عروس بيروت.. المُزيّفة

عروس بيروت

عروس بيروت

بقلم: جوان ملا

تهليل كبير حظي به مسلسل “عروس بيروت” قبل عرضه حصرياً على شاشة MBC بعد أن تمت عمليات التصوير في مناطق لبنانية تركية مختلفة بشكل شبه سري.

أُطلِقَ حفلٌ ضخم عند بدء عرض العمل مطلع أيلول الفائت وتحدث مدير عام مجموعة قنوات MBC “علي جابر” لأحد البرامج التلفزيونية عن أهمية الانتقال من الدبلجة إلى الإنتاج العربي واعتبَره مشروعاً مهماً مبتكراً داعياً حسب قوله إلى بدء زمن المسلسلات “الأصلية” العربية.
العمل الذي بدأ عرضه لم يكن ذلك نفسه الذي توقع الناس مشاهدته، حيث يفتقد بكل تفاصيله إلى روح الابتكار والتجديد فارضاً نفسه بدعاية كبيرة دون تأثير مقنع من ناحية المحتوى.

حيث تبدو الصورة بشكل منسوخ تماماً عن المسلسل التركي “عروس اسطنبول” دون أي تغييرات تدفع المشاهد للاستمتاع أو الانبهار، فضلاً عن المَشاهد التي تبدو أنها فعلاً مدبلجة، لامتلائها بجمود الحركات وبعثرة التفاصيل واستخدام الصوت بشكلٍ مدبلَج من العمل الأصلي.
وبينما نجح “ظافر العابدين” بأداء اللكنة اللبنانية بشكل مقبول وأدائه الهادئ المتوازن، لكن حقيقةً لا هدفَ واضحاً من تقديم فنان تونسي ليتكلم اللهجة اللبنانية. إنما هذا اعتراف واضح بخوف المنتجين من النجوم الشباب اللبنانيين ورهاب الخوض معهم في تجربة درامية جديدة مع أن الكثيرين منهم يستحقون فرصة ليثبتوا أنفسهم، فالأفضلية دائماً للفنانات الشابات اللبنانيات اللواتي يعتمدنَ على جمالهن، فعروس بيروت “كارمن بصيبص” كان لها الحصة الأكبر من الترويج وحالة الإيهام بأنها نجمة الساحة مع التركيز على جمالها الطبيعي متناسين أداءها الفاتر، والذي يجب أن يكون أساساً في تصدير أي “ممثل” مهما كان خارقاً جماله. في حين تلعب القديرة “تقلا شمعون” دورها بإتقان رائع لتظهر فيه تلك السيدة القوية المتجبرة راسمةً على وجهها ملامح قاسية لا يمكن للمشاهد إلا أن يتشبع بها، وعلى كل فنانة لبنانية التعلم من هذه الأيقونة قبل دخولها أي دور “درامي” تعرضُ فيه جمالها وفساتينها قبل حركات وجهها وجسدها.

وبالطبع ساهمَ دخول العنصر السوري في العمل قليلاً في جعل الأداء متوازناً في محاولةٍ لرفع مستوى النص “المُتَرجَم” حرفياً من التركية من قِبَل “بلال شحادات، نادين الجابر”، فرغم أن الأسماء السورية الموجودة في العمل قدمت سابقاً أعمالاً بشخصيات جديدة “مبتكرة” أهم بكثير، ورغم أن الشخصيات السورية المحورية في العمل يلعبون دور “الخَدَم” في القصر دون معرفة إن كانت هذه رسالة مبطّنة للسوريين والعرب أم لا!
إنما يعرف الفنان السوري كيف يكسبُ الرهان لصالحه، فالفنانة القديرة “لينا حوارنة” مثلاً تقوم بأداء ذكي توحي فيه أنها تلك السيدة المغلوبة على أمرها فعلاً وهذا ليس بالغريب أو الجديد عليها، ويلعب الفنانون السوريون المشاركون في العمل أدوارهم بجدية واضحة مضيفين تكنيكاً مميزاً على الشخصيات التركية الأساسية في محاولة لتجديد روح الشخصيات الباردة تلك، وربما مفاجأة العمل هو الفنان السوري الشاب “فارس ياغي” الذي يلعب دور “هادي الضاهر”، فخرّيج المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق يتكلم باللهجة اللبنانية لاعباً دوره بكل سلاسة وبساطة منتقلاً في مشاهده بكل هدوء، متقمصاً الشخصية بحذافيرها لدرجة أن الكثيرين صُدِموا وقد يُصدَمون حين يعرفون أنه فنان سوري، وهُنا تكمُن قوة الفنان بالإقناع والتأثير.

استُخدِمَ في العمل مشاهد مختلفة بصورة لونية مميزة مبهرة، لكن حتى الأماكن مأخوذة ذاتها بشكل شبه منسوخ من “عروس اسطنبول” فلا حالة من الاندهاش قد تصيب الجمهور خصوصاً الذي تابع قبلاً المسلسل التركي الأصلي. فضلاً عن تصوير المسلسل بشكل شبه كامل في تركيا لمدة تجاوزت الثمانية أشهر وإيهام الجمهور أن المشاهد في لبنان، ما صنع خللاً واضحاً بين المشاهد المصوّرة في تركيا وبعض المشاهد الخارجية واللقطات العامة المصوّرة في لبنان، فلا عجب حين يخرج الممثل من بار في اسطنبول لنجده في شارع الجميزة ببيروت خلال مشهدين متتاليين.
ظهر “عروس بيروت” بحُلّة باهية، مع إنتاج ضخم، وأموال طائلة، وتفاصيل كثيرة من جمالية الصورة وأماكن التصوير، والثياب الفاخرة والقصور الفارهة، لكن كلها كانت مظاهر مقلّدة، خدّاعة!

فالإنتاج العربي بحاجة للتجديد والابتكار وتقديم قصص “عربية” جديدة كلياً تحكي هموم كل مواطن يعيش في هذه البقعة التي تتوسط الأرض من محيطها لخليجها، وهي المكان الأغزر بالحكايا وتعيش في خِضَمّ صراعات لا تنتهي!
فلا حاجة للعرب باستيراد ثقافة غربية “مُعلَّبة” بعيدة عن حياتهم الحقيقية ليتقبلوها ويتشبعوا بها وتُقَدّم لهم على طبق من ذهب كي ينهبروا بها غير دارين بما ورائيات كل مسلسل يشاهدونه بسبب سطحية مستوى التفكير عند الكثير من المشاهدين العرب للأسف ولهذا السبب يحتاج عقل المشاهد العربي لأقلام وإنتاجات “عربية” ضخمة تغني ثقافته الفنية وتقدّم قصصاً تنبع من 400 مليون نسمة يعيش كثيرون منهم في أماكن صعبة وشبه مسحوقة لا في قصور وسيارات فخمة.

فهل من يجمع الفنانين العرب في أعمال ضخمة تشبه قضايا بلدانهم، أم سنكتفي بعروس نستقبلها بفستان أبيض على شاشاتنا وحين نرفع عن وجهها الطَّرحة نجدُها مجرد لعبة مُزَيَّفة؟!