الدراما بين العام والخاص.. أين التوازن؟

هنالك ركن في الهيئة العامة للإذاعة و التلفزيون،  وتحديداً في المبنى الخلفي القديم يدعى بــ المديرية العامة للإنتاج التلفزيوني.  وفي تلك المديرية بالذات عرفت الدراما السورية نجاحاتها، وصنعت نجومها، وأعمالها، في زمنٍ لم يكن قد نشأت فيه ما باتت تُعرَف الآن بــ دراما القطاع الخاص.

حين تدخل إلى هذه المديرية الآن سوف ترى صوراً تُزيِّن جدرانها تعود لأعمالٍ درامية كانت قد أنجزتها المديرية عبر تاريخها، تتنوَّع في مواضيعها، وفي أشكالها ومدة عرضها “أفلام تلفزيونية، ثلاثية تلفزيونية، سباعية تلفزيونية..إلخ”.

قد تصدف في تلك المديرية بعضاً ممن عاصروا تلك المرحلة الذهبية كما يطلقون هم على الدراما السورية آنذاك،  و هذا يعود برأيهم إلى مستوى المهنية، والأخلاق التي كانت تجمع صنَّاع هذه المهنة بالحد الأدنى.

أَفَل نجم تلك المديرية عام 2010 حين أحدث القانون رقم /15/ لما يسمَّى المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، بطابع اقتصادي، تتمتَّع بالشخصية الاعتبارية،  والاستقلال المالي والإداري. ويظهر بوضوح أنَّ سبب إنشائها قائمٌ على أن تكون جهة إنتاج درامي تعمل بعقلية مرنة شفافة، وتستطيع من خلال جودة منتجها أن توفِّرعائداً مالياً قادراً معقولاً يجعلها قادرة على دفع عجلة الإنتاج عاماً بعد عام.

للأسف لم تتمكَّن هذه المؤسسة حتى الآن من ترسيخ آلية عملٍ دراميٍّ حقيقي قادر على منافسة أعمال القطاع الخاص رغم فرق الإمكانيات أحياناً لصالحها، أو حتى صناعة نجمٍ سوريٍّ حقيقي “ممثل، مخرج، كاتب” من منطلق أنَّها تقوم في أحد جوانبها على رعاية المواهب وإطلاقها، وهنا لا نتحدَّث عن ضرورة تشابهها مع القطاع الدرامي الخاص في الموضوع والطرح، وإنما عن ضرورة منافسة المنتج الدرامي الخاص فيها لـمنتج الشركات الخاصة.  وبمراجعة بسيطة لتاريخ إنتاجات المؤسسة سوف نقف عند أعمالٍ تكفيها أصابع اليد الواحدة ربَّما لتتمكَّن من أن تتلَّ حيزاً في ذاكرة المشاهد السوري.

يهرب بعضهم إلى التبرير، والتلويح بضرورة أن تقدِّم هذه المؤسسة أعمالاً ملتزمة من ناحية الموضوع، رغم أن الالتزام يحمل أوجهاً متعددة، لا يُحصّر في موضوع أو اثنين، فالحديث عن العائلة السورية، وهمومها، ومشاكلها، والمجتمع السوري، وأحلام شبابه، وواقعهم هو فنٌّ ملتزم.  وقد يخرج أحدهم للقول أن المؤسسة حققت هذا الشرط من ناحية الموضوع، ولكن ليس بالنيات وحدها تُحاكَم الأمور، وإنما بالسوية الفكرية والفنية للتنفيذ.

يهرب البعض الآخر إلى ضرورة أن تقوم المؤسسة بدورها الأخلاقي الخيري اتجاه الدراما السورية، من أجل سدِّ الهوة التي قد يخلفها منطق عمل القطاع الخاص، وهنا يتحوَّل أسلوب عملها إلى مبدأ “السبوبة”، هذا المبدأ الذي لا ينتج فناً حقيقياً بالضرورة، وهو ليس أمراً مشيناً إن اعترف أصحابه أن سبب إحداث المؤسسة هو هذا، وليس إنتاج فنٍّ دراميٍّ تلفزيونيٍّ حكوميٍّ حقيقي يستطيع طرح مقولة الدولة في المواضيع التي تهمُّ مواطنها، وهي بطبيعة الحال أحد المسؤولين عن تشكيل وعيه الأخلاقي و الاجتماعي.

الوقوف على هذه التساؤلات فيما يخصُّ غياب المنتج الدرامي الحكومي الجيد، ومحاولة إيجاد أجوبة عليها يشكِّل خطوة أولى على المسار الصحيح، ويحول دون ترك المتلقي السوري وحيداً في مهبِّ الريح أمام الإنتاجات المميزة للقطاع الخاص، والذي ينجح كلَّ مرة في جذب المشاهد لأعماله، إمَّا من خلال النص الجيد، أو الممثل الجيد، أو من خلال جمع ثالوث العمل الفني المