غفوة القلوب.. ونزوة الإخراج

بقلم جوان ملا

ضمن مشروع “خبز الحياة” الذي أطلقته المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني في رمضان الماضي طالعنا مسلسل “غفوة القلوب” من تأليف “هديل اسماعيل” وإخراج “رشاد كوكش”، العمل الذي عُرِضَ على شاشة سوريا دراما بالإضافة لعرضه على قناة bein دراما المشفرة بقرار ملفت من إدارة القناة، لم يحظَ بمتابعة عالية نوعاً ما، لكنه قدّم قصة لطيفة يحتدم فيها الصراع بين الخير والشر والمبادئ الأخلاقية والتخلي عنها.


الحكاية تتركز في منزلين “بيت أبو أيهم” شرطي المرور الفقير الحال ولعب دوره “أحمد الأحمد” و “بيت عبد المجيد بيك” الذي لعب دوره القدير “حسام تحسين بيك”، يدخل العمل في تفاصيل البيتين فعائلة أبو أيهم هي عائلة محافظة على المبادئ والأخلاق والتصرفات المضبوطة، في حين عائلة عبد المجيد متفككة تحكمها الزوجة “بثينة – نظلي الرواس” التي تكره زواجها وبيتها بسبب حبها القديم وماضيها في “الضيعة” التي تكرهها، والتي هربت منها بالزواج من شخص غني بعد أن أنجبت ولداً من حبيبها الذي تخلت عنه لاحقاً من أجل المال.


في بدايات العمل يقوم ابن “بثينة” الذي ربي معها في بيت زوجها “مُضَر” بارتكاب جريمة قتل في بيت دعارة وكل الدلائل تشير إلى تورطه كما أن الجريمة مصورة عبر كاميرا المنزل، لكن تُلَفَّقُ التهمة بتآمر من الجميع وبصفقة مالية لفتاة أخرى كانت تتردد إلى ذاك المنزل “ريم زينو” وتُسجَن بدلاً عن المجرم الحقيقي ويبقى ال CD الذي صور الجريمة الشاهد الوحيد على القاتل لكن وبالصدفة يقع بين يدي “أبو أيهم” هذا القرص ويخبئه ليتم فيما بعد صفقة بينه وبين “بثينة” التي تريد إنقاذ ابنها بأي ثمن ليعيش الشرطي الفقير بين دوامة الحصول على ثروة أو المبادئ الأخلاقية التي إن تمسك بها سينقذ فتاة بريئة من سجن طويل، كما تتداخل العائلتين من خلال قصة حب تجمع “أيهم – رامي أحمر” بـ “أيڤا – دانة جبر” وهو الشاب الذي لا يمتّ لوالده بصلة من ناحية التفكير والمبادئ حيث يدمر حياة الصبية بعلاقة جنسية ويبتزها كي تصرف عليه مالها.


القصة جيدة نوعاً ما، خصوصاً أنه ومنذ فترة لم يعد هناك أعمال تتحدث عن قيم أخلاقية ومبادئ ضاعت في هذا الزمن، كما أن توضيح المفارقة بين العائلتين “الثرية والفقيرة” كان حقيقياً، قد لا يقدّم جديداً يُذكَر كفكرة، إنما نحن بحاجة لإعادة تكرارها بعد سنين الحرب في نص يشمل المفاهيم القيّمة وهذا ما عمدت إليه الكاتبة الجديدة “هديل اسماعيل”.
لكن ما مسَّ العمل بسوء هو الإخراج الذي لم يكن موفقاً أبداً، حيث اعتمد “رشاد كوكش” على مدرستة التقليدية القديمة في الإخراج، وقدم العمل بصورة نمطية باهتة غير ملمّة بأي تفاصيل منطقية، فمثلاً نشاهد لقاء المتهمة “ريم زينو” بعائلة “عبد المجيد بيك” في قصر العدل كي يسوقوها إلى السجن ليكون المشهد بقمة السذاجة، فالشرطة تنتظر أن تنهي المتهمة حديثها والكل ينظر بصمت لما يجري، أي أن الشخصية تتحرك وحدها وكأن الزمن والشخصيات توقفت حولها، هذا ما لم يعد يُتَّبَع أساساً في الإخراج، فضلاً عن ذلك فإن السجن الذي تقبع فيه الفتاة المتَّهمة يتضح عليه الحداثة، فالجدران مثلاً جديدة ونظيفة وللتمويه كُتِبَ عليها بعض العبارات المضحِكة والمبتذلة في الحقيقة والتي يتضح أنها مكتوبة حديثاً، كما أن السجن “خمس نجوم” فهناك أغطية ووسائد وأسرّة جديدة و”شوفاجات” وكأن المسجونات ينمنَ في نُزُل، حتى أن “المناكير” لم يتغير لونه أو يبهت على أظافر المتهمة، ولم ينقشر حتى، وبقي شعرها مصففاً، فهل لإنسانة متهمة بجريمة قتل تبكي ليل نهار أن تهتم بجمالها والعناية بأظافرها وبشرتها؟!
كما لم يُراعِ العمل “فرق العمر” فمن غير المنطقي أن يكون “أحمد الأحمد” زوج “مرح جبر” وهو يصغرها سناً في الواقع، ورغم محاولات المكياج واستخدام أحمد لأدواته ليظهر أكبر عمرياً لكن ذلك لم ينجح ولم يقنِع للأسف، فالفرق بدا واضحاً.


