«حرملك» فكرة عمرها عشرون عاماً

كتابة: نورهان الندّاف

عادة الأدباء والكتاب أن يقدموا نصوصاً أدبيةً وأعمالاً درامية  تلامس الواقع، سواء كان ذلك بقصدٍ أو بغير قصد. وقد يلجأ الكاتب لسببٍ ما إلى طرحٍ بعيدٍ عن المباشرة يحاكي فيه أزمنةً أخرى وأشخاصاً مفترضين يشبهوننا كما لو كانوا نحن أو كما لو كنّا هم في مصائرهم التي تنتظرنا.

الأمر الذي نراه في مسلسل «حرملك» الذي يروي أحداثاً مفترضةً لشخصياتٍ تحاكي مجتمعنا من زوايا عدّة.

وقد وُفِّق الكاتب في رسم الخطوط الرئيسة للعمل وفي تنوّع الشخصيات لكنّه لم يوفّق كفاية في إغناء الأحداث وسيرها بسلاسة، حتى لنشعر أنّ الكاتب يتلكّأ في التفكير فيما يمكن حدوثه، يتأرجح بين الإقناع وبين الغلو في ردود الفعل التي يراد بها جذب المشاهد أكثر من إقناعه.

على خطا خيري الذهبي

«حرملك الذي يحاكي زماناً مفترضاً بشخوصٍ مفترضةٍ لم يكن مجدداً في طرحه، فقد أتت الدراما بأعمالٍ سبقته في قوَّة الحبكة والإقناع، وحاول مقاربتها فلم يوفق في بلوغ نجاحها. تذكرنا قصّة «حرملك» بعمل كتبه الأديب خيري الذهبي وعُرضَ قبل عشرين عاماً باسم «وردة لخريف العمر» بجزءيه الأوّل والثاني. العمل الذي يتقاطع في نقاطٍ كثيرة مع حرملك، وهو ما لا يمكن ملاحظته دون إنعام النَّظر في رمزيات العملين وأبعادهما.

حيث تظهر المرأة في كلا العملين هشّةً متهالكة الشخصية، لا حول لها ولا قوة. يدفعها الفقر والظلم إلى مصيرٍ لم تختره؛ فشبابها الرمادي مخنوق مرةً بشبحِ الوحدة ومرّة بحظها العجوز، فإذا حاولت الخلاص من هذا المصير هربت من الحدث إليه وكانت سيدة الحبكة والممسكة بزمام مصائر الرجال الممسكين بدورهم حياتها.

«ربيعة» ابنة الرسلانية هي «أمينة» سليلة رسلان.. يجمعهما الهروب من سكين العائلة وانقلاب المصائر من أقصاها إلى أقصاها.

كما يبرز التفاوت الطبقي عنصرا مهما في جميع الأعمال والإنتاجات الفنية، فهو نقطة فارقة في الحياة، رأيناها في «وردة لخريف العمر» تدفع «مرهج» لتغيير مصائر الناس في ضيعته ثمنا لحبه الضائع لـ «سعاد» التي سلبه إياها الفقر.

ورأينا «رسلان» في حرملك يلهث خلف المال والألقاب له ولأخوته انتقاما لكرامتهم الغارقة في عار العائلة الملعونة ولقدره الذي يسقط منه كلما هم بكنس الأزقة.

الحبكة تتقاطع

حلّت لعنة العادات والتقاليد كابوساً على صدر عائلة «رسلان آغا» ملّاك «قرية الرسلانية» كما حلّت لعنة العار وسوء السمعة على بيت «رسلان رسلان»

وهنا نقطة التلاقي الأوضح بين العملين. فتشابه اسمي العائلتين لم يكن أمراً عابراً بل تلاه تشابه المصائر التي ابتلعتها الهاوية بطريقة أو بأخرى. تلك الهاوية التي صنعها الجهل وغذاها الفقر والظلم حتى ابتلعت الجميع.

وكان سامر المصري بطلها النبيل «محمود آغا» في القصة الأولى هو نفسه الرجل الدنيء في القصة الثانية «هلال الضباع»، كما كانت وفاء موصللي» ضحية الآغاوات «مطيعة» هي نفسها رأس الأفعى في عائلة رسلان «أم رسلان»

ما بين عَقدَين

هذا التشابه لا يعني توازي العملين في حال من الأحوال، فلا شكّ أنّ رائعة خيري الذهبي أمسكت بالحبكة بذكاء، وساقت الأحداث إلى حيث يمكن للمشاهد أن يلتقط إضاءات القصة بسلاسة دون أن تلهيه غرابة الحكاية عن حقيقة أن ما جرى فيها ممكن الحدوث.

وليس هذا تقليلاً من شأن «حرملك» ولا معرض مقارنة بين العملين، بل تأكيدٌ على أنّ الدراما السورية ما زالت تحاول استعادة مجدها الأول بين عملين يفصلهما عشرون عاماً!