«درب السما».. ذاكرة السينما طويلة

تقرير: حسين روماني

لا تُشبَع الصورة في أفلام جود سعيد بالألوان فقط إنما بالوجوه الشابة، دماء جديدة لها دائماً متسع من المساحة إلى جانب الكبار، كانت الأولى للبعض وهُم طلاب في المعهد العالي للفنون المسرحية سُمِحَ لهم بالوقوف أمام الكاميرا، ليأتي العرض الخاص لفيلم “درب السما” سادس أفلام سعيد الطويلة في “سينما سيتي” بدمشق بعد ثلاث سنوات من انتهاء عمليات التصوير أيضاً كفرصة لأن يرى هؤلاء الشباب ما قدموه والرصيد امتلئ بأعمال في المسرح والتلفزيون والسينما أعطتهم الخبرة وألفتهم لعيون الجمهور.

قدم النجم أيمن زيدان شخصية ذكرتنا بالإبداع في الماضي القريب، “الأستاذ زياد” الذي يرفض مغادرة منزله المترنح تحت النار، يقطن هو وابنه وابنتاه، يزوّج الكبرى من حب طفولتها بعد أن أصيب بالعمى جراء ويلات الحرب التي لاتتوقف عند ذلك الحد، فتقدم نفسها طعاماً للبحر وهي هاربةٌ من الموت، ويقدّم الصغرى قرباناً للحب بعد أن أعدمها المسلحون وحبيبها لأنها طلبت منه ترك تلك الجماعات، هي حارة لبس أبناؤها ثوب الحرب بعد أن خلعوا كل ما تعلموه من أستاذهم، فيخونونه ويُجبَر على حمل شيبته المتعبة وجثة ابنته ويذهب مع ابنه ذي الساق الصناعية وابنة صديقه الذي أراد لها أن تغادر بحثاً عن العلم بعيداً عن الجهل المتقع، فيعود “الأستاذ زياد” إلى جغرافية قريته التي له فيها تاريخ من الصراع مع العادات والتقاليد يتجلى بطمع أخيه تاجر الحرب، الذي يريد أن يبتلع كل ما بقي لدى الأستاذ من داره وأرضه بل وحتى سمعته بين الناس، لا تتوقف الحكاية هنا بل يحاول الحب أن يجد لنفسه مكاناً يداوي جراح الزمن ليطوي صفحات الماضي لكن مرارة الواقع أصعب بكثير.

خطوط درامية مكتوبة بروح الشباب تشابكت حول “الأستاذ زياد”، تنقلت بين الرومنسية والإنسانية على خط يمسّ الكوميديا السوداء، كانت من نصيب مجموعة من طلّاب وخريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، أقربها ابنه “رام” لاعب كرة القدم، الذي أخذت منه الحرب ساقه وأعطته أخرى اصطناعية، فنراه كالسند لأبيه وهو يقف، يواجه، يحاول أن يسجل انتصاره هدفاً في مرمى القدر، تلك الشخصية التي أداها الممثل جابر جوخدار أخبرنا أنها أتت كعلاوة، فعندما يكون الدور بنفس جيل الممثل تصبح الفرصة أكبر للتركيز على التفاصيل النفسية، وعن صعوبة الأداء قال: “هناك تعب على صعيد التفكير إلا أن رهاني كان على الحركة والجسد، الخطورة في تلك الشخصية لم تكن بالوقوع من على السور فقط، إنما المشاهد الطويلة التي إن تعثرت بأي خطأ تصبح خطرة ليس للمشاهد إنما للممثل، وبكل حماس وبمساعدة الأساتذة الفنانين والفنيين استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة في الشريط السينمائي”.

جابر صاحب التنوّع في أدواره منذ أعمال “ذكريات الزمن القادم” 2003 و”ليس سراباً” 2008 أدى دور البطولة في فيلم “محبس” مع المخرجة اللبنانية صوفي بطرس عام 2017، وشارك في المسلسل السوري الجزائري “ورد أسود” الذي عرض في العام الماضي مع المخرج سمير حسين، يرى في عرض “درب السما” بعد ثلاث سنوات على تصويره بأنه “وجبه طازجة”، وعن ذلك قال: “من عادتي أن أنقد نفسي وأنا أشاهد أي دور قدمته على التلفزيون، لكن اليوم الإحساس كان مختلفاً، لم تقف في طريق مشاهدتي سوى تفاصيل شكلية تعرضت للنقد ليس لها علاقة بالأداء”، وأضاف، “العرض اليوم لم يتجاوز وقته برأيي، ربما لأن السينما ليس لها عمراً أو لأن أحداثه ليست بالبعيدة عن اليوم، ونترك الحكم للجمهور في ذلك الأمر”.

الممثلة نور علي التي عرفها الجمهور في أعمال “وهم”، “هوا أصفر”، “عن الهوى والجوى” دخلت الشاشات العربية من أوسع أبوابها في مسلسل “عروس بيروت” والذي انتهى عرضه مؤخراً، شاركتنا الحديث عن تجربتها الأولى أمام الكاميرا وفي السينما، فهي ابنة “الأستاذ زياد” الصغرى شبيهة والدتها، المراهقة التي تضحك وتفرح دون أن تعي ما يحدث من حولها، تحاول أن تعيد الشاب الذي أحبت من صفوف الجماعات المسلحة، لكن الموت يرخي ظلاله على قصة الحب هذه بمشنقة في الساحة، عُلِّقَت عليها فتاة أحبت الحياة لكن الموت في زمن الحروب من نصيب الأبرياء، وعن مشاركتها قالت: ” في أيام تصوير الفيلم كنت لم أزل طالبة نجحت إلى السنة الثالثة بقسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية، وبالرغم مما أنجزته على التلفزيون بعد التخرج أتيت إلى العرض الخاص ويمتلّكني هاجس الخوف والتوتر، كانت فرصة مهمة من المخرج جود سعيد كما أن الوقوف أمام الكبير أيمن زيدان منحني المساعدة برسم التفاصيل وراكم لي خبرة أحسست بها اليوم في العرض”.

الفيلم لم يكن فرصة أولى للمواهب الجديدة فقط إنما كان التجربة السينمائية الأولى للنجمة “صفاء سلطان” بعد أن تقاسمت البطولة فيه، ومساحة لنرى أدوات الممثل “حسين عبّاس” بعيداً عن الكوميديا، كيف يلون بأسلوبه مزيجاً من الشر تجسد بتاجر الأزمة الذي لم يوفّر أخاه ولم يترك للدم قرابة، إلى أدوار عدّة لعبها الممثلون “نوار يوسف”، “محمد الأحمد”، “حسن دوبا” ، “رامي أحمر”، “رسل الحسين”، “مرح حسن”، “لبابة صقر”، وآخرين.

“درب السما” قصّة كتبها مخرج الفيلم “جود سعيد” وبطله “أيمن زيدان” مع الكُتّاب “رامي كوسا” و”سماح قتّال”، انتزعت جائزة أفضل سيناريو في المسابقة الرسمية لمهرجان الإسكندرية السينمائي، ونال شريطها السينمائي جائزة أفضل فيلم في مسابقة نور الشريف للأفلام الروائية العربية الطويلة ضمن فعاليات المهرجان، عندما كان على موعد مع الجمهور العربي في عرضه الأول.