كافة الأخطاء التي تعثر بها العمل قد يحاول المُشاهِد تمريرها لكن الكارثة تكمن في الحلقة 31 والأخيرة، فبعد أن يأتي حبيب ابنة “أبو أيهم” لخطبتها وهو شخص “مجهول النسب” يكتشف الابن “أيهم” ذلك بنفس اليوم ليفضحه أمام أهله أثناء وجوده في منزلهم ثم يخرج الخاطب وتدهسه سيارة في مشهد “غير حقيقي أو منطقي” وبعد أن تخاف عليه “ألمى – جيانا عنيد” ترافقه إلى المستشفى فيقتنع الأب عندها بأنه يجب أن يرتبطا لأنه يبدو أنه من الصعب تفريقهما! هكذا بكل بساطة! ويحدث ذلك بعد سلسلة من الصراعات بين ألمى وأهلها بسبب فقر حال الشاب وعدم قدرته على إخراجها من حالتها المادية التي هي سيئة بالأصل، لذلك ورغم أن قصة الحب بين “ألمى وتامر” لطيفة إلا أنها لم تأخذ مجراها المنطقي في النهاية، أما لحفل زفافهما حكاية أخرى حيث وقفت الموسيقى فجأة وألقى العريس “خطاب الحب” للحاضرين بأنه سيعتني بزوجته طول العمر، وفوقها تطلب منه أخت العروس أن يعزف “الساكسفون” بحكم أنه عازف، فيخرِج الساكسفون فجأة من خلف الورود ويبدأ العزف غير المتطابق بين حركات أنامله مع الموسيقى التي نسمعها!.
أما “بثينة” فبعد أن طردها زوجها تتصل بأحد الأشخاص وتطلب منه أن “يُنهِي” حياة عبد المجيد زوجها، دون أي مقدمة مسبقة عن وجود علاقات بينها وبين أحد من الأشخاص المتنفذين، والأنكى من ذلك هو افتتاحها لشركة إنتاج لا ندري من أين أتت فيها! ولا سبب إنشائها أساساً، أما قصة “أيهم وأيفا” بقيت متأرجحة ولم تنتهِ بالطريقة المطلوبة، بل فقط يعترف “أيهم” بذنبه!، في حين لا يخضع “أبو أيهم” للطمع ويبقى على مواقفه لينقذ حياة المُتَّهمة وتخرج من السجن في النهاية!.


المميز في العمل حقيقةً هو أداء الشباب، حيث قدم “رامي أحمر” شخصية “أيهم” بتفاصيل مقنِعة وممتعة وكان أداؤه عفوياً لا تكلّفَ فيه ولا تصنّع فكان حقيقياً ليقول “رامي” للجميع إن هناك فناناً بصفات جيدة لا يُستهان به، أما “دانا جبر” ابتعدت عن دور الفتاة المتصنعة “الغنوجة” وربما لأول مرة، فأدّت الدور بطريقة جيدة وملفِتة وتُحسَب لها، وعليها أن تكثِر من هذه الأدوار التي تعتمد على الأداء أكثر من الشكل والدلع. “جيانا عنيد” لعبت دورها الوحيد في هذا الموسم أيضاً بعفوية ولم تحاول أن تبالغ في مشاهدها، فكانت شخصية “ألمى” لطيفة ومحببة. تعاطفنا معها بكل تفاصيلها، إنما من الجدير بجيانا بها أن تلعب أدواراً أهم خصوصاً بعد مسلسل “خاتون” فالانتقائية بالنسبة لها أصبحت مهمة بعد 2016.


“سهير صالح” أيضاً أثبتت في دور البطولة الأول لها أنها قادرة على صنع التكنيك في الأداء بطريقة جميلة، وقد لاقَ بها دور فتاة المدرسة الصغيرة، ونجحت بإقناعنا ببراءتها وأنها تلك الفتاة التي مازالت غضّة ولا تفقه من الحياة شيئاً والتي تحاول الخروج نحو عالم جديد فتفشل، في حين لفتت “ميرنا عبد الحي” الأنظار نحوها بهدوئها وأدائها المتوازن، ورغم عدم ظهورها إلا في الحلقات الأخيرة تقريباً لكنها استطاعت إثبات صدق انفعالاتها وتكريس جمالها لمصلحتها متوازياً مع الأداء السليم.
في حين لم يقدم الدور جديداً لنظلي الرواس أو لأحمد الأحمد وحتى لمرح جبر، أما “أنس طيارة” ورغم أدائه الجيد الذي لا يختلف عليه أحد إلا أن الشخصية كانت الأضعف من بين الشخصيات الباقية التي لعبها في الموسم الماضي بأعمال أهم وأنجح، لكم يبدو أنه كان خياراً مبدئياً له قبل دخوله في أعمال أخرى، في حين أعاد المسلسل حسام تحسين بيك للأدوار الجدّية في الأعمال الاجتماعية وهذا ما هو مُغِيَّب عنه منذ مدة وهو بحاجته بشدة.


حكاية “غفوة القلوب” كان يمكن ضبطها وإحكام النص بشكل أكبر من خلال تقديم حلول درامية مقنِعة تُغني القصة بطريقة مميزة أكثر من ذلك، وكان من الممكن أن يكون العمل الاجتماعي هو الأكثر قُرباً من الناس لبساطته وابتعاده عن فجاجة الطرح التي عانى منها الجمهور السوري طويلاً، لكن سوء التنسيق والتدقيق بتفاصيل العمل خرَبته، خصوصاً أن الإخراج كان متهلهلاً بشكل واضح ومؤسِف حقيقةً، ولولا اجتهاد النجوم الشباب وحسن أدائهم في المسلسل لقُلنا إن العمل لم يقدمهم بالصورة التي تليق بهم، لكنهم كسبوا الرهان وكانوا الأفضل في المسلسل إجمالاً، ويبقى الحكم في النهاية لمشاهدي المسلسل