ليس من قبيل الصدفة.. فنانون من الظهور الأول

بقلم: محمود المرعي

لطالما شهدَ الجمهور السّوري من خلال دراماه العديد من الفنّانين الّذين لفتوا الأنظار إليهم منذ بداياتهم. حسٌ عالٍ بالمسؤوليّة يمكن استخلاصه من خلال نظرة العيون، فصاحة النّطق، وتمكّن الأداء حتّى وإن كان عدد المشاهد معدوداً.

وما نقوم بذكره ليس له علاقة البتّة بنجوميّة الممثّل أو عدمها، ما نقصده فعلاً هو حس الفضول الّذي يخلقه هذا الممثّل أو تلك الممثّلة لدى المشاهدين، وجعلهم يسألون أنفسهم “من هذا” أو “من هذه”، ولأنّ هذه الحالة الفنيّة لم تزُرْنا منذ زمن لا بأس فيه فنحن نستذكر الآن كيف كنّا في السابق ننتظر شارة البداية في الحلقة اللّاحقة دون القدرة على الاستفادة من وسائل التّواصل الاجتماعي، فنصطاد الاسم لئلّا تبقى تلك الشّخصيّة الفنّية المبدعة غامضة بالنّسبة إلينا.

بهذا الصّدد سنستذكر من خلال هذا المقال مجموعة من الممثّلين والممثّلاتِ الّذين جعلونا ننتظر اسمهم مكتوباً في شارات البداية:
 

ميلاد يوسف / عودة غوّار / رامز

منذ ظهور الصّحفي رامز في هذا العمل استطاع “ميلاد يوسف” أن يلفت إليه الأنظار من خلال دقّة الأداء والحماس الّذي لربما كان سببه أن عودة غوّار هو العمل الأول الّذي كان عُقبَ تخرّجه من المعهد العالي للفنون المسرحيّة عام 1997، بالإضافة إلى أهميّة رامز في تعبيد الطّريق للحكاية حتّى تستمر وتجد حلّا لها في النّهاية.

قصي خولي/ عائلتي وأنا/ رامي

لم يكن عدد المشاهد محدوداً في ظهور قصي خولي للمرّة الأولى بعد تخرّجه من المعهد العالي للفنون المسرحيّة عام 1998، فهذه الفرصة تُعتبر بمثابة أُمنية أودعها أيّ ممثل تحت وسادته ثم أفاق من نومه ليجدها متجسّدة أمامه بحضرة سلمى المصري ودريد لحّام وليلى جبر والراحل حاتم علي.

بالطّبع هناك العديد من الأسباب والمسبّبات الّتي أعانت قصي على لفت الأنظار إليه، لكن كان من الممكن ألّا يبلي بلاء حسناً وتتحوّل هذه النّعم الفنيّة إلى سراب في عيون الجمهور لو لم يعجبه الأداء.

جمانة مراد/ البواسل/ الدّرقاء

في بداية الأمر لفتت الدّرقاء الأنظار إليها بجمالها، لكن ومع تعاقب المشاهد وتصاعد الصّراع لم يعد الجمال فقط هو شغل شاغل الجمهور، ففي وقفة مُنصفة أمامها، ننتبه إلى مرونتها، نظرة عينيها الحادّة، وفصاحة نطقها للّغة العربيّة الفصحى، فالفرصة ذهبيّة بالطّبع، لكن الأداء لم يكُن أقلّ لمعاناً.

هيما إسماعيل/ الزّير سالم/ اليمامة

“الهوينى كان يمشي، كان يمشي فوق رمشي” تلك القصيدة الّتي نطقتها بصوتها قبل التّخرّج من المعهد العالي للفنون المسرحيّة عام 2001، لتُثبت هيما إسماعيل وبأداء فنّي مُتلوّن ما بين الدّهاء والضّعف، الرّويّة والحزم، أنّه يُمكن لطالبة المعهد أن تظهر لتلفت الأنظار مُحدثة ضجّة، ومن ثمّ تعود لإتمام مسيرتها الأكاديميّة بكلّ هدوء.

تيم حسن/ الزير سالم/ الجرو

تزامن عرض الزير سالم مع عرض أحد أجزاء سلسلة “كان ياما كان” للمخرج “أيمن شيخاني” فلا يُمكن إخفاء الأثر الّذي أحدثه العملان في تقديم شخصيّة تيم حسن الفنيّة، وتحديدا من خلال الجرو الّذي كان بمثابة حجر الأساس لنجاحه في الدراما التّاريخيّة رغم أن المشهد الأوّل للجرو كان بعد انقضاء أكثر من نصف حلقات العمل.

باسل خيّاط/أسرار المدينة/ عامر

بدأ من خلال “كان ياما كان” أيضاً، لكن وكعمل درامي كان مسلسل أسرار المدينة بمثابة بوّابة لدخوله عالم الفن، فقد حصل حينها على شخصيّة مفصليّة، لا بل على شخصيّة تدور كلّ الأحداث حولها، فقدّم عامر شخصيّة الرجل والمراهق في آن معاً، العاشق والطّامع بتغيير حياته الفقيرة في آن معاً، ممّا أجبر غنى شخصيّة عامر على تقديم أداء غنيّ من قبل باسل علماً أنّه كان الممكن أن يُفرّط بهذه الفرصة.

نسرين طافش/ ربيع قرطبة/ الأميرة صُبح

بجمال خاصّ، وهدوء ورقّة في الأداء قدّمت نسرين طافش الأميرة صبح بطريقتها الخاصّة وبفصاحة ليست غريبة على أعمال وليد سيف، فلفتَت الأنظار إليها حتّى قبل التّخرج من المعهد العالي للفنون المسرحيّة، إذ حضر الراحل الكبير حاتم علي أحد عروضها في المعهد واختارها لتجسيد هذا الدور إلى جانب تيم حسن.

كندة علّوش/ أشواك ناعمة/ ريما

الوجه الجديد “كندة علوش”، بهذه الطّريقة تم كتابة اسمها عام 2005 في شارة البداية لمُسلسل أشواك ناعمة، فقدّمت من خلال ريما أداء لطيفاً لفتاة في الثّانويّة كان الشّعور بأنوثتها شغلها الشّاغل. بدلعٍ وغُنج خفيفين على القلوب، استطاعت خريجة المعهد
العالي للفنون المسرحيّة “قسم النقد” أن تلفُت الأنظار إليها وتُغيّر مجرى حياتها المهنيّ.

محمود نصر / ممرّات ضيقة / عامر

بعدد مشاهد ليس بكثير استطاع حينها محمود نصر أن يُقدّم نموذجاً مُستفزّاً عن الشّاب الاستغلاليّ واللّعوب، بملامح منهمكة في إثبات نفسه عُقب تخرّجه من المعهد العال للفنون المسرحيّة عام 2006، بالإضافة إلى نبرة صوته الّتي أضافت خصوصيّة إلى شخصيّته الفنّيّة.

عُلا باشا/ تخت شرقي/ هارموني

هارموني، لم يكن التناغم هو اسم الشخصيّة فقط، فيبدو أن عُلا باشا أخذت من ذلك الاسم نصيب انعكسَ على الأداء، إذ أنّها وبعدد مشاهد قليل، استطاعت إغناء ثنائيّة “هارموني ويعرب” إلى جانب الفنّان قصي خولي الّذي كان قد أصبح نجماً آنذاك، فكان التناغم بينهما حالة ممتعة جدّا للمُشاهد مما لفتَ الأنظار إليها.

نجلاء الخمري/ الصندوق الأسود/ هبة ونعمت

بملامحها الشرقيّة الخاصّة، وبعد تخرّجها من المعهد العالي للفنون المسرحيّة بعامين فقط، قدّمت نجلاء شخصيّتين لأُختين توءمين فرقتهما مكائد كبيرة العائلة “قدريّة” ممّا كان ذلك لمصلحة نجلاء الّتي خلقت الحبكة الدراميّة لها مساحة من اللّعب لإثبات نفسها في البدايات، فأجادت الأداء ولفتت الأنظار إليها منذ بداية الطّريق بشخصيّتين متناقضتين تماماً.

دانة مارديني/ الولادة من الخاصرة/ حنين

هل هذه ابنة سمر سامي؟ هو التّساؤل الأوّل الّذي طرحه الجمهور على نفسه من ظهور دانة الأوّل، لكن سرعان ما تحوّل الأمر من هل هذه ابنتها؟ إلى “موهوبة مثل أمها”.
في الأعمال الأولى لدانة لم يتخلّ الجمهور البتّة عن فكرة أنها ابنة سمر سامي، لكنّه وفي المقابل لم يتوانى لحظة واحدة عن الإشادة بأدائها الّذي لفت الأنظار إليها منذُ أولى المشاهد.

بالواقع، نحن وخلال عقد كامل تقريبا لم نشهد الحالة ذاتها، أن يفتح الجمهور عينيه حتى آخرها مدهوشاً لأداء شخصيّة فنيّة جديدة لم يعُد بالأمر كثير الحدوث وقد يكون معدوماً.
الأسباب كثيرة.. نُدرة النّصوص الجيّدة، قلّة الاعتماد على الوجوه الجديدة، ازدياد مُعدّل “الشّلليّة” بمعنى أنّ مصادر التّعرف على الشّخصيّات الفنيّة وانتهاز الفرص لم تعُد كما كانت تتمّ في السّابق عبر حضور المخرجين لعروض المعهد العالي للفنون المسرحيّة، فخشبة المسرح قد تحوّلت إلى حسابات مواقع التّواصل الاجتماعي الّتي زادت من عدد الدخلاء، وخلقتْ الفرص لممثّلين مُجدّين ولكن غير أكاديميّين، ولا يُمكننا البتّة إغفال طريقة تعاطي الخرّيجين الجدد مع شخصيّاتهم الفنيَة في كيفيّة التقاط الأدوار، استثمار الوقت، والحفاظ على الأدوات، ولا نستطيع  بالمُقابل أن نُغفلَ جهودهم المبذولة، وخصوصيّة قلّة قليلة منهم كان آخرها: جنا العبود.

بالإضافة إلى أنّ هناك الكثير من الأسماء المبدعة الّتي بنَت وأغنت شخصيّتها الفنيّة من خلال التّراكم في المخزون الفنّي والاستفادة منه، وهذا بالطّبع منزلة شرف لكلّ من يستفيد من البدايات لتلافي أخطاء محدّدة في الأداء، وإبهارنا فيما بعد.

أخيراً.. يجب علينا التّأكيد أنّ الأمر لا يتعلّق بالنّجوميّة، فمتاهتها ليست مربط الفرس، بل القدرة على انتهاز الفرص الّتي جعلتنا نُطلق على أحد ما لّقّب “فنّان” منذ اللّحظات الأولى، غير أنّه وتحديداً في هذا الزّمن يحدثُ كثيراً أن يكون هناك نجم أو نجمة، وقد لا يحدث إلّا نادراً أن يكون هناك فنّان.