لماذا لا يحب السوريون الدراما المشتركة؟ ثمانية أسباب توضح ذلك!

بقلم: جوان ملا

قبل أن نبدأ المقال .. تعالوا لنتفق على نقاط أساسية حتى لا يكون هناك أي لغط أو التباس:

أولاً: هذا المقال ليس عنصرياً ولا لتأجيجِ مشكلةِ مَن أفضل مِن مَن وتجديد هذا الجدال البيزنطي العقيم، فالغاية ليست كذلك، بل هو محاولة لتشريح أسباب حقيقية في الغالب نابعة من واقع السوريين المُعاش على مدى سنين طويلة وعن أسباب عدم تقبلهم حتى اليوم للدراما المشتركة، ونحن نعرف أن الفن ليس له وطن ويَجمع الجميع بقلبه، لكن أن يتم صنع فن بلا هوية هنا تكمن المشكلة التي نعاني منها حالياً

ثانياً: كلمة “سوريين” أو “المشاهد السوري” الواردة في هذا المقال لا تعني التعميم على كل السوريين، فالتعميم لغة الجهلاء، وإنما تعني هذه الكلمة الغالبية أو الأكثرية من السوريين المهتمين في الدراما التلفزيونية والعرب أيضاً الذين مازالوا يحبون وتابعوا زماناً طويلاً هذه الدراما بشغف

ثالثاً: لنتفق أن هناك ثلاثة بلدان عربية “مع كل المحبة والاحترام لجميع الدول العربية” قدموا فناً خاصاً استطاع الوصول لكافة الدول من المحيط إلى الخليج وهذه الدول هي “سوريا، لبنان، مصر”
فـ #مصر هي أم الدنيا حقاً، برع فنانوها في كافة الأصعدة، وتستحق أن تكون هوليوود الشرق، فمنها انطلق المغنون والممثلون واستحوذوا على حب واهتمام كل العرب، سواء في السينما أو المسرح أو التلفزيون أو حتى في الإعلام والبرامج الترفيهية، فغالبية ما قُدّم ويُقدَّم في هذه البلاد مازال مهماً وناجحاً وممتعاً ومدروساً في طريقة تقديمه.

مسلسل جلسات نسائية

أما #لبنان فهي بلد الفن والجمال، صدّرت أيضاً على مدى عقود أجمل الأصوات الغنائية والموسيقيين العظماء والشعراء، وسبقت مصر في كثير من الأوقات في إعلامها وبرامجها الترفيهية، فإذا نظرنا إلى البرامج الممتعة التي كبرنا على مشاهدتها سنجد أن القائمين عليها هم لبنانيون، فهي بلد تستطيع صنع إعلام وإعلاميين مهمين فضلاً عن الغناء والأدب والشعر، لكنها لم تستطع صنع دراما تلفزيونية أو سينما قادرة على الانتشار كما الترفيه والغناء والموسيقى والإعلام

أما #سوريا فهي لم تستطع تصدير إعلاميين أو برامج ترفيهية ناجحة إلا حين كان التلفزيون السوري قديماً ذو هيبة وحضور في بداياته وحتى التسعينات، ثم تراجعَ كثيراً، ولم تصدّر مغنّين كبار انطلقوا منها، فكل المغنين السوريين النجوم انطلقوا من لبنان أو مصر كأصالة وميادة الحناوي وجورج وسوف وناصيف زيتون وغيرهم، لكن الشيء الوحيد الذي استطاعت سوريا أن تبرع فيه وتنشر من خلاله ثقافة عامة طبعاً عدا عن الأدب والشعر هو الدراما التلفزيونية التي اكتسحت الشاشات العربية وكانت مؤثرة لدرجةٍ كبيرة في قلوب وعقول كل مواطن سوري وحتى عربي.

مسلسل قلم حمرة

وبالعودة إلى عنوان المقال سنشرح باختصار ثمانية أسباب تجعل السوريين في غالبهم لا يحبون ولا يحبذون مشاهدة ما يسمى اليوم “الدراما المشتركة” والتي أصبحت حالة دائمة عامة منذ بداية الحرب في سوريا وتراجُع الإنتاج الفني فيها سواء من ناحية المال أو النصوص أو هجرة الكثير من الفنانين السوريين ممثلين وكُتّاب ومخرجين إلى خارج البلاد

السبب الأول: القيمة:

مسلسل لعنة الطين

لم يعتَدِ المشاهد السوري على أعمال سطحية “إلا فيما ندر” فكانت غالبية الأعمال التي تُقَدَّم في الدراما السورية ذات رسالة وهدف ومحتوى هام، فلم تكن الأعمال المعروضة بغاية الترفيه فقط، بل كانت تثقيفية تزود المتلقين بمعلومات جديدة، أو رسائل سامية، أو مغزى وعبرة وهدف، أما الأعمال السورية الرديئة التي كانت تُنتَج فكان المشاهدون السوريون يرفضونها ويتهكمون عليها، فهُم بطبعهم نقّادٌ قُساة حتى على أنفسهم، فإن لم يعجبهم مسلسلاً كان الشارع السوري كفيلاً بإقصاءه وجَلده، فيشعر القائمون على العمل أن بوصلتهم بحاجة لإعادة توجيه، فطالما أن السوريين لم يحبوهم فحتماً هناك مشكلة، وحين بدأ الجمهور السوري يشاهد الأعمال المشتركة بحثَ عن القيمة التي ستُضاف له أثناء المشاهدة، وسأل نفسه، هل قدم لي المسلسل فكرة أو مغزى؟ هل وصل لعقلي وقلبي معاً وأضاف لي أم أنني ضيعتُ من وقتي ثلاثين ساعة تلفزيونية؟ وفي الغالب يكون الجواب ألا فائدة ولا قيمة في غالبية هذه الأعمال التي يشاهدها، فلا محتوى قيّم ولا رسالة مهمة ولا فكرة عظيمة يؤَسَّسُ عليها عمل كامل، فإذا إن لم يكن هناك قيمة لماذا أشاهد؟

مسلسل 2020

السبب الثاني: الواقعية:

مسلسل الندم

لطالما كانت الدراما السورية في غالب أعمالها تطرح قضايا مهمة جداً يعيشها كل مواطن عربي ونابعة من قلب واقعهم المُعاش، فلا استيراد لأعمال غربية أو أفكار لا تلائم الحاضنة السورية أو العربية، وفي حال تمت الاستعانة بروايات غربية أو قصص أجنبية كان يتم ترجمتها لعمل سوري بحت وكأنها خرجت للتو من شارع عربي، ويكاد لا يوجد قضية عربية اجتماعية إلا وطرحها عملٌ سوري، من التطرف الإرهابي، إلى الاغتصاب، فالزواج المدني، تزويج القاصرات، أطفال متلازمة داون، الميراث، التفريق بين الريف والمدينة، الطمع، جرائم القتل، عقوق الوالدين، المشاكل والخلافات العائلية، الإيدز وإدمان المخدرات، وغيرها الكثير الكثير من القضايا والمشاكل التي تحاكي واقعنا تماماً بإيجابياته وسلبياته.

مسلسل دانتيل

لكن إن تابعنا الأعمال المشتركة بغالبيتها سنجدها منفصمة انفصاماً شبه تام عن الواقع العربي، فغالبية القصص عن الحب و الخيانة، والعلاقات غير الشرعية، تجارة المخدرات والسلاح والقتل والعنف والدم، وكأنه لا يوجد عائلات تعيش حياةً طبيعة بل باتت كل الهموم المجتمعية عبارة عن هذه المشاكل، وهي حتماً موجودة لا يمكن نكرانها، لكن تصديرها على أنها الحدث الأبرز في المنطقة والمهيمن على كل شيء بأكثر من ٩٠ بالمئة من الأعمال هو أمر مستفز وغير منطقي، فضلاً عن تقليد الأتراك أو الأجانب ونتفلكس واستنساخ أعمالهم دون أي اعتبار لاختلاف البيئات الواضح والأفكار وطريقة العيش، فحتماً مشاكل وأسلوب حياة التركي أو الأمريكي لا تشبه المشاهد العربي ولا بيته كبيوتهم ولا طرقاته كطرقاتهم!، فلماذا هذا التقليد الأعمى الفارغ؟ وبماذا يفيد؟

السبب الثالث: الاستعراض

مسلسل بنات العيلة

لم تكن الأعمال السورية قبل ظهور ظاهرة الأعمال المشتركة قائمة على استعراض المنازل والديكورات والثياب والمكياج، فهذا حدثَ مؤخراً في محاولة لتقليد الأعمال المشتركة ما أوقع الأعمال السورية الحديثة في فخ التصنع والابتذال، لكن ما قبل ذلك كانت المسلسلات السورية مليئة بالمشاهد العفوية البسيطة، فلا مكياج مبالغ به أو عمليات تجميل “مقززة” ولا ديكورات باهظة، ولا بذخ زائد، بل على العكس، عاش المشاهد السوري البيئة الحقّ من منازل وعشوائيات وشوارع وقصص حب لطيفة بسيطة يبحث فيها الشريكان عن التقاء روحيهما في ظل واقع صعب، حتى وإن تطلبَ المسلسل بذخاً في الديكورات والبيوت يبقى ذلك موظفاً لخدمة العمل لا لمجرد الاستعراض كما يحصل في الدراما المشتركة الملأى بالفيلات والقصور والمكياج والأزياء والماركات وعمليات التجميل الواضحة والتي تظهر فقط للاستعراض دون طرح أهمية لها بل فقط في محاولة للإبهار وتغليب الصورة على المضمون الهش، وهذا ما لم يكن موجوداً في غالب الأعمال السورية سابقاً

مسلسل عروس بيروت

السبب الرابع: الأداء

مسلسل تخت شرقي

جاء الفنانون السوريون بغالبيتهم من خلفية أكاديمية، فهم خريجو المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وحتى إن لم يكونوا كلهم من الخريجين، إلا أن موهبتهم أثبتت نفسها وحضورها مع الزمن وليس في يوم وليلة كما يحدث حالياً في كثير من الأعمال المشتركة التي تستقدم ملكات الجمال وعارضات الأزياء ليصبحنَ نجمات دون أي خبرة سابقة أو تدريب على الظهور والأداء، فمعيار اختيار البطلات تحديداً في هذه الأعمال كان قائماً على الجمال والشكل فقط، وأصبح حالة عامة في كل شيء فيما بعد للأسف، حتى في الإعلام العربي، أما الأداء والأسلوب لم يعد مهماً، بل يكفي الستايل والجمال وعدد المتابعين على وسائل التواصل لتكون نجم الدراما المشتركة القادم حتى إن كان الأداء سطحياً.

مسلسل يا ريت

ولا شك أن الدراما المشتركة صنعت نجوماً بسبب التسويق الذكي والقدرة على الإبهار في الصورة والبذخ الإنتاجي والشكل وملاحقة الموضة، لكن هؤلاء النجوم الجدد هم بسقف محدد مؤطّر بغالبيتهم، ليسوا “جوكر” كما هم أغلب الممثلين والممثلات السوريين أو حتى المصريين أو اللبنانيين من الجيل القديم القادرين على لعب كافة الأدوار، من الكوميدي، إلى التراجيدي، حتى التاريخي، والاجتماعي، فهل يمكنكم تخيل نجمة ظهرت مؤخراً تقوم بلعب دور تاريخي مثلاً؟ هل هي قادرة على نطق الحروف بالشكل الصحيح وأن تظهر عليها ملامح ملكة يمنية أو مصرية بدون شفاه منفوخة أو بوتوكس؟، طبعاً الأمر ينطبق حالياً على الكثير من الفنانات السوريات للأسف اللواتي لحقنَ هذه الموضة أيضاً وشوّهنَ أنفسهن لاعتقادهنّ أنهنّ سينتشرنَ أكثر بهذه الطريقة بعد أن تم تهميشهنّ.

لكن يعرف السوريون جيداً أن نجومهم بغالبيتهم “أصليين” وهم يُقصون تلقائياً المزيفين منهم، كما لا يمكن مقارنة فنانة سورية قدمت حتى الآن أكثر من سبعين عملاً تلفزيونياً بنجمة حديثة قدمت حتى الآن ما لا يتجاوز خمسة عشر عملاً حتى وإن وازَتِ الأخيرةُ النجمةَ السورية بالانتشار والشهرة، صحيحٌ أن كلتاهما نجمتان، لكن ليس كل ما يلمع “نجماً” بحق.
كما أثّرت الدراما المشتركة على خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، فلم يعد الكثيرون منهم يبحثون عن فرصة داخل سوريا، وأصبحت عيونهم متجهة نحو لبنان ومصر وتركيا بحثاً عن المال والشهرة الأسرع، لأن سوريا التي كانت منبع شهرة الفنانين في الدراما التلفزيونية باتت اليوم لا تعرف كيف تصنع “ممثلين” بحق وتقدّم نجوماً “حقيقيين” لا زائفين بقصص تصدّر أداءهم لا أشكالهم، حتى أن المعهد نفسه تراجَعَ كثيراً في انتقاء طلابه وكأنه تأثر “بالموضة”، فلم نعد نشهد على فنانين سوريين شباب لافتين بأداءهم منذ الدور الأول كما كان يحدث سابقاً، بل هناك خريجون لا يملكون الموهبة حتى للأسف، ومازالوا بحاجة للعمل الطويل والدؤوب لإثباتِ أنهم يستحقون الشهادة الأكاديمية التي نالوها

السبب الخامس: الانتشار

مسلسل التغريبة الفلسطينية

لم يقف أحد مع السوريين في الحرب القاسية التي عاشوها، بل تآمرَ عليهم الجميع، ونبذهم الكثيرون من بلدانهم، وباتوا عبئاً على العديد من الدول، وتعرضوا لأبشع المواقف التي قد تحصل مع البشر على مر التاريخ، ولم يكن هناك شيء يستطيعون أن يفخروا به وبانتشاره عربياً سوى الدراما التلفزيونية خاصّتهم بحكم أنها منتشرة ومتابعة منذ التسعينات في غالبية دول الوطن العربي لا سيما الخليج والمغرب العربي والعراق في حين لم تكن منتشرة في لبنان ومصر كثيراً وذلك لأن اللبنانيين لديهم انتماء كبير لمحطاتهم ومسلسلاتهم، والمصريون أصحاب سوق كبير جداً في الدراما، فلم يكونوا مهتمين كثيراً بمتابعة الدراما السورية كما المصرية.

لكن حتى هذه الدراما سُحِبَت من السوريين، وانتقل البساط من تحت أرجلهم، فما عادوا قادرين على تصدير أنفسهم أو تصوير معاناتهم للعرب إلا بقليل من الأعمال التي لم تعد تُشتَرى كما السابق، وطبعاً ذلك بسبب محاربة هذه الدراما بشكل واضح وإقصاءها ومحاولة تهميشها من قِبَل المحطات التلفزيونية، وذلك لأسباب سياسية أو غيرها، فكان هناك محاولات مازالت قائمة حتى اليوم لتهميش وطمس الهوية السورية البحت على الشاشات، وتصدير نجوم fake على حساب نجوم الدراما السورية الأصليين الذين تشرذموا بالأساس وأصبحوا موزعين في عدة دول عربية وأجنبية بسبب خلافات سياسية أو لأسباب خاصة، فلم يعد هناك ما يوحّدُ شملَهم أو يلمّ شتاتهم حتى الدراما نفسها، ليزيد الانقسام هذا من وطأة الحرب، وتتراجع الأعمال السورية ويتجه رأس المال نحو لبنان وتبدأ هجرة الفن الجماعية السورية نحوها وذلك للاستعانة بخبرات السوريين الطويلة الفنية لتأسيس دراما في بلد مجاور تضعف فيه المهارات الأدائية والفنية من أُسُس ومقومات هذه الصنعة لصالح المال فقط.

مسلسل ع الحلوة والمرة

هذه المعطيات جعلت السوريين يتعصبون أكثر لدراماهم التي سُحِبَت منهم أمام أعينهم فربح غيرهم على حساب جهدهم وخسروا هُم، وأصبحوا ضيوفاً على دراما غيرهم بعد أن كانوا هم من يستضيفون الفنانين في بلدهم، ليُضيف السوريون خسارة جديدة قد تكون صغيرة أمام حجم الخسارات الهائلة التي خسروها في الحرب لكنها بقيت مهمة بنظرهم، فاعتبروا أن حتى فنّهم وفنانيهم وكتّابهم ومخرجيهم قد سُرِقوا منهم وبقوا وحيدين لا يوجد من يوصل أصواتهم أو يحكي بلسانهم.

السبب السادس: الهوية

مسلسل مقابلة مع السيد آدم

الفن هو بطاقة عبور لكل الدول والأشخاص، فلا يهم إن شاهد الجمهور فيلماً لبنانياً أو مسلسلاً خليجياً أو مسرحية مصرية، الجنسية ليست مهمة طالما أن المتعة والثقافة والهدف والرسالة حاضرين، ولطالما استمتع الجمهور بالأفلام السورية اللبنانية المصرية المشتركة، وكان السوريون يرحبون بالضيوف الفنانين العرب الذين يشاركون في دراماهم إن كانوا أصحاب موهبة حقّ لا متسلقين، وإن كان وجودهم موظف بطريقة تخدم العمل، فحتى اليوم يحب السوريون الفنانون رفيق علي أحمد، أحمد الزين، كارمن لبس، يوسف الخال، أمل بوشوشة، محمد مفتاح وغيرهم الكثير لأنهم شاركوا في دراما سوريا وكانوا قادرين بموهبتهم الفذة على أن يكونوا جزءاً منهم ووظفوا وجودهم بطريقة صحيحة دون أن ينكروا محبتهم لهذه الدراما وتصديرها لهم فيما بعد، ولم يكن وجودهم مشوِّهاً للدراما السورية بل أضافَ لها.

مسلسل تانغو

لكن ما يحدث اليوم في الدراما المشتركة هو فقدان هوية واضح، فلا يُفهَم من هذه الأعمال زمانها، وحتى مكانها اللبناني هو مكان مشوَّه، لا يشبه لبنان في كثير من الأحيان ولا يمثل إلا فئة قليلة من شعبه، ويصدره على أنه “الفئة الغالبة في لبنان”، كل هذا أفقدَ هذه الدراما خصوصيتها ولم يعد هناك هوية واضحة لها، فالدراما السورية الصافية أو اللبنانية أو المصرية أو الخليجية كانت تحكي عن خصوصية هذه المجتمعات بطريقة حقيقية تعرِّفُ باقي العرب عليها بشكل ممتع وشفاف، في حين كانت هذه الأعمال خارج الزمان والمكان تفتقد للدفء الحاضر في “الفصول الأربعة” أو في “أحلى بيوت راس بيروت” واللذين “على سبيل المثال لا الحصر” شدّا الجمهور العربي كله دون وجود هذا الخليط المفتعل الذي يجعل من الأب لبنانياً وابنه يتكلم بالسوري وأخته تتحدث بالمصرية!

السبب السابع: الترند

مسلسل ولادة من الخاصرة

يُقاس اليوم نجاح أي عمل بطريقة سخيفة اسمها “ترند” فإن كان العمل “ترند” على تويتر، وحقق مشاهدات عالية فهو عمل ناجح بالمطلق، دون الأخذ بالاعتبار رأي النقاد “الحقيقيين لا المشتَرين” حتى لو كتبوا مقالات كثيرة تنقد العمل، أو اعتبار أن هذا العمل الذي اعتُبرَ “الأول” لا منافسين كُثُر أو حقيقيين له، وأن فانز النجم المصنوع بافتعال واضح والحسابات الوهمية تطلق الهاشتاغات لتحقيق الانتشار “عنوةً” ثم يصفقون لأنفسهم ويقتنعون أنهم “نجحوا” علماً أنه لا يوجد أعمال منتشرة في المحطات أو المنصات غيره، فعلى من تغلبَ المسلسل إذن؟ على نفسه؟ ومن شاهده غير الفانز “الأعمى” الذي يصفق حتى وإن بصَقَ فنانه المفضل عليه؟.

هو وَهْمُ الترند إذن الذي لا يفقه السوريون حتى اليوم ماهيته، فتويتر أصلاً محجوب في سوريا، ولا يُسمَح للسوريين بإنشاء حساب فيه إلا بصعوبة، وليس في هذا البلد المثقل بالهموم أشخاص يستطيعون الاشتراك بالمنصات لأنها أصلاً غير متاحة فيها، عدا عن اختفاء الكهرباء لفترات طويلة تمنعهم من مشاهدة الأعمال، وهذا ما أبقى السوريين المتابعين بنهم للدراما خارج سرب التقييم، أما “الفانز” فهم صناعة لبنانية ومصرية بالغالب في حين ليس هناك فانز سوري فعال حقاً، وإن وُجِد فهو قليل ولا يُساقُ كالقطيع ويصفق لفنانه على الدوام حتى وإن كان سيئاً بدوره.

مسلسل داون تاون

ولم يكن ترند السوريين يوماً معتمداً على وسائل التواصل، بل على حديث الشارع وقوة الحوارات والتأثير الحاضر حتى اليوم، في حين يكون ترند الأعمال المشتركة وهمياً مؤقتاً لفترة من الزمن يختفي مع انتهاء شهر رمضان، لكن تبقى حوارات “قلم حمرة” أو شخصيات “غداً نلتقي” باقية في الذهن حتى في زمن “الترند” على السوشال ميديا، ليكون هذا هو الترند الحقيقي والنجاح الأصلي بنظر السوريين.

السبب الثامن والأخير: التأثير السلبي

مسلسل غداً نلتقي

بما أن المحطات لم تعد تطلب سوى أعمال سطحية بمشاهد استعراضية وأفكار سخيفة هشة، أثّرَ هذا بشكل واضح على شركات الإنتاج السورية داخل سوريا، وكي تحاول أن تنقذ نفسها من الإفلاس، ولتبقى موجودة وحاضرة بعمل واحد على الأقل في السنة بدأت تقوم بخطتين، الخطة الأولى تكمن في إنتاج أعمال شامية كونها أصبحت طلب المحطات الوحيد بحكم أن القنوات لم يعد يعنيها شوارع دمشق أو حلب أو سوريا بالعموم بعد الحرب “لا أحد يعرف لماذا”، أو أن تصنع أعمالاً اجتماعية تشابه ما يتم تقديمه في الدراما المشتركة أو التركية، فغابت عن الدراما السورية الصافية القضايا المهمة الحقيقية التي تلامس العرب والسوريين، وبدأت تتراجع الأعمال السورية بشكل واضح لتصبح إما شامية بقصص مكررة وممجوجة، أو اجتماعية بتركيبة تركية أجنبية قائمة على الاكشن المفتعل من مخدرات وجرائم قتل، أو المكياج والديكورات والمبالغة في صنع المحتوى بقصص سطحية، فلم تعد الدراما السورية تشبه نفسها قبل عشرة أعوام، وظلت الأعمال السورية ذات القيمة أو المحتوى المهم والتي أُنتِجت في فترة الحرب معدودة على الأصابع، في حين كانت الأعمال السورية فيما قبل مؤثرة ومهمة وحاضرة دون الانسياق وراء موضة وهمية أو قصص مبتذلة كما يحصل اليوم في العديد من الأعمال السورية للأسف

مسلسل المنصة

أخيراً ورغم ذلك يمكننا القول بعد أكثر من عشر سنوات من حضور الدراما المشتركة إنها لم تترك بالجمهور بصمة سوى بعُرف “الفانز” والشركات المنتجة لها، وأن هذه الأعمال هي مجرد فقاعات يمكن فَقْءُ ملامحها بأي لحظة، وإن كان حضور هذه الأعمال مهماً فعلاً، فليس من الضروري أن يصبح الحالة العامة لتكون الدراما السورية أو اللبنانية الصافية هي الاستثناء، بل عليها أن تكون هي الاستثناء لا القاعدة، فالجمهور بحاجة ماسة لما يلامسه بحق ويصدّر صورة المجتمعات العربية بطريقة حقيقية لا مشوَّهة أو منسوخة من أعمال خارجية لا تشبهنا في شيء سوى في اللغة العربية المنطوقة على لسان الممثلين.