من مجموعة مقالات نجوم العيد لشارل عبد العزيز

لا يمكن أن نمر مرور الكرام عندما نتحدث عن أعمال الفنان أيمن زيدان الكوميدية، ولا يمكن أن نصنّفها ضمن إطار التجربة، فالرجل كوّن عبر ثلاثين عاماً إمبراطورية حقيقية في هذه الصناعة حين رسم ملامح خاصة لأعماله التي تختلف عن الكوميديا السوداء أو الفَارس، بل اختار كوميديا الموقف المرتبطة بالحياة الاجتماعية، فكانت شخصياته مزيجاً بين الواقعية والمبالغة، وكل ما كان يجمع “جميل الحمصي” و “لطفي الكعيان” و “سعيد النايحة” و “حمدي المكتوي” هو أنهم من الشارع السوري الحقيقي والوسطي بين الطبقة الأرستقراطية وبين القاع كمعظم أفراد الشعب، وكان يتحدث بلسانهم وعن مشاكلهم اليومية، بالإضافة إلى لمساتٍ كوميدية طريفة، ورغم تفاوت هذه الأعمال من الناحية الجماهيرية، إلا أنها كانت مشاريع جادة أوصلت أصحابها للنجومية العربية.

لم تكن الأعمال الكوميدية التلفزيونية قد نضجت بعد في بداية التسعينات، واقتصرت على لوحات مرايا للفنان ياسر العظمة مع المخرج هشام شربتجي، وأعمال الفنان دريد لحام مع المخرج خلدون المالح، حتى تأسّست شركة شام الدولية للإنتاج التي أشرف زيدان على تأسيسها وإدارتها كواحدة من أوائل الشركات الخاصة التي تنتج وتوزّع الأعمال التلفزيونية مثل سلسلة النجوم وغيرها، بالإضافة لأعماله التي انحصرت تقريباً آنذاك بالكوميديا، بدءاً من مسلسل “يوميات مدير عام” وحتى مسلسل “جوز الست”.

قرر صاحب مسلسل “بطل من هذا الزمان” بعد غيابه لأكثر من عشرة أعوام عن الأعمال الكوميدية العودة هذا العام من البوابة التي يحب كممثل ومشرف فني، رغم أنه يقع في دوامة الحزن في السنوات الأخيرة حسب تصريحاته في أكثر من لقاء، وحتى من خلال منشوراته على الفيسبوك التي خاطب فيها الحزن غير مرة حاله حال نهاية “عزمي بيك” الشخصية التي لعبها في الكندوش، وكان مسلسل “الفرسان الثلاثة” هو البوابة، واختار أن تكون العودة مع الكاتب محمود الجعفوري الذي كتب له العديد من الأعمال في السابق مثل “زمان الصمت” و “أنا وأربع بنات” و “مرسوم عائلي” وغيرها، حتى أنه كتب أعماله المسرحية الكوميدية الأخيرة مثل “اختطاف” و “فابريكا” و “سوبر ماركت”، واختار الشاب علي المؤذن في أولى تجاربه ليتولّى الإخراج، وتكرّرت معه بعض الأسماء التي شاركت في أعماله السابقة مثل شكران مرتجى، جرجس جبارة، رجاء يوسف، وشقيقيه وائل وشادي زيدان، بالإضافة لبعض الأسماء الجديدة مثل رامي أحمر، همام رضا، جيانا عنيد، لما بدور وآخرون.

لم يحمل النص جديداً من ناحية الأفكار، وتقاطع مع العديد من أعمال الجعفوري السابقة مثل فكرة الحزب الغير جماهيري المنقسم على نفسه والتي قدّمها سابقاً في مسلسل الوزير وسعادة حرمه، كما كان لديه ثلاثة أبناء في ذات العمل وبنفس المشاكل والشخصيات تقريباً، بالإضافة لعمله كموظف في واحدة من مؤسسات الدولة كمعظم أعماله السابقة، ولكن كانت جرعة الكوميديا أقل بكثير، والعديد من الإيفيهات مأخوذة من صفحات فيسبوكية، ولكن جاء أداء الممثلين وطرافة بعض الأحداث لتعدّل الكفة قليلاً، كما أن إدارة المخرج للعمل كانت جيدة خاصةً مع عدم وجود خبرات سابقة في هذه النوعية الحسّاسة التي تعادل نسبة النجاح فيها نسبة الفشل، وما يزيد الخطورة أنه يشارك في تجربة تعيد زيدان لملعبه الذي هجره لسنوات.

ولكن الطامة الكبرى لم تكن في العمل، فهو ليس عمل الموسم بالتأكيد، ولكنه يتفوق على العديد من المسلسلات وتحديداً الكوميدية منها مثل حوازيق وبقعة ضوء، ولكن غلطة أيمن زيدان أو المخرج ربما هو اختيار المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني لتولّي إنتاج العمل، التي لم تقدّم الميزانية المطلوبة، ويمكن ملاحظة هذا الجانب من خلال الكوادر ومواقع التصوير ومحاولاتهم لسد النقص الحاصل، بالإضافة لعرضه على قناة سوريا الفضائية حصرياً والتي لا يشاهدها إلا قلة قليلة من السوريين، وكان العرض بعد منتصف الليل أيضاً والإعادة فجراً، في الوقت الذي كانت تعرض فيه القناة أعمال الشركات الخاصة في أوقات الذروة، علماً أن القناة العارضة ومؤسسة الإنتاج تحت إدارة وزارة الإعلام، بالإضافة لسوء التسويق وعدم بيع العمل لمحطاتٍ أخرى، فلا نرغب من المؤسسة التي يمثلها المدير الجديد أحمد الخضر أن تعرض العمل على نتفلكس مثلاً!، ولكن على الأقل أن يُعرض على القنوات السورية أو بعض القنوات العربية شأنه شأن بقية الأعمال، خاصةً أن اسم أيمن زيدان وحده كافٍ للتسويق بعد نجاحاته الكبيرة، ومن التعليقات الساخرة والمؤسفة حقاً لبعض المتابعين أنه كان ينقص المؤسسة أن تكتب في بداية العمل “المسلسل لا يصلح للمشاهدة!”.

عبّر الفارس “أبو عماد” عن استيائه عبر صفحته الشخصية وتساءل عن سبب عدم عرض المسلسل بالشكل اللائق، وكانت عبارته “أكاد أقسم أنه لا أمل” خير دليل على ندمه باختيار القطاع العام، ليكون في هذا العمل فارساً حقيقياً ولكنه راهن على حصانٍ خاسر مثل المؤسسة كرهان أبو عماد على حزبه.

 الصور بعدسة محمد باشا