمواجهة الحكم، ومسلسل جوقة عزيزة (تأليف خلدون قتلان، إخراج تامر إسحاق) وأيضاً لعب شخصية الضابط الوطني الغيور على وطنه من الاحتلال الفرنسي وعملائه، ورغم صغر مساحة دوره في مسلسل مع وقف التنفيذ (تأليف علي وجيه ويامن الحجلي/ إخراج سيف السبيعي) إلا أنه لعب ضمن الإطار ذاته دون أن يصنع فرقاً، ومن الواضح أن اختياره لهذا الدور ليس بريئاً أو مصادفةً، بل هي محاولات من صنّاع الأعمال لإعادة نجاحه في دقيقة صمت، كما أنه نوع من الاستسهال والمحدودية في المغامرة والاختيار التي يعاني منها المخرج السوري الذي بات وكأنه يدخل إلى موسوعة “الويكيبيديا” ليشاهد مَن الفنانين الذين لعبواً دوراً مشابهاً لينتقي منهم، ولا يمكن أن نلوم المخرج وحسب، بل يُلام الممثل الذي يجب أن يرفض هذه النمطية أو التكرار من خلال رفضه أن يُوضع في إطارٍ واحد.

رغم أن هذه النوعية من الشخصيات في الأعمال الاجتماعية وتحديداً التي تحمل جوانب سياسية أو عسكرية مغرية للكثيرين، إلا أن مساحة اللعب فيها محدودة فيما لو تكررت، وهذا ما حدث سابقاً مع العديد من الممثلين مثل عبد الحكيم قطيفان الذي كان يلعب في معظم أدواره شخصية المسؤول أو المتنفّذ، وكذلك محمد الأحمد الذي شارك في سنواتٍ متقاربة بدور الضابط القوي، والخوف أن يقع خالد القيش أكثر في المطب ذاته وينحصر درامياً في نجمتين وتحية عسكرية.