حسن سامي يوسف يحتال على التاريخ!

بقلم: نورهان النداف

كان الفن وما يزال انعكاسا للمجتمع والذوق العام يؤثر فيه كما يتأثر بفعله؛ فإذا تهاوت أركان هذا المجتمع تهاوى معها الفن: الصداقة، الإيمان، الوطن، الحب ولعل هذا الأخير أكثر المتأثرين بذاك السقوط.

ليبقى الفن طوق النجاة الأخير. يعيد هندسة الأشياء على مساحاته الخاصة؛ على لوحة الرسام وطين النحات ووتر العازف وأوراق الأديب.

نجد كتاب الدراما اليوم في معظمهم يحلقون في سماوات بعيدة عن هذا الفضاء مغرقين في الرومانسيات الفارغة والحبكات المفتعلة، ويبقى القليلون منهم قادرين على تحقيق التوازن بين ما يجب أن يكون وما هو كائن فعلاً في الحياة.

فيلجأ واحدهم تطبيقا لمقولة التاريخ يعيد نفسه إلى محاكاة قصص الأولين عله يبث روح ذاك الإنسان القديم في هذا الجديد البالي. وقد يظن القارئ فيما يقرأ أن الأعمال التاريخية حاضرة في هذا التلميح، وهو مصيب إلى حد ما، لكن المفارقة أن تكون الأعمال المعاصرة هي المعنية هنا وأن تحمل في خباياها روح الأولين وتاريخهم.. بمصائرهم وأذواقهم وخيباتهم.

وهنا لم يُجِد أحد الاحتيال على الزمان كما فعل حسن سامي يوسف؛ لقد استعاد التاريخ بروحه لا بشكله، بقلوب عشاقه لا وجوههم، بأسماءهم لا بهم.

فليس “الأمير الأحمر” أولى كتابات سامي يوسف التاريخية وإن كان هذا ظاهر الأمر؛ لقد حضر التاريخ في شخوص قصصه وأسماءهم على الدوام.

وهو ما يزداد وضوحا في ثلاث حكايات من أجمل ما كتب من الأعمال:

زمان العار وثنائية جميل بثينة

لم يكن من العبث أو المصادفة تسمية بطلي الحكاية بهذين الاسمين الذين يمثلان رمزا من رموز الحب الخالد.

لقد اختلفت أحوال الزمان بين العصر الأموي والعصر الحديث اختلافا لم يلغ روح الحكايات الأولى، فقد كان جميل الأول عنيدا في حبه غير آبه بالمجتمع وكانت بثينة مدفوعة إلى الخطيئة بفعل أهلها وحبسها عن حبها. وهو أيضاً ما رأيناه في زمان العار في سياق جديد للحكاية يتناسب وتركيبة الإنسان الجديد.

الغفران وثنائية أمجد وعزة

كُثَيِّر عزة الذي ذاق لوعة الفقد ومرارة الحرمان وزواج الحبيبة من آخر هو أمجد “الغفران” الذي ربما لبس اسما جديدا في الحكاية لثقل اسم صاحبها الأول “كثير”، وليس اسم المحبوبة وتشابه المصائر وحده ما يفضي إلى هذه المحاكاة بل إن سامي يوسف أشار إلى ذلك إشارة واضحة في الحلقة الثانية حيث كتب أمجد في رسالته إلى عزة بيتا من قصيدة كثير الشهيرة:

فما أنا بالدّاعي لعزَّة َ بالرَّدى.. ولا شامتٍ إن نَعْلُ عَزَّة َ زلَّتِ.

الندم وثنائية عروة وهناء

كريم الخصال واليد، رقيق القلب، هكذا كان عروة بن الورد يساعد المحتاجين وينتصر للمظلوم، ما من قواسم كثيرة بين عروة الشاعر وعروة الكاتب سوى تلك الشهامة التي لم تفارقه حتى حين افتقر إلى المال.. يطالعنا عروة الغول شابا من هذا الزمان بروح عتيقة أصيلة وذائقة قديمة.. نراه كاتبا لا شاعرا لكنه أحب الشعر وتعاطى بيوته، فما من أحد شاهد الندم إلا وحفظ أبيات ابن الدمينة:

وقد زعموا أن المحب إذا دنا
يمل وأن النأي يشفي من الوجد
بكل تداوينا فلم يشف ما بنا
على ذاك قرب الدار خير من البعيد
على أن قرب الدار ليس بنافع
إذا كان من تهواه ليس بذي عهد

يمكن القول وبكثير من الثقة إن حسن سامي يوسف استطاع أن يُلبسَ اليوم ثوب الأمس دون أن يقلب أوراق الروزنامة إلى الوراء .