في عيد الحُب .. الحُب لمن كانَ رسول العشّاق وسبيل المشتاق

كثيراً ما قرأنا بقصص الطفولة عن ذلك المارد السحري أو تلك الجنية أو حورية البحر الجميلة، وكل تلك القصص تتفق على قدرة الشخصية على تلبية أي أمنية كانت ما عدا ثلاث؛ قتل حي، إحياء الميت، إرغام شخص على الحب.

لو دققنا في هذه الأمنيات نجد أنها ألغاز حيّرت البشرية، فأين يذهب الميت؟ وهل يعود للحياة ؟ وكيف لهذا الحب الذي لا نعرف له شكلاً أن يقلب حياتنا بغتة دون أن ندري، وكيف لحلاوته أن تجعل الهوى يرجع شباب كما قالت سعاد محمد ؟!

صحيح أنهم كما قال محمد عبد الوهاب “نجوم غير النجوم من حسن منظرها”، ولكنهم يحبون مثلنا، ويفترقون مثلاً، ويمر الحب عليهم بقصصه ومآسيه مثلنا، وحتى لو كانوا نجوماً، فلا أحد معصوم عن الحب وكما قالت الست: “وهاتلي قلب لا داب ولا حب ولا انجرح ولا شاف حرمان”.

عشقنا على أغنياتهم، ولكن قبل ذلك هم عشقوا، وخرجت أغنياتهم من رحم تلك القصص، سُقيت هياماً بكل كلمة وقافية، تشبّعت إحساساً بكل ميزور وشطر !.

نقرأ عادةً في الأفلام السينمائية عبارة “مبني على قصة واقعية”، وأغاني الحب أحياناً تُبنى على الواقع.

الدومري بيوم الحب سيضيء فانوس قصص حب تجسدت على شكل أغاني.

إنت النعيم والهنا وإنت العذاب والضنا .. والعمر إيه غير دول؟

اصطحب محمد عبد الوهاب أحمد رامي إلى أحد المسارح، فشاهدا فلاحين يرتديان جبة رمادية ويعتمران العمامة، وأمامهما في الوسط صبي لا يحرك ساكناً، كان يلف جسمه بعمامة ويغطيه بعمامة مشدودة على الرأس لا يحرك، ونهض أحمد رامي يصرخ مع الهاتفين، لقد بدأت رحلته مع أم كلثوم، منذ الآن، ولم يكن الصبي إلا فتاة ترتدي ثياب فتى.

لو أردت أن تعرف مدى عشق أحمد رامي للست فاقرأ بين سطور قصائده نجواته التى تكاد تصرخ متمردةً على الورق لتقول: بحبك يا ثومه!

تزوج وأنجب وبقي يحبها حتى النهاية، وفي كل مرة كان يخبو فيها الحب يعود ويقول: جددت حبك ليه!

لا الزمان ولا المكان .. قدروا يخلوا حبنا ده يبقى كان!

“أنت مشغلني كوبري للست اللي بتحبها ؟” هكذا وصفت أم كلثوم أغاني بليغ حمدي التي كانت موجهة لوردة واحدة، ورغم كل الزهور المصرية التي سقاها النيل، لم تعجبه سوى وردة الجزائر التي عشقها وهام بها وطلب يدها للزواج فرفض والدها لتتزوج ضابطاً وتعتزل الفن !.

فأخرج كل اللوعة والحسرة من قلبه بمقدمة أغنية العيون السود، ليكملها محمد حمزة، ولم يعطها لأحد، وبعد سنوات عاد والتقى بوردة لتعاود قصة الحب من جديد بانفصال وردة وغنائها الأغنية.

طمّن قلبك لسه بحبك .. زي زمان وأكتر بزمان!

“هل تعمل طياراً ؟”، كان أول سؤال وجهته فايزة أحمد إلى محمد سلطان في أوائل الستينيات خلال أول لقاء لهما على عشاء في منزل فريد الأطرش، ووقتها كانت «فايزة» في أوج شهرتها، بينما «سلطان» كان عازف عود ومغن وملحن وممثل بسيط، ذات مرة فوجئ «سلطان» بـ«فايزة» تطلب منه الزواج وهي تبكي أثناء وجوده معها في سيارتها، وعبرت له عن حزنها بسبب الإشاعات حول وجود علاقة بينهما، ووافق «سلطان» على الفور.

وبعد الطلاق ذهب لفرنسا وعاد عندما علم بمرضها، في اليوم التالي أيقظت «فايزة» في السادسة صباحاً وطلبت منه استدعاء الأطباء، لكن حالتها ساءت للغاية واضطروا نقلها للمستشفى بسيارة زوجها، ونامت «فايزة» على صدر زوجها طوال الطريق، وسألته عن عمرها وعندما اندهش، قالت «عمري 17 سنة هي الفترة التي عشتها معاك»، وكانت تلك آخر كلماتها، وغنت له قبل الوفاة أغنية أيوه تعبني هواك.

وبقى يزور قبرها كل يوم وفي كل مرة يؤكد: “هي حبيبتي الأولى والأخيرة.. لم ولن أنساها.. ماتت لكنها لم ترحل عن دنياي حتى الآن”

يا ليالي العيد.. من غير مواعيد.. أبو حظ سعيد

اللي تحن عليه نورا!

غنَّى موسيقار الأزمان فريد الأطرش في حفل زفاف الملك فاروق والملكة ناريمان، ولم يكن يعلم أنه سيقع في حب الملكة ذات يوم، وبعد اندلاع أحداث ثورة 1952 سافر الزوجان الملكيان للخارج، لكن ناريمان لم تستطع تحمل الوضع في المنفى، وحصلت على الطلاق من فاروق وعادت إلى مصر.

عقب عودتها، اعتاد فريد الأطرش الذهاب إلى قصرها للغناء في الحفلات التي كانت تقيمها، ووقع في غرامها، لكنه لم يكن يعلم حقيقة مشاعرها، وغنى لها “نورا يا نورا” وهو اسم “الدلع” للملكة ناريمان، وفي تلك الأثناء كانت الصحف المصرية تنشر أخباراً عن وجود علاقة بين ناريمان وفريد الأطرش.

وكان الأطرش ينوي التقدم للملكة ناريمان وطلب يدها، إلا إنه فوجئ بوالدة حبيبته السيدة “أصيلة” تنفي وجود علاقة بين ابنتها والأطرش، قائلةً إنه أساء استغلال علاقته مع العائلة، حيث إنهم من أصول عريقة، ولا يمكن لابنتها الزواج من مطرب.

ويبدو أنَّ فريد الأطرش ليس فقط موسيقار الأزمان بل وعاشقها أيضاً.

فأنتِ في أعماقِ ذاتي .. سر أسرار حياتي .. فدعيهم يا حياتي.

“رجل عشق امرأة .. امرأة ماتت في دباديب رجل”

هكذا يمكن أن نلخص قصة حب عبد الحليم وسعاد، عرفتموه المغني على المسرح والممثل وراء الكاميرا، ولكن كان لسعاد حسني أكثر من ذلك هو العائلة والحضن والعاشق الغيور جداً وقارئ السيناريوهات ومعطي النصائح، لا تستغربوا عندما قال لها أنه لا يستطيع أن يكون لها كزوج لتجيبه هي: “أعيش خادمة تحت رجليك يا حليم !”.

وبقيت قصة حبهم حتى رحيله محط أنظار الأوساط الأدبية وبقيت سعاد فعلاً سر أسرار حياته.

ولّا خايف حبي ياخذك .. بحر تغرق فيه لوحدك ..

لا دنا معاك يا حبيبي !

“يا ويلي كيف ببوس!، اللي ما تزوجت رشدي أباظة ما تزوجت”، هكذا وصفت الصبوحة حبها لرشدي أباظة.

زواج لم يدم سوى ساعات معدودة، ولكن شرارة الحب التي ولدت مع أغنية عاشقة وغلبنانة والنبي في الستينات، أبقت هذه الغلبانة عاشقة للدونجوان الذي ربط خيوط قلبه في ضفائرها الشقراء، استمر الحب بفيلم كانت أيام الذي غنت فيه الصبوحة أغنية يانا يانا، وبقي هذا الحب حتى رحيل رشدي الذي عندما زارته صباح لأخر مرة طلب منها أن تغني له هذه الأيام وبقيت معه حتى النهاية لتؤكد كلام الأغنية “لا دنا معاك يا حبيبي!”

وبعيونك ربيعي نوَّر وحلي .. أنا لحبيبي وحبيبي إلي

لم تعرف قصة حب فيروز وعاصي الالتهاب والحرارة كباقي القصص، فهو الأب والموسيقار الرصين، وهي المطربة التي أسرت نفسها في صورة ثابتة يجب أن تحافط عليها ربما بخلوتها مع عاصي.

أعتقد أنه قال لها: “هيك مشق الزعرورة وهيك بتمشي الأمورة”، فاضطرت لأن تكظم عواطفها وتبرزها بأغانيها فقط، ولكن عند الرحيل ظهر ضعف المُعلّم كما وصفه منصور وقال لها: “وعديني ما تتركيني”، فقالت له: “بوعدك بشي تاني، أرجعلك عطول”، وبالفعل عادت بعد سنوات لتغني له ألبوم إلى عاصي لتقول أنا لحبيبي وحبيبي إلي، وليس بعيونه نوَّر ربيعها فقط، بل نوَّرت الموسيقا كلها فهو رئيس جمهوريتها كما قالت أصالة يوماً.

لذا فالعبرة قبل أن ينتهي فتيل فانوسي، الوجه الممتلئ بالبوتكس ولو حافظ على قوامه ولكن ملمسه يبقى بلاستيكياً، الوردة الاصطناعية ولو لم تذبل ولكنها لا تتغير ولا تضيف روحاً للمكان، وهكذا الأغنية إن لم تُسقى حروفها بعواطف حقيقية لا يمكن أن تصل لمرتبة الفن.

سبع أغنيات لم تُعبّر عن أصحابها وحسب؛ بل ملايين الناس أخذوا اقتباسات منها في يوم الحب أو بغيره ليبقى الفن كما قالت اسمهان: رسول العشاق .. سبيل المشتاق.