«الزعيم».. حين ترّجل عن كرسيه ليكون مجرد «بودي غارد»

بقلم: سالي حجازي

كثر الحديث عن مسرحية “بودي غارد” بعد عرضها الأول خارج المسرح، حيث خيمت الصدمة وأرخت الخيبة بظلالها على نفوس المشاهدين، وما بين مستسيغٍ للمسرحية أثناء عرضها في زمنها ولائم لزمن العرض الحالي وما بين منتقدٍ لتفاصيل المسرحية ومستخف بها، نجد عملاً مختبئاً لسنوات حان وقت محاكمته!

قصة العمل بين التكرار والميوعة:

هي القصة المكررة في معظم أعمال الفنان عادل إمام لا المسرحية فحسب، عن رجل يحمل صفات مميزة، محارب للسلطة الفاسدة، صاحب الظل الخفيف ومحبوب النساء.

الزعيم عاد لنا بدور بودي غارد تواق للحرية، فحكم السجن لمدة عام امتد 12 عاماً بسبب محاولات الهروب المتكررة!.

بناء القصة منذ البداية لم يكن مقنعاً:

ومع سير أحداث المسرحية يحصل التشتت، فمن سجين في سجنه، إلى بودي غارد لسيدة أرستقراطية وصولاً لحاكم على مشاعر وتصرفات هذه السيدة، ومن ثم محاكمة قضائية فلقاء بجيل شاب ضائع انتهاءً بحل لرفع الظلم ونشر العدل!

لا محاكمة منطقية أو تراتبية مقنعة في القصة، ولا مشاهد محفورة في الذاكرة، بل حوارات وإيفيهات معادة من مسرحيات حفظناها ومازالت تضحكنا حتى اليوم، لكنها وبشكل مؤسف لم تثر سوى الاستغراب هذه المرة، فمشهد المحاكمة مشابه لمحاكمة “شاهد ماشفش حاجة”، ولقاء الطبقة الغنية مع الفقيرة مكرر عن مسرحية “الزعيم” ومشهد غرفة النوم تكرار مبتذل لمشهد مشابه من مسرحية “الواد سيد الشغال”.

حتى النكات لم تكن تضحكنا رغم صدورها عن زعيم الكوميديا نفسه، فلا شيء مضحك مثلاً في مقولة ( أنت قاعد ع قهوة، لأ.. قاعد على شاي!)

هل نظلم المسرحية حين نخضعها لمعايير 2021؟

التبرير المكرر بأن العرض الأول كان قبل أكثر من عشرين عاماً لابد أن يواجَه أيضاً بأنه مع نهاية التسعينات أصبحت الحدوتة الدرامية أكثر منطقية، ولم تعد كقصص الثمانينات وبداية التسعينات مثلاً، والمسرحية بعناصرها وأركانها جميعاً كانت فقيرة تحتاج للمزيد من العمل، فالكاتب يوسف معاطي قدم نصاً يفتقر لعناصر الربط والحبكة، وهو باسمه الكبير قد سبق له تشكيل ثنائية تعد من أجمل ثنائيات العمل الفني في مصر.

لكن في “بودي غارد” كانت النكتة المبتذلة واللفظ النابي وسيلة سد الفراغ لهذا الضعف!، إضافة لأجساد الممثلات الشابات وحركاتهن على المسرح لمداعبة الأعين دون هدف، والممثلون بأسمائهم الكبيرة ومسيرتهم الطويلة لم يكن أمامهم خلال ثلاث ساعات من العرض سوى الضحك على تعابير الفنان عادل إمام، فرفعة الحاجب نفسها في كل أعماله كانت كفيلة بإثارة ضحك مطول للممثل أمامه، أما الفنان القدير الذي أثبت قدرات تمثيلية وحس فكاهة أكبر من حركات تهريجية لم تتسم حركاته بالعفوية في العرض الذي شاهدناه، على العكس من عروض مسرحياته السابقة التي رغم مشاهدتها مراراً إلا أنها تثير ضحكنا دوماً كما المرة الأولى.

إذاً .. فما عابه الجمهور لم يستند لتغير معايير المجتمع، وإنما أساسيات العمل الفني من قصة وأداء، فحتى الشخصية النسائية لبطلة العمل كانت أبعد ماتكون عما كتب لها، شخصية “عيشة” المرأة الأرستقراطية اللعوب، حيث ظهرت الفنانة “رغدا” كامرأة قوية متخشبة، مثيرة للرعب أكثر منها مثيرة لعواطف الرجال ومشاعرهم!

كما أن الإخراج المسرحي لـ “رامي إمام” لم يضِف أي قيمة بصرية ممتعة، وإنما كانت حركة وانتقالات مهمِّشة لديكور المسرح ومركزة على وجوه الممثلين.

الترند المرافق للمسرحية منذ العرض الأول:

المسرحية التي نقلت أبطالها لعدد من الدول العربية كانت حديث الشارع في كل بلد عُرضت فيه، وكان سعر التذكرة المرتفع عائقاً مؤلماً للكثيرين من ذوي الدخل المحدود، ومع العرض الأول على منصة شاهد الرقمية كان عدد المشاهدات قد تجاوز النصف مليون ولابد أنه رغم كل الانتقادات سيبقى في ازدياد، ولعل هذه الأرقام ستكون حجة للقائمين على المسرحية ومروجيها بأن العرض قد نجح ولم يفشل، فلغة الأرقام في عصر الترند لاتكذب!

ليتها بقيت كأحلامنا غير المحققة!

هي الفكرة التي أجمع عليها محبو مسرح الفنان “عادل إمام” فبعد طول انتظار جاءت المسرحية كفاجعة. فانتظار السنين لمن لم يستطع دفع تذكرة الدخول للمسرحية مُني بصدمة الابتذال والاستسخاف بعقل ومشاعر المُشاهد، والسؤال يدور هنا حول أطول عرض مسرحي وأحد أكثر العروض تنقلاً بين البلدان، هل كان حسن تسويق وتشويق معاً أم بغاية كَمّ الأفواه عن أي تعرض ناقد للمسرحية في وقتها؟!