كالطالب الكسول .. صناعة الموسيقى السورية في آخر مقعد!

بقلم شارل عبد العزيز

“طالب المقعد الأخير”، ارتبط هذا اللقب في ذهن الكثيرين بالطالب الكسول، الذي تصله المعلومة بعد الجميع، الذي ينام في الحصص الدراسية والمتأخر في التحصيل. وهذه الصورة النمطية المرتبطة بالطالب تذكرنا بالموسيقى السورية التي تتأخر صناعتها عن أقرانها، بكثير من التقنيات والتطور والانتشار وكأنها تسير في طريق ذهابٍ يعود منه الآخرون فتتعثر في كسر هذه الصورة.

“صناعة الموسيقى السورية” عنوان عريض يحتاج لأكثر من مقال لنضمّن كل مافي جعبتنا من أفكار، ولكن -وعلى سبيل التخصص-الموسيقى التي تحمل كلام إنساني يحاكي ضمائر المستمعين العرب كانت “موضة فنية” رائجة في مطلع الألفينات، وبغض النظر عن نية من كتب ومن لحّن ومن غنّى، لم يبقَ مطرب عربي تقريباً إلا وطرح أغنية ضمن هذا النوع إن كانت منفردة مثل “أنا الإنسان” لديانا حداد، و “كلنا إنسان” لسميرة سعيد، أو ضمن عمل مشترك “أوبريت” كـ “الضمير العربي” و “الحلم العربي”، المشروعين الذين أطلقهما المنتج أحمد العريان مع نجوم العالم العربي.

ومثل غيرها، انتهت تقريباً هذه الأغاني ولم نعد نسمعها، فقد مللنا وحفظنا عن ظهر قلب فكرة التآخي والتعايش المشترك وتقبّل الآخر، وأكبر إثبات لنجاح مساعي الفنانين هو ما فعلته الشعوب العربية ببعضها منذ عشر سنوات وحتى الآن، فمن فهِم فهم، ومن لم يفهم لن ينتظر أغنية!

سمعنا مؤخراً أغنية “أنا إنسان” من إنتاج مبادرة “الطفولة حياة الموسيقية”، والأغنية من كلمات باسلة الحلو وألحان ميس حرب، وجمعت كلاً من شهد برمدا، نانسي زعبلاوي، ميس حرب، اسماعيل تمر، والطفلة غنى بو حمدان، وجاءت فكرة العمل رغم رتابتها مناسبة لتوجّه المبادرة كونه إنساني، وكما ذكرنا لن ندخل في النيات ولن نشكك إنسانياً، ولكن موسيقياً!

إنسان ولكن.. مكرر

الكلام كان أقل من العادي، لم يأتِ بجديد من ناحية التراكيب أو الأفكار حتى، فاللهجة السورية لا تساعد في هذه الأنواع من الأغاني الكلاسيكية أو الإنسانية كونها ثقيلة وتناسب الطرب أو الفولكلور أكثر، فعبارة “طب ليش ما عندك قلب” في الأغنية كانت ثقيلة لدرجة أن نانسي زعبلاوي أكلت من حروفها لتلحق باللحن، على عكس عبارة “طب ليه” المصرية الخفيفة.

وحتى فكرة الكاتبة في التوسّل للآخر واستعطافه ليتقبل الاختلاف كانت مبالغة لدرجة أن تكتب “ما بدي عطف بيكفيني اللطف”، فكان الأجدر أن تضيء على إبداع الأشخاص المختلفين عنا ونجاحهم الذي يجبرنا على أن نحترمهم لا أن يتم استجداءنا عاطفياً فقط.

لحن ميس حرب قريب من القلب ولكن بسيط جداً حد التكرار والملل، لدرجة أن الجملة الموسيقية في عبارة “ونظرات بتألمني” تشابه إلى حد كبير أغنية يا ضلي يا روحي في عبارة “صرنا أنا وياه أكتر من الصحبة”، فإن لم تنتبه ميس التي لم تلحن كثيراً، ألم ينتبه من وزّع وسجّل؟، أو حتى العازفين في “وتريات سوريا” وهم فيصل في هذا المجال؟

من كل بستان.. صوت

أداء المغنيات الثلاث جيد جداً، تفوقت شهد برمدا في مقطعها بالتلوين الموسيقي الذي كَسَر اللون الواحد للحن، لتتعثر ميس حرب بإعادتها المقطع ذاته بعد شهد برتابة جعلتها تبدو أضعف منها، وعموماً الأصوات لم تكن منسجمة كثيراً لصناعة توليفة مناسبة.

والذي أضعفَ العمل هو “الراب” الخاص باسماعيل تمر، فالكلام جاء بطابع تعميمي ولا يليق بأغنية إنسانية، فمن قال إن المجتمع “من جوا وسّخنا” جميعاً؟! هل نخاطب مستمع بعمل إنساني بهذه الطريقة؟ فما حاجة العمل للراب أصلاً!

ولقد ظُلمت الطفلة غنى بو حمدان بغناءها كلمتين فقط على حساب خطاب إنساني ثقيل بكلامه أدّته الممثلة شكران مرتجى، ترى ألم تكفِ الأغنية لإيصال الفكرة!، وحتى أن طريقتها بدَت حادة، ولو تم اختيار فنان مؤثر إنسانياً أكثر كمنى واصف مثلاً لكان أفضل!

خلاف على الاختلاف

تصوير العمل وإخراجه بسيط جداً ويناسب الميزانية، ولا ضير في ذلك إطلاقاً، ولكن المشكلة كانت في الصور المعروضة، العمل موجه لسوريا أولاً، فهل يوجد في سوريا أصحاب بشرة سوداء؟، وهل تعتبر فتاة محجبة مختلفة في بلد غالبيته من الديانة المسلمة؟، التكرار جاء حتى في فكرة عرض “الأشخاص المختلفين” التي قدمتها كارول سماحة في كليب أغنية “مابخاف” كما يقال في الشامي “من زمنات وزمنة”، ولو أُعيد تقديمها، كان من الأفضل اختيار فئات أخرى من مكونات المجتمع

لن نتحدث عن تفاصيل ثانوية كالإطلالات المختلفة وغير المناسبة بين الفنانات، ولكنّ صورة الغلاف وترتيب الأسماء غير منصف في الحقيقة، فشهد أهم من اسماعيل بمراحل على مستوى التاريخ الفني ولها الأحقية أن يتصدر اسمها، وحتى صور المغنيات أصغر على الغلاف!.

كل مجهود موسيقي سوري يُحترم ويُشجّع، ولكننا بحاجة أحياناً أن نجلد ذواتنا لنقدّم أفضل ما يمكن بما نملك من أصوات تُعدّ الأجمل عربياً، وموسيقيين عزفوا ويعزفون مع أهم النجوم كوتريات سوريا، لذا لا بد من هزة صغيرة ليتذكر صنّاع الموسيقى أن ينتقلوا إلى المقاعد الأمامية في الصف لعلنا ننجح في نهاية العام!