غير «ممنوع التجول» في البيئة.. المسلسل الخليجي ينافس في 2021

بقلم: علاء سمّاك

في سباق حذر، تقود الدراما الخليجية مركبتها بحذر، غير آبه بمن يجري حولها، بمن يتعداها ومن ينافسها، فقد أيقنت وتثبت هذه الدراما كل يوم أن كل خطوة غير مدروسة التفاصيل قد تهوي بجميع ركاب هذه المركبة، تشق هذه الدراما لنفسها طريقاً جديداً تغدو به واثقة الخطى، آخذة بعين الاعتبار كل التفاصيل، وتشهد الدراما الخليجية تنوعاً غير مسبوق هذا الموسم، فهي السباقة بطرح القضايا الاجتماعية ومناقشة واقعها بطريقة مشوقة وملفتة،

وكما كل موسم، نرى عدد من الأعمال الخليجية المتفقة والمختلفة في مواضيعها، نجوم وممثلين ووجوه جديدة، ومع ذلك كله فإن المشاهد العربي بدأ يفهم “التكنيك” التي تمشي عليه هذه الدراما، وهو بغض النظر عما إذا كان ذلك التكنيك صحياً أم لا،

دراما يقظة

فمنذ السنوات القليلة الماضية بدأ المتابع العربي يدرك جيداً النمط الذي يسلكه كل نجم من نجوم هذه الدراما، ولا سيما الممثلين والمنتجين والكتاب في آن معاً، ومع ذلك فإن ذلك يضيف نقطة لصالح الدراما الخليجية، فالممثلة والكاتبة والمنتجة حياة الفهد، بدأت تصبح محط أنظار المراقبين وتثير الجدل بشخصياتها الغير مألوفة لدى المجتمع الكويتي، والرسائل المبطنة التي تحملها هذه الأعمال قد تحسب لصالح العمل أو ضده، فالشكل التي بدأت به بتقديم نفسها في “أم هارون” الموسم الفائت، و”مارغريت” هذا الموسم هو الشكل الذي يجب علينا ان نعتاد عليه في رؤية حياة الفهد بعد الآن، فهي تضفي من روحها وأفكارها ونظرتها للحياة الى الدراما وهذا ما سيشكل إضافة حقيقة لأي دراما، ومن يدري! ربما تحكي الفهد ماهية الحياة التي تتوق لعيشها، الحياة التي تصورها حياة الفهد وردية في كل موسم مفعمة بالتسامح والاحترام وتقبل الاختلاف بألوانه، حياة لا تشوبها شائبة!

فمارغريت هذا العام مختلفة تماماً، سيدة بريطانية شامخة من أب عربي وأم إنكليزية، كاميرا المخرج السوري باسل الخطيب يجعلك تشعر للوهلة الأولى أنك ترى عملاً في الزمن الحاضر الماضي، فلا تكنولوجيا في هذا العصر، مشاهد تحفها الأخلاق والعلاقات النبيلة والقيم الأصيلة، بطابع عريق يعيدك للزمن الجميل، بكاميرا سلسلة وهادئة ومبتكرة ليست غريبة عن المشاهد السوري،

إلهام الأسرة أولاً

إلهام، أو إلهام الفضالة -كما طلبت منها حياة الفهد أن تقدم نفسها في مسلسل “ثمن عمري”-، أرى أنها سعاد العبدالله غداً، فهي تشبهها في صباها، كلنا نعي هذه الطاقة التي كانت تملأ سعاد العبدالله أيام “خالتي قماشة” و”على الدنيا السلام”، فالنجمة إلهام الفضالة تتخذ في المواسم الرمضانية طريقاً متواضعاً تنتقل فيه بهدوء مطلق، وبتأني يجعلك تشعر بخفة الوصول الى القلب، فهي تتقن كيف تنسج شيئاً من عبق تراثها الكويتي، تختار خيوطها بعناية، تمزج فيها بين لطف الحضور ورقة التفاصيل، والبساطة في المحتوى، والخفة في المشاهدة، ثم تحبِك النسيج الناتج بإبداع في الأداء، ليخرج بهيًّ للعالم ، تراعي في نسيجها العريق الأسرة الكويتية، وتحترف أقصر الطرق لتدخل قلوبهم قبل منازلهم،

وهي اليوم “أمينة حاف”، أمينة على نقل واقع الأسرة الخليجية بكل سلاسة، بشكل “لايت كوميدي” بعيدة عن التكلف والاصطناع، وهو ما يتقنه الكاتب علي الدوحان، فنصوصه خفيفة وجذابة وهذا ما يدفع إلهام لتحكي قصته بأدواتها، فكانت في “الكون في كفة” و”عداني العيب” و “وما أدراكَ ما أمي” الموسم الماضي، و”روتين” في 2018، فـ علي يعرف كيف يترجم الواقع، بعيد عن استجلاب القصص الغريبة عن المجتمع العربي بغاية خوض غمار المنافسة الدرامية العربية، وهي بذلك دراما مستقلة بذاتها تؤدي مهمة الدراما التي خلقت لأجله، فهي دراما وليست ماراثون، وحين تقرر هذه الدراما أن تحذو حذو المارثون الدرامي العربي سوف تحفر قبرها بيدها،

دراما عندها نص

والكاتب حمد الرومي كان من السباقين الذين بادروا لسد الهوة بين الدراما الكويتية والعالم العربي، فقلمه يرى العالم كما هو، بكافة الاختلافات والمشاكل والتفضيلات والمعتقدات، تناقش القضايا بإطار ملتزم لا يخدش حياء الأسرة الكويتية، قادراً على تسريب سيروم يعافي به الانغلاق التي عانت منه الدراما الخليجية، بدون ألم، وعملاً كـ ” أنا عندي نص” خير شاهد على ذلك.

لكن الخشية على الدراما الخليجية أن تبالغ في ذلك وتفقد جزء من مصداقيتها للأسرة الكويتية على حساب مجاراة القضايا العالمية وتناقشها على أنها تحصل في المجتمع الكويتي محولةً في ذلك الحالات الفردية في المجتمع إلى ظواهر اجتماعية ملتفة بذلك لفيف الدراما السورية، أو أن تستنسخ الدراما قصصها من روايات عالمية غريبة عن المجتمع،
رغم أنها تنوعت في طرح القضايا الاجتماعية، وعادت بعدد غير قليل منها إلى فترات زمنية سابقة، وامتداد أحداث بعض منها الى أجيال سابقة، واتجاه بعضها الآخر إلى قالب التشويق والغموض الذي بدأ يفرض حضوره على ساحة الدراما العربية في الفترة الأخيرة.

إذ لجأت الدراما الخليجية هذا الموسم إلى فتح قضايا الأسرة وصراعاتها الداخلية لأسباب اجتماعية أكثر منها مادية، وهو ما لم نعتاد عليه في الدراما الخليجية، وهي نقطة لصالحها على أية حال، فأغلب ما تعودنا عليه في الدراما الكويتية على وجه الخصوص هو حالات الترف والرخاء والثراء التي يعيشها أبطال العمل، والصراعات التي سببها الأساسي التركات والمال أو الميراث.

أما المواضيع الاجتماعية الشائكة والجدلية، كمعاملة الكويتي للأجنبي أو حياة الكويتي خارج وطنه، حالات الاغتراب والهجرة والزواج المدني والمثلية الجنسية والتسلط الذكوري، كلها مواضيع جديدة على طاولة الدراما الخليجية، فصار النص الدرامي يحمل أبعاد ورسائل ظاهرة ومبطنة وتثير الجدل، في محاولة لمواجهة المشاكل بدلاً من الهروب منها ونبذ الفكرة السائدة لدى المشاهد العربي بأنه لا مشاكل تنخر المجتمع الكويتي بسبب وجود المال.

دراما متجددة بنكهة سورية

عندما نتكلم عن الدراما الخليجية لا شك في أننا نقصد دراما دول الخليج بأكملها، ولا نستثني طبعاً الدراما السعودية، التي لم تكن موجودة لولا “طاش” وثنائيات ناصر القصبي وعبد الله السدحان، وهما ثنائيان لم يعودا متلازمين في الدراما السعودية الآن، فـسلسلة “طاش ما طاش” الشهيرة توقفت بعد 18 سنة من العطاء ولم تعد موجودة، كلنا يعلم ذلك.

لكن بالرغم من ذلك استطاع كل النجمين أن يرسم خطاً مستقلاً ينفرد به، فناصر القصبي لا حدود لإبداعه في “ممنوع التجول” ذو الطابع الكوميدي هذا العام، وأثبت نفسه موسمي 2018 و2019 في الدراما الاجتماعية “العاصوف” 1و2، بتوقيع المخرج السوري المثنى صبح وبمشاركة الفنان السوري فادي صبيح الذي اعتبر التجربة ممتعة، وأما عبد الله السدحان فشاهدناه وقد خلع ثوب الكوميديا في «كسرة ظهر» العام الفائت، بأول تجربة له في الدراما الكويتية، وجسد شخصيتين تراجيديتين مختلفتين، لاقى عمله نجاحاً واسعاً، ونراه هذا الموسم بثوب الكوميديا من جديد والتجربة موفقة في “الديك الأزرق”، لكن “شليوي ناش” هو الأقرب للمشاهد من حيث الأداء.

هي ابنة البيئة

الدراما الخليجية تفرز بشكل مستمر وجود جديدة قادرة ومتمكنة من أدواتها من أول ظهور لها على الشاشة، فإذا لم تكن متابع للدراما الخليجية قد لا تفرق بين الوجوه الجديدة وبين الممثلين الآخرين من حيث الأداء، وهذا الانسجام هو نقطة لصالح الدراما الخليجية قلما نراه في الدراما السورية وذلك لأن الأداء الطبيعي والعفوي هو نتاج التناول للواقع المجتمعي القريب من الناس، فلا دور طبيعي وعفوي في واقع غريب عن البيئة التي خرج منها الممثل.

وهذا قلما نراه في الدراما السورية مع أن كانت السباقة التي احتضنت وأخرجت نجوم حقيقيين من مختلف الجنسيات الى العالم بأسره، لكن مؤخراً باتت الدراما السورية تعيش تحدي نصوص وأداء هدفه البيع والتسويق بالنسبة لشركات الإنتاج، وتحقيق النجومية للممثل بشتى الوسائل التي ربما تفرض عليه أن يؤدي أي دور، مركب كان أو بسيط، قريب من الواقع أو مفصولاً عنه، يشبه المجتمع أو لا، لا يهم، فالمهم هو أن يصبح الممثل حديث الناس بأدائه ويصعد خطوة باتجاه النجومية، لذلك خسرت الدراما السورية السمة المجتمعية، وفقدت القيمة التي بتنا ننقب عليها تنقيباً في كل موسم وسط زخم انتاجي يثقل كاهل المشاهد، ويجعل مهمته في البحث عن القيمة كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، الى أن اعتزل مشاهدة دراما وطنه.