سلافة معمار.. الدهب «التشريفة»

بقلم: أنس فرج

تنفتح ستارة المسرح نهاية الألفية الثانية، تصعد على الخشبة فتاة شقراء ستخط لنفسها في العقدين القادمين خطين عريضين لن يجرؤ أحد على الاقتراب منهما، وبين “كسور” 1999 و”عربة اسمها الرغبة” 2008، كانت سلافة معمار ترسم الهدف جيداً وتدخل معركة النجومية في اللحظة المناسبة، فكثيراً ما خسرنا ولكننا قليلاً ما ربحنا، فماذا لو كان الربح ذهباً كـ “التشريفة” التي كانت تقدّم من أنفس القطع للعروس في الشام.

سلافة.. واسطة العقد

في العقد تحضر الجوهرة الأكبر في المنتصف، تسوّر بحجر لامع وترصّع لتبرز جيداً بحجم يفوق باقي القطع، هكذا تمكنّت سلافة معمار من صناعة المعادلة الأصعب بأن تكون بطلة منفردة في سباق ذكوري بامتياز، وأن تحظى بجماهيرية عربية تجاوزت حدود المنطقة بفضل ذكاء الاختيارات وإثبات أنّ النجومية ليست رداءً فضفاضاً يمتلئ بالخرز المشكوك والبرّاق، بل قطعة منفردة بذاتها تجذب الأنظار من بعيد فلا يطولها أحد ويستمتع الكل برؤيتها في ذات الوقت.

معمار.. صندوق الحلي المنوّعة

من معهد للفنون التشكيلية إلى مدرسة للباليه، رقصت على حواف الفن بحثاً عن موطئ قدم متفرّد في ميدان الدراما الفسيح، وانتقلت بسلاسة بين أنواع الدراما، فلم تحتكر نفسها في نطاقٍ معين، بل تقدّمت خطوة للأمام عن منافساتها في كل مرحلة عبر انتقائها لأدوار لا تمتلك خطاً واحداً بل نشاهد الطرافة مثلاً في قلب المعاناة، والبساطة في عمق الشر، والهدوء في وسط العاصفة، لذا لا يمكن التنبؤ بما تضمره سلافة، هي ستطلق عينيها للكاميرا ويبدأ زر التسجيل ليرصد انفجاراً في الأداء بقمة الانضباط وهذا ما يجعل مساحة ضيقة جداً كزنزانة “قلم حمرة” مسرحاً مصغراً لقدرات استثنائية.

ذهب.. لا يعرف الصدأ

يمتاز الذهب بنفاسته عن باقي المعادن بأنه لا يحتمل الصدأ، فهو زاهٍ بلمعانه يحافظ على بريقه مهما مرت الأيام وإذا ما عتق أصبح أغلى ثمناً، هكذا عرفت معمار أين تضع ثقل حضورها، فلا إطلالات إعلامية متتالية ولا إرهاق للمتابعين بصور وفيديوهات، بل عبر تنبيه ذاكرة الجمهور بهيبة الحضور، حدث ذلك مثلاً حين التفت الجمهور لمشهد مقتل “قمر” في مسلسل “حرملك” أكثر من المسلسل بجزءه الثاني بشكل كامل، وكأنّ سلافة تختبر الجمهور في إذا ما كان الحضور الطفيف سيترك فارقاً.. وهذا ما حدث.

نجمة.. وخزائن إبداع

لطالما غلب دور صاحبه، لكنّ سلافة استطاعت أن تبقى أقوى من أدوارها، رغم الطاقة العالية التي تمنحها لكل دور والطريقة المتقنة في حفره بالذهن، إلا أنها بسحر سلافها تعود وتخلع الشخصية وتسحب الجمهور لشخصية جديدة فـ “نعمت” لا تشبه “وردة”، و “غريتا” لا تتقاطع مع “ورد” و “بثينة” لا تقرب بصلة لـ “سلام”، وبين “لينا” و”صبحة” و “لارا” تحضر “رهف” لتكون زائرة عابرة بأثر لا يقاوم ولو غاب عن الأعين.

ممثلة.. لا عمر لوهجها

يسترسل الضوء عابراً نحو سلافة، يرسم دائرة من حولها، ويوّثق اسم فنانة تخطت كونها ممثلة بحضور طاغي إلى اسم صعب التكرار ويحفظ الرصيد لدى الجمهور لسنوات طويلة، لا أعرف بماذا تفكر سلافة في السنوات القادمة، لكنها توقن حتماً أن هامش التجريب انتهى، وضريبة الحضور بأعمال أقل شأناً مما قدمت أكبر من ثمن الغياب، لذا وفي هذه اللحظة الخطِرة من مستقبل الدراما السورية وإصرار سلافة عدم الغرق في موج الدراما المشتركة، يجب على المنتجين إدراك قيمة ما نملك من نجوم ومن بينهم سلافة، وكتابة أدوار خاصة للفنانين الأصيلين لأنهم أصحاب مشروع وبإمكانهم تسويق أعمال على أسمائهم والنهوض من جديد بصيغة المسلسل السوري.

وأخيراً، يقال أن العقد إذا فُرط وقعت حبّاته وتبعثرت على الأرض، ولكّن من تمسكت بدفة الحلم ربع قرن تدرك جيداً أنّ قوة العقد في توازن حباته على محيط العنق وليس في ثقله الزائد، هكذا كانت سلافة وستظل حاضرة غائبة، قريبة وبعيدة، دافئة ورزينة لأنّ مسافة الأمان بين النجم والمشاهد أهم شروط اللمعان.