هكذا مشينا مع «سعاد» بحذر على صفيح ساخن

حوار: حسين روماني

أجادت تسنيم الباشا اللعب بخيوط «سعاد» على الصفيح الساخن، فبلحظة تخون من يحبها كي تصعد من حضيض الفقر إلى الترف الذي تحبه. وبلحظة تهبط من برجها العاجي وتعود إلى مكب النفايات فقط من أجل أن تجلب نقي الحياة لابنها المريض بمرض عضال، وتحرك مياه «عياش» الراكدة في الوحدة ببحصة الأبوّة فتفتح جراحاً وتوقظ روحاً تعشقها لم تبالِ بها، الأنانية تسيطر على مزاجها، واللؤم لا تستطيع أن تخفيه غيوم اللطف في طلباتها بأن يبتعد الأب عن ابنه. وإن كان الأدرنالين أمسك بيد «سعاد» لتهرب من موت محتم وجراحها من سكين «عياش» تنزف دماً، فإنّ الشغف تمسكه تسنيم لتصل بالشخصية بحواراتها وتعابير وجهها، بشكلها وحركات جسدها إلى بر الأمان على الشاشة.

حديثنا معها جعلنا ندخل كواليس العمل ونحن جالسين، توقفنا كثيراً عند «سعاد»، استمعنا إلى كل كلمة خصتنا بها، فكان لنا ولكم هذا اللقاء.

بداية ما الذي أغراك لتمشي على صفيح ساخن؟

النص المكتوب بطريقة حرفية، الشخصيات جميعها حساسة وصعبة وأيضاً واقعية موجودة بيننا وليست غريبة عن المجتمع، والحوارات مكتوبة بروح كل شخصية، والمخرج الذي كان أميناً على الورق المكتوب. الشخصية كانت مغرية جداً بالنسبة لي، عندما جاءني النص لم أتوقف عن قراءة المشهد تلو الآخر وأنا أبتسم لما تحتاج إليه من إعداد وعمل، لديها مساحة كبيرة من البعد النفسي فالمشاكل التي تندرج تحت هذا النوع تلاحقها أينما دارت وجهها.

كيف حولتِ «سعاد» من حبر على ورق إلى لحم ودم؟

اللقاء الأول معها كان في خيالي أثناء القراءة لمشاهدها، بدأت أفكر بما يدور داخل عقلها من معاناة وحوار مع النفس ورغبات تريد أن تصل إليها، حاولت أن أتصور تاريخاً وحملّتها معاناة أكثر من اللازم حتى أبرر أفعال وسلوك الحاضر، عندما انتقلنا إلى مرحلة التصوير جرت نقاشات بيني وبين الأستاذ سيف ومصممة الملابس لين هزيم ومصممة المكياج ردينة ثابت حول الشكل الذي ستظهر به الشخصية على الشاشة.

فمراحل عدة مرت بها من مكب النفايات إلى طبقة الأغنياء مروراً بمرض ابنها الوحيد وصولاً إلى الشفاء، جميعها استلزمت العمل والاعتناء بكل التفاصيل من الوجه إلى الملابس إلى الحالة العامة، علامات التعب في المرحلة الأولى للشخصية والدماء التي سالت منها وهي تهرب أبدعت برسمها المدام ردينة، خشونة الأيدي وتشققات الفقر والتعب المحيط بها، حتى المرحلة الثانية كانت مصنوعة بدقة متناهية سواء بالأزياء المستخدمة لامرأة كانت في الحضيض وصارت فجأة على طبق من ذهب، لكن مصابها جعلها تحتمي بالألوان الداكنة، اصفرار الوجه المتعب من السهر والانتظار.

كل ذلك انعكس بإيجابيه على تعليقات المشاهدين، حتى أن أحد التعليقات وصفت «سعاد» بانها هي المريضة لما وجوده من ملامح التعب والإرهاق وقلة الغذاء وفوضى المنبهات التي أعطت واقعية لأم تنتظر أن يتخلص ابنها من مرض عضال حتى باتت مريضة لكن بروحها. أيضاً سلوك الشخصية حظي باهتمام كبير، ولذلك لجأت إلى التعمق بلغة الجسد، طريقة المشي، الهروب ثم العودة إلى مكب النفايات، نظرتها المليئة بالأنانية التي تدفعها لأن تفتح دفاترها القديمة ولو على حساب برجها العاجي، بقيت ضمن حدود تفكيرها، لم تحفظ اسم المادة التي ستنقذ حياة طفلها، ولا اسم التحليل الذي سيجريه «عياش» ليتأكد من أبوته للمريض، ظلت مقيدة بمحدودية الثقافة التي أتت منه.

الشراكة في المشهد تختلف عندما تكون مع صاحب النص، حدثينا عن تلك الثنائية

تجمعني معرفة سابقة بالممثل يامن الحجلي لكنها لم تصل إلى الصداقة، عندما علمت بأنه سيكون شريكي أمام الكاميرا تخوفت من مسألة الانسجام بيني وبينه، لأن الكيمياء إن لم تكن موجودة بين أي ممثلين حتى وإن كانا موهوبين ومحترفين فإن المشهد سيسقط، خاصة وأنني أقف للمرة الأولى أمامه، وكلا الشخصيتين لديهم مزيج من المشاعر والأحاسيس وبينهم لعبة تبادل الأماكن بين الفعل ورد الفعل، كاتب العمل لديه رؤية لشخصياته وتوقع معين في خياله لكيفية أداء الممثل لها كونه هو من صاغها على الورق.

أيضاً كان لدي قلق من ذلك التوقع وتلك الرؤية، لكن هذه الخيالات سرعان ما تبددت عند أول مشهد تم تصويره وأنا أمسك بالملامح الشخصية، لتملئ أوقاتنا بين تصوير المشاهد بالأحاديث والنقاشات و«البروفات» المستمرة، وجدت منه التعاون الكثير والعطاء لنجاح كلا الشخصيتين، هو يفكر بشريكه في كل مشهد ويصل معه إلى الأداء المطلوب، كان داعماً لي ولم يبخل بإبداء إعجابه بأدائي، سعيدة بتلك الثنائية والنتائج التي حققتها وما حصدته من تعليقات وردود أفعال، خاصة تلك التي وصلتني من الكاتب علي وجيه الذي كان رأيه مهماً بالنسبة لي.

هي التجربة الثانية مع المخرج سيف الدين سبيعي، ما هو انطباعك عن ذلك؟

الوقوف الأول أمام كاميرا المخرج سيف الدين سبيعي كان من خلال طيف «هدى» الذي يزور أحلام الحمّال «ديب» (محمود نصر) بمسلسل «قناديل العشّاق» للكاتب خلدون قتلان، أخته الخجولة التي توفت ووالدته بحريق حمام السوق فانطبقت عليهم مقولة «الي استحوا ماتوا»، تظهر في سياق المسلسل كطيف في الحلم لتبشره بعظمة ومكانه عالية قادمة اليه، وهو تفسير ما قالته في المنام من خطبة “قس بن ساعدة” التي تبدأ بـ «من عاش مات، ومن مات فات»، وتبارك له بابتسامة لطيفة في نهاية الحكاية.

شخصية رومنسية لم يتجاوز ظهورها في العمل العشرة مشاهد كانت تستند على الشكل الخارجي وتقنيات أجواء المشهد، مقيدة بهالة الحلم والطيف، وبعيدة نسبياً عن لغة الجسد والبعد النفسي للشخصية. ثقة كبيرة من المخرج سيف الدين سبيعي بأن أكون مع فريق عمل «على صفيح ساخن» بمساحة أكبر تتطلب تركيزاً عالياً بشخصية «سعاد»، العمل معه ممتع وفيه فسحة من التقدير للممثل النقاش وحرية الأداء مع المتابعة الدقيقة لكل التفاصيل، يمنح فريقه الكثير من الطاقة الإيجابية الخطيرة أمام الظروف الصعبة التي حكمت إنجاز العمل. 

ختاماً.. كيف لعبتِ على مساحة الدور المحددة ضمن حلقات العمل؟

ليس مهماً بالنسبة لي عدد المشاهد بمقابل الفعل الذي يؤثر بشكل فعال على مجرى الأحداث، المسلسل هو النجم وجميع الشخصيات أبطال تنتقل بين أحداث العمل لتأخذ معها انتباه المشاهد، «سعاد» كانت بطلة مشاهدها ضمن مساحة استمتعت بالأداء خلالها، ولو أعادوا التصوير وتركوا لي حرية الاختيار بين الشخصيات لاخترت «سعاد».