سلاف فواخرجي.. الغواية والسلطة مجدداً

من سلسلة مقالات “نجوم العيد مع شارل”

حين نتحدث عن تجربة سلاف فواخرجي نصل في النهاية إلى وصفها بالنجمة، قد يكون هذا اللقب بات ممجوجاً ومبتذلاً اليوم لأنه صار وصفاً للغث والسمين من نجمات التجميل والصفحات والوساطات وغيرها، ولكن سلاف استحقت اللقب قبل عصر الفوضى الدرامي، وكانت هي وأسماءٌ قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة وصلن إلى مرحلة النجومية بشق الأنفاس!

قد تتقدم سلاف عليهن بنقطةٍ إضافية أنها استطاعت أن تصل إلى العالم العربي من خلال طرقها باب السينما والدراما المصرية، وبالتالي بتنا نشاهد وللمرة الأولى نجمة سورية مكرّمةً في مهرجانٍ خليجي أو ضيفةً في برنامجٍ مصري أو عربي كسائر النجمات العرب اللواتي تُشاهد أعمالهن من المحيط إلى الخليج.

لعبت سلاف في مسيرتها التي كانت محظوظةً بها مختلف الأنواع من الأعمال الاجتماعية التي صنعت فيها فكرة الثنائية العاطفية مع معظم النجوم الشباب مثل تيم حسن وقصي خولي وباسل خياط وعابد فهد وسلوم حداد وجمال سليمان وآخرون، بالإضافة للأعمال التاريخية السورية الأبرز، وبعض التجارب الكوميدية اللطيفة، وصولاً إلى مسلسلات السيرة الذاتية التي تُحب، وأخفقت جماهيرياً خلال سنوات الحرب في بعض الأعمال التي لم تكن مشاريعها مكتملة الأركان، ونجحت في مشاريع ثانية رغم اجتهادها من ناحية الأداء في الحالتين، وكان من الصعب تقديم الروائع في السنوات الأخيرة كما في السابق لأن النص الجيد والدور المختلف بات حلماً بعيداً عن الجميع.

حين لعبت سلاف فواخرجي شخصية المطربة “أسمهان” عام 2008 استطاعت أن تحدث انعطافاً مهماً في مسيرتها، فسلاف قبل أسمهان تختلف عن سلاف بعدها، وليس فقط على مستوى الأداء بل على مستوى الجماهيرية العربية التي لم تسبقها إليها أي نجمة سورية بعد السيدة منى واصف في دور هند بنت عتبة في فيلم الرسالة، واستطاعت بعد عامين أيضاً أن تلفت الأنظار إليها في مسلسل كليوباترا، وقد يتقاطع العملان في فكرة الأنثى التي تعرف قيمة جمالها وتستخدمه كأثقل الأسلحة في الوقت المناسب حين تحتدم الخطوب عليها، بالإضافة لقدرتها على القيادة ومجاراة الرجال في الأماكن التي تبتعد عنها النساء في الغالب، ويزخر التاريخ في شخصيات نسائية مشابهة، ومن الواضح أن هذه الشخصيات تستهوي سلاف لأنها كانت ترغب في تجسيد نماذج مشابهة من التاريخ، حتى أن شخصية المحامية “رياض العمري” التي لعبتها في مسلسل عصي الدمع عام 2005 تجمع بين الجمال والأنوثة والرغبة في الحب من ناحية، وبين القوة في القصر العدلي!

جاءت الفرصة المواتية هذا العام بالنسبة إليها من خلال مسلسل “مع وقف التنفيذ” الذي لعبت فيه شخصية (جنان العالم) السيدة الجميلة الأنيقة التي تعرف أين تستخدم أنوثتها وفي أي وقت، بالإضافة لكونها عضو في مجلس الشعب وقادرة على مجابهة زملائها في المجلس واستخدام سلطتها في تحقيق رغباتها الشخصية ومصالحها، كما كانت تجنّد الرجال من حولها للمساعدة، فهي مثل أسمهان وكليوباترا، ليست بحاجة الرجال للحب أو الزواج أو الإنجاب حتى، بل كجنود مخلصين لها في معاركها المستمرة، حتى لو اضطرها الأمر أن تتزوج أو تقيم علاقة معهم لأن الشخصية ليست عشوائية أو انفعالية، بل بكل هدوء وروية تخطط وتفعل، ومن يشاهدها ترتدي ملابسها الأنيقة السوداء التي تذكّرنا بالعديد من الشخصيات النسائية المتنفّذة في البلد، لا يمكن أن يفكر ولو لوهلة أن هذه السيدة كاملة الأنوثة والجمال والهدوء فاسدة!

وكانت نهاية جنان بالضرورة كنهاية معظم هذه الشخصيات النسائية التاريخية التي لعبتها سلاف سابقاً إما الاعتقال أو القتل لأن غاياتها تتفوق في لحظةٍ معينة على تأثيرها، وشاهدنا تحوّل العينين الخضراوتين إلى اللون الأحمر، وانقلاب الثياب الأنيقة إلى ثيابٍ مغبّرة ممزقة، وحتى الشعر المصفّف حال أشعث، وسحرها حين زال أوصل صاحبته إلى التهلكة.

بعيداً عن الجمال والأنوثة والاتفاق شبه الجماعي أن سلاف فواخرجي من أجمل الممثلات العربيات على الإطلاق، تصنع سلاف لكل شخصية تلعبها الشكل الخارجي الذي يناسبها، والحركات والانفعالات التي تعرف كيف تضبطها من بداية العمل وحتى نهايته، تُعتبر معالم الوجه ونظرات العيون ركناً أساسياً في اللعب عندها، كما أنها تطوّع صوتها الرقيق وسلامة حروفها في المكان المناسب الذي حتى وإن صرخ وانفعل يبقى بعيداً عن المبالغة التي تنقصها أحياناً، ولكنها تبتعد عن الانفعالات الزائدة وتتصرف ضمن منطق الشخصية لأنها شغوفة في قراءة النص وتقطعيه وتبني الحالة التي تجسدها، فلا يمكن أن تضحك أو تسخر أو تعقد حاجبيها إلا كما تفعل جنان، لأنها تتعامل مع شخصياتها بمنطقٍ عاطفي في المقام الأول، يجب أن تحب الشخصية وتتعايش معها كالطفل الصغير، تذهب إليها بكل حبٍ وخوف حتى تكبر على إيديها، وهذا ما يبرر تعاطفنا مع شخصية جنان ووقوفنا إلى جانبها بل ورفضنا أن تتلقى الصفعات من زوجها أديب، رغم أننا نعرف أنها فاسدة وتفعل كل الموبقات في السلطة، ولكن تأثير الغواية يمتد إلى المشاهد ايضاً الذي يتعاطف مع الأنثى الجميلة حتى لو لم يكن يعرفها.

تبحر سلاف في العوالم العميقة للأنثى وتدافع عنها بصلابة، لا تليق بها الأدوار البسيطة أو التي تطفو على السطح، بل تنجح في تركيب الشخصية على أكثر من مستوى كما فعلت مع جنان التي أمسكتها من يدها في الحلقة الأولى بكل رقة، مرّت معها على كل المراحل، حتى وصلت في النهاية إلى الحافة وأطاحت بها، وهي تنتظر الآن أنثى جديدة لتولد على الورق، تأخذها وتتماهى معها حتى الفُطام، ثم ترمي بها إلى الضوء، وهي وحظها، إما أن تعيش في النهاية، أو تحوم حول الضوء الذي قد يحرقها.