إلى هبة طوجي «فضي المسرح، هل لا زالت تنفع المدن؟»

بقلم: محمود المرعي

“كيف بتحضّر الصّبية لفرحة عمرا؟ أنا رح حضّر حالي بنفس الشغف حتّى إحضرك وشوفك”

كان هذا أحد المنشورات لصديقتي على فيسبوك مُرفقاً بصورة للمطربة “هبة طوجي” عندما علمت بحفلها الّذي كان من المفترض أن يُقام في الرابع من نيسان بدار الأوبرا في دمشق، لكنّ شهر الكذب أجّل عرسها إلى ميقات غير معلوم.

سألتْ هبة طوجي ذات مرة : “شو نفع المدن إذا فضيت من كل الناس اللّي فيها؟”. وها نحن في أول الشهر الرابع من هذا العام الّذي لم يمر منذ بدايته دون أن يقدّم الخيبات كطبق رئيسي كان آخرها وصفة جديدة تدعى “كورونا”، مدننا فارغة، لا ناسَ فيها!.

فالفيروس اللعين وقف عائقاً في وجه طقوسنا اليوميّة، أعمالنا، دراساتنا، الحصول على لقمة عيشنا، لعب أولادنا في الحدائق، الأماكن الّتي نحب،النوادي الرياضيّة، وكأنه يقول إنه لا مكان لنا في هذا العالم!

في الحقيقة آلمني غياب كل هذه الطّقوس لكن أول ما قفز إلى ذهني عندما علمت بأمر تأجيل الحفل هو تلك الصّديقة، والحق بيدها، فحضور حفل لهبة طوجي يستحق كل هذه العناية والعناء على حدّ سواء.

هبة طوجي ونشأة فنيّة رحبانية

في 26 كانون الثاني 2007 سمع المنتج والمؤلف الموسيقي “أسامة الرحباني” ابن الموسيقار الراحل “منصور الرحباني” صوت هبة عندما كانت في التاسعة عشر من عمرها، وبغض النظر عن صوتها الجميل ما لفته حقّاً في هبة هو التنوّع ومستوى الثقافة حيث كانت تدرس الإخراج والتمثيل بالإضافة إلى ذكائها الحادّ وقدرتها على تنفيذ المطلوب منها بسرعة كبيرة.

سنة كاملة بالتدريب مع أسامة حتّى قابلت والده، وكسبت لقاءً رحبانياً جديداً سيبقى في ذاكرتها إلى آخر العمر، ومنذ التاريخ السابق ذكره وحتّى اللّحظة واسمَيّ أسامة وهبة متلازمين في كل الإنجازات الفنيّة.

شاركت طوجي في العديد من المسرحيات الّتي تم عرضها في مسرح الرحابنة حيث بدأت بمسرحية “عودة طائر الفينيق” 2008 إلى أن جالت العالم بمسرحية “أحدب نوتردام” عقب مشاركتها في برنامج “أحلى صوت” بنسخته الفرنسية إلى أن وصل العرض إلى عاصمة المسرح الغنائي “لندن” وبهذا يمكننا اعتبارها فنّانة عالميّة استطاعت حرق مراحل فنيّة في بداية الثلاثينيات من العمر.

هبة طوجي وشموليّة ليست بـ”حلم”

“حلم” هي أغنية أطلقتها هبة عام 2014 لتناقش وأسامة حالة عاطفيّة معيّنة، لكن ليس هذا هو الحلم فقط، فكل من يرى هبة على خشبة المسرح يشعر بطاقتها أشبه بالحلم حتّى، وإن كان من خلال مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، فلدى هبة شمولية على صعيد الغناء والأداء والحركة المسرحيّة ويبدو هذا جليّاً في جميع الحفلات وبشكل خاص في المسرحيات مثل مسرحية “دون كيشوت” عام 2011، فجميع الفتيات اللواتي قمن بمشاهدة “مين اللي بيختار” شعرنَ بالطاقة والتمرد الّتي أوصلته هبة من خلال حركاتها وأدائها البارع.

نضيف إلى ذلك مسرحية “أحدب نوتردام” حيث كانت تغني وبشكل مباشر أمام الجمهور فترافق مع غنائها أداء مسرحي فرض عليها الارتفاع عن الأرض ستة أمتار تقريباً مع حركات جسدية في منتهى الصعوبة، وهذه المسرحيّة حسب قولها “هي ثمرة مشاركتها في برنامج أحلى صوت الفرنسي” حيث توجّهت إلى الجمهور الغربي وأحيت “أزميرالدا” بطلة الرواية الشّهيرة على المسرح من جديد بعد عشرين سنة تقريباً.

هبة طوجي والجمهور السوري

عام 2018 أطلقت هبة شارة مسلسل “طريق” وهو العمل الأول الّذي تتوجّه به بشكل مباشر إلى الجمهور السوري على اعتبار أن من كتب العمل هما الكاتبتان السوريتان “سلام كسيري وفرح شيّا” وأخرجته المخرجة السّوريّة “رشا شربتجي”، كما تضمّن العمل العديد من الفنانين السوريين على رأسهم النجم “عابد فهد”، فخرجت شارة العمل من الشاشات إلى الشوارع السورية، وانتشرت على مواقع التواصل، لكن لم يخيّل للسوريين أن اللقاء سيتجدد مع عابد فهد كبطلة عمل في مسلسل مؤلف من عشر حلقات هو “هوس” الّذي من المفترض أن يُعرض مع حلول شهر رمضان المبارك.

ما ننتظره فعلاً من هذا العمل هو أنه وللمرة الأولى تقريباً سيتشارك نجم سوري البطولة مع نجمة لبنانيّة أكاديميّة، متمكّنة، لديها خبرة مسرحيّة عالميّة، وذات ملامح غير مبالغ بها، فهل ستكسر هبة الفكرة السائدة عن البان أراب الّتي تعتبر أن نجماً سورياً متمكّناً وملكة جمال لبنانيّة يفيان بالغرض؟ مع الأخذ بالعلم أن هناك تجارب وثنائيات ناجحة كثنائيّة “عابد فهد” و”سيرين عبد النور” في مسلسل “24 قيراط”.

هبة طوجي.. لا بداية ولانهاية لأحلامك فالجميع يعلم أن من يتتلمذ في منزل الرحابنة لا حدود لطموحه، وخيالات العمالقة الّتي يقابلها في هذا البيت لا تفسح له المجال للتراخي، لكن متى سيكون اللقاء في دار الأوبرا بدمشق برأيك؟ هل ستحيكُ صديقتي فستان فرحها؟ هل سيمتلئ المسرح من جديد وتعود المدن نافعة للعيش؟

إلى أن يحين اللّقاء وحتى وقتها سنغنّي جميعاً “عـــالـــبـــال يا وطــنّنا”