خالد تاجا.. حين افتخرَ الدور ببطله!

يسعى واحدنا دائما للاستحواذ على دور البطولة. فثمة هالة ما تحيط هذا الشرف كيفما كان شكله ولونه. وقد أدرك الإنسان معنى البطولة قبل أن يهتدي إلى اسمها.

وحملت الدراما فيما بعد هذه التسمية بوصفها أحد أهم عناصر البناء القصصي فاختلف صناعها في شكل البطولة ومعناها وسعة فضاءاتها كما اختلف المشاهد في تلقيه لصورة البطل ورؤيته لمقاييس تلك البطولة. واختلف الممثلون بدورهم حول رؤيتهم لها واتفق أكثرهم في اعتبار القياس الزمني للشخصية معيارا لأهمية الدور وهو ما جعل أكثرهم يتسابقون لأداء أكبر الأدوار مساحة على اختلاف جودة تلك الأدوار وغنى شخوصها ليبقى الفنان الخاص ذو الرؤية الواسعة على الضفة الثانية يقيس الدور بمعناه ومساحاته في روح المشاهد لا في الشاشة.

لا يحضرنا في قولنا هذا اسم قبل الراحل خالد تاجا، الفنان الذي لم تسحبه الشهرة من زاوية الرؤية الأولى للفن والمعيار الأول للانتقاء، فلم يطلب أكبر الأدوار مساحة ولم يرفض أصغرها بل قلب الموازين ليجعل من كل دور صغير لعبه كبيرا بصدقه وشفافيته. حتى آخر عهده بالحياة جسد تاجا أدوارا كثيرة علقت في الذاكرة لما بثه فيها من روحه وخصوصية حضوره حتى في تلك الأعمال التي ظهر فيها ظهورا خاطفا لم يتجاوز مشاهد معدودة أعطاها من نفسه ما أعطاه للأدوار الواسعة حتى جعل من أبسط الأدوار بطولة خاصة حازت إعجاب المشاهد وتقديره ليقول لكل من يدخل عالم التمثيل الفسيح: أنت بطل الحكاية حين تريد ذلك لا حين تريد هي منك.

ومن أبرز تلك الأعمال نذكر:

أحلام كبيرة:

جميعنا سحر بحكايات هذا العمل وموسيقاه ومع وجود كل الأسماء اللامعة التي لازمتنا في العمل من نجوم الصف الأول والمواهب الشابة. يظهر تاجا في العمل بمشهدين استثنائيين لا يترك للمشاهد فرصة لنسيانهما. بشخصية والد هيفاء (نسرين طافش) الأب الثري الذي يكسر جليد المتوقع في تعاطيه مع أبناءه ومع عريس ابنته الفقير بخصوصية رسخت في ذهن المشاهد بتوقيع خالد تاجا.

عصي الدمع:

في عمل نسج على منوال (الست) أم كلثوم. ناقش قضايا الحب والدين وخص حقوق المرأة في عنايته. لم يكن لتاجا ضمن توليفة العمل إلا جملة واحدة كانت هي روح العمل ودوزان لحن فكرته الأثيرة في كل مرة يسأل فيها المارة في بهو قصر العدل (نحن وين) فيسمع الجواب نفسه دائما ويطلق ضحكة طويلة تفصح عن جملة العمل.

زهرة النرجس:

كانت نرجس زهرة البهجة والجمال أحبها الجميع وقطفها الموت الذي ساقها إليه سائق الأجرة المسن حين جمعتهما المصادفة فرافقها إلى بيروت وسط الحرب والدمار لكنه كان سعيدا بحضرة تلك المرأة التي سمع أغنياتها ورأى فيها الحياة بشكلها الجميل. مشاهد قليلة حضر فيها خالد تاجا تحكي لسان حال كل رجل يوشك أن ينهي طريق عمره دون أن يفقد القدرة على الحياة والحب.

هل يفعلها نجم من نجوم اليوم؟ هل يعود إلى الضفة الأولى من الرؤية؟ والفكرة الأولى عن الانتقاء؟ إن أكثر ما كتبه الراحل محمود درويش في أشعاره كان نبوءة عبقرية لكنه لم ينصف خالد تاجا حين قال إنه أنطون كوين العرب. وهو فنان كبير حُقَّ له أن يكون علامة مسجلة لا تشبه أحدا ولا يشبهها أحد.