خلدون قتلان.. لم أزوّر التاريخ بـ «جوقة عزيزة»

حاورته: شذى الموعي

* تداولت مواقع التواصل صور الطفل محمد أسامة (مُغَنّي الغزالة الرايقة) حين وصوله إلى سورية خصيصاً للمشاركة في “جوقة عزيزة”. بعض الإعلاميين انتقدوا ما اعتبروه “مبالغة” في طريقة تناقل خبر قدومه إلى دمشق وكأنه نجم قديم في المجال.ككاتب العمل وكونك نشرت الخبر على صفحتك أيضاً، ما تعليقك على ذلك؟

إذا كان هنالك “مبالغة” بحسب تعبير بعض الإعلاميين، فالسبب زملاء لهم سارعوا إلى نقل الخبر. ولا نستطيع أن ننكر شهرة الأغنية سواء عجبت البعض أم لم تعجبهم، فالنتيجة واحدة، والأغنية ناجحة وحصدت ملايين المشاهدات. وفكرة وجود الفنان محمد أسامة في العمل فكرة جيدة للفت انتباه الجمهور العربي إلى “جوقة عزيزة” التي أصبحت جزء من تاريخ هذا الشاب الصاعد، وهذا شيء يسعدني جداً.

* منذ أعلن عن بدء تصوير “جوقة عزيزة”، والعمل يحاط بضجة إعلامية كبيرة، لدرجة بات معها الجمهور متشوقاً لحلول الموسم الرمضاني كي يشاهد ويقارن بين ما تكتبه الصحافة اليوم عن قوة النص والضخامة الإنتاجية التي ترافق عمليات التصوير وبين العرض نفسه، هل تخشى ردة فعل الجمهور الذي ربما رفع سقف التوقعات حول العمل؟

من المفترض أن يرفع الجمهور سقف التوقعات لكل الأعمال، فالدراما تقوم على صناعة منتج درامي بحاجة لدعاية تجلب المستهلك التلفزيوني لمشاهدة العرض.

كمؤلف للنص لا يشغلني هذا أبداً، ما يشغلني قضية (محاكمة التاريخ) داخل النص، كيف سيستقبلها المشاهد والمختص. في “جوقة عزيزة” أنا لا أزور التاريخ بل أخضعه لمحاكمة المشاهد العقلية، فالرواية التاريخية بما يخص حدثاً سياسياً معيناً موجودة، وكذلك الافتراض المنطقي لما حدث، أنا شخصياً هذا ما أهتم به وأنتظر ردة فعله. 

أعضاء فرقة “حمدي حميها”

* كون النص يضيء في أحداثه على حياة عائلة موسيقية، وسنشاهد بعض الكليبات المصورة في المسلسل، هل دفعك ذلك إلى اختيار الممثلين منذ بداية الكتابة على الورق بشكل يلائم طبيعة النص؟ باعتبار أنّ الموسيقى تحتاج إلى خصائص معينة قد لا تتواجد في كاريزما كل الممثلين، أم أن الأسماء تم اقتراحها من قبل الإنتاج؟

في هذا النص تحديداً قمت بصناعة شخصيات شعبية جداً تتمتع بشيء من العفوية، العائلة الموسيقية هي عائلة “حمدي حميها” الذي يؤدي شخصيته القدير الأستاذ سلوم حداد، وهذا ما يبرر غناءه في النص، وعليه كان هناك الكثير من التشاور في الأسماء المقترحة، والنسبة لي كان كل شخص في مكانه الصحيح. 

* بصراحة، ما مدى رضاك عن أسماء الممثلين المشاركين في العمل؟

في عالم الدراما هناك دائماً مفاجئات، وخصوصاً إذا كانت كل شخصية في النص “بطلة”، فعندما يحب الفنان أو الفنانة الشخصية يسخر كل إمكاناته لتقديمها بأفضل صورة، وهذا ما حققته معظم الأسماء المشاركة في العمل، وبصراحة من وددت أن يكونوا في العمل كانوا وقضي الأمر.   

* كم استغرقت كتابة “جوقة عزيزة” من الوقت؟

عام وشهرين حتى وصل النص إلى نسخته الأخيرة، بمعنى كان هناك تعديل بشكل مستمر للوصول إلى النسخة الأخيرة.

* هل يحمل العمل بعض الفانتازيا والخيال بالإضافة إلى واقعية الأحداث التي وقعت في تلك الفترة؟ أم أن العمل بالكامل يستند إلى أحداث جرى توثيقها تاريخياً؟

كل شخوص “جوقة عزيزة” من الخيال، تعيش في مكان وزمان محددين.

* يتوقع البعض أن يجد تشابهاً بين “جوقة عزيزة” و “قناديل العشاق”، باعتبار العملين يقومان على الاستعراض والعروض الموسيقية؟ هل هنالك أي تشابه بينهما؟

غداً يحل علينا الشهر المبارك أعاده الله على الجميع بالخير والبركة، واترك الإجابة على هذا السؤال للمشاهد الكريم.

* ما الذي يدفعك إلى الاستمرار في كتابة هذا النمط الموسيقي الغنائي من النصوص؟ هل تسعى أن يرتبط هذا النوع باسم خلدون قتلان؟ ألا تخاف من التكرار؟

في الحقيقة أن الأمر حدث بالصدفة، فالشركة المنتجة هي من طلبت مني كتابة نص غنائي يحاكي حياة الفنانة الشهيرة “بديعة مصابني” بمعنى نقل شيء من تجربة مصابني الخاصة إلى دمشق وخلق شخصية خيالية موازية لها، وهذا ما كان. 

* برأيك، هل الصعوبة التي يواجهها الكتاب اليوم في الحصول على المعلومات التاريخية الموثقة تساهم في ابتعادهم عن هذا النمط من الكتابة خوفاً من النقاد والجمهور، أم أن ابتعاد الجمهور نفسه عن متابعة الأعمال التاريخية هو الذي لا يشجع الكتاب على ذلك؟

ليس هناك صعوبات في الحصول على أي معلومة فالمسألة بغاية البساطة، الكتب والمراجع وكل شيء موجود في عالم النت. المسألة تتعلق بثقافة الكاتب وقدرته على كتابة النص دون أن يلوي عنق التاريخ لصالح شخوصه، وهنا تكمن الصعوبة.

* يشهد الوسط الدرامي اليوم ظاهرة كتابة كاتب واحد لعدة مسلسلات بفترة متقاربة، هل تعتقد أن السبب فعلاً كما يقال من قبل بعض الكتاب أنفسهم الحاجة إلى “تأمين أكل العيش”، أم أن الأمر يتعلق بحبّ الظهور في الموسم كي لا يغيب اسم الكاتب عن السوق؟

إذا أردنا أن نسمي الأمور بمسمياتها فنحن في سوق درامي، في هذا السوق الكاتب الدرامي هو لاعب أساسي، ومن الكّتاب من يعمل لتأمين لقمة العيش فيقوم بالنسخ واللصق لأعمال أجنبية ويطرحها بثوب شرقي، وهناك من الكّتاب من لديه مشروع فكري وتنويري، وتحقيق ذلك في النص يحتاج إلى وقت، وفي النهاية هناك تصنيف يصدر عن الجمهور والنقاد فينصف الجميع. 

* هل تسوق مبرراً لأولئك الكتاب أم أنت في صف الكاتب الذي يتروّى في كتابة عمل جدير بالعرض وبالمشاهدة حتى وإن طال الوقت لظهور اسمه على الشاشة بين عمل وآخر؟

بالنسبة لي كل من نسخ ولصق لا أراه كاتباً، والقاعدة في بلادنا تقول: من يريد أن يصنع فناً فهو بحاجة إلى الوقت اللازم لصناعة محتوى جيد، وعليه ألا يهتم بالمال كثيراً.

* هل يُبقِي خلدون قتلان نصه الجيد طيّ الدروج حتى يجد شركة تتبناه بشكل محترم؟ أم أن الواقع الدرامي اليوم له كلمة أخرى؟

يمكنني القول أنَ نصي الجيد قد مضى إلى الشاشة، أما النص الذي يرقد في الدروج فهو نص لا يصلح للغد. الرؤية العامة للحياة تختلف بازدياد الخبرة، والكاتب الذي يشعر بالرضا اليوم عن نص كتبه فيما مضى هو شخص لا يطور نفسه.

* كيف تحرر نفسك من السيطرة التي يفرضها الإنتاج اليوم على العملية الدرامية؟

نحن ننتمي إلى سوق درامي الكلمة الفصل فيه للمحطات وليس لشركات الإنتاج، السؤال الذي يفرض نفسه، هل تصدير الدراما السورية التي تحمل واقع السوري اليوم تهم المشاهد العربي؟ الجواب لا طبعاً، الجمهور العربي يبحث في درامانا عن المتعة والفائدة، وقراءة السوق بشكل مستمر تسهل فهمه والخوض في غماره.   

* الأعمال الاجتماعية المعاصرة والتي تغطي تفاصيل الواقع السوري اليوم لم تعد “بيّاعة” كما يشير بعض المنتجين ولا تجذب الجمهور فهو يميل حسب قولهم إلى الأنماط التركية التي تجذب نظر المُشاهِد بالألبسة والماكياج والأماكن والألوان المبهرة بغض النظر عن القصة هل قبول الكاتب بهذا الشرط الإنتاجي، المهيمن ربما اليوم، هو ما زاد ضغط المنتجين أكثر وأكثر على هذا النمط من النصوص؟ أم أن الكتاب لا حول له ولا قوة؟

الجمهور يحتاج إلى قصة تجذبه وهذا كل ما في الأمر. في الأعمال التركية يلتقط قصة قصيرة موزعة على حلقات كثيرة، أعتقد أن الكَتاب لا يبذلون الجهد الكافي لصناعة قصة تحتوي على عناصر الجذب.   

* عموماً، هل تقبل بتعديل المخرج أو المنتج على النص الذي تكتبه؟ وهل تضع شروطاً مسبقة لعدم حصول ذلك ضمن ما نشهده اليوم من مشاكل بين الكاتب وبين من يغيّر في نصّه، بشكلٍ يؤثر أحياناً على خاتمة العمل أو حتى على مجريات الأحداث نفسها؟

أي تعديل لصالح العمل يقترحه المخرج أو الشركة المنتجة هو أمر مرحب به، لا شروط للوصول إلى أفضل النتائج، ولم يسبق أن تعرضت لمثل هذا التعديل من قِبل أي شركة أو مخرج.

* تتوجه الكثير من النصوص اليوم إلى تناول قصص العنف والقتل وأجواء العصابات. برأيك هل يحصل ذلك تماشياً مع الأحداث التي يشهدها العالم؟ أم ذائقة الجمهور تغيرت فعلاً في عصر السرعة ولم يعد يجذبها العمل الجيد والمشغول عليه نصياً؟ بل تريد قصة سريعة الأحداث لا تحتاج إلى تفكير وتعمق؟

المنصات العالمية تعرض هذا النوع الذي يلقى رواجاً، وعليه يتجه عدد كبير من صناع الدراما لتبني هذا النوع كونه مُشاهد من مبدأ التقليد، ببساطة الجمهور يبحث عن أي فرجة تثير اهتمامه بغض النظر عن نوعها الدرامي. القاعدة بسيطة، “اصنع فرجة جيدة والجمهور سوف يهتم”.

* هل كثرة الأعمال السورية المصورة في السنوات الأخيرة دليل على بدء تعافي الدراما السورية؟ وهل تتأمل خيراً بعودة الدراما السورية إلى سابق مجدها؟  

درامانا اليوم أفضل من الأمس، وفي الحقيقة هي فعلاً بدأت التعافي، وأعتقد أنها ستستعيد دورها على الخارطة الدرامية العربية قريباً جداً وبقوة، فنحن لدينا كل مقومات صناعة دراما جيدة قادرة على المنافسة ولفت انتباه الجمهور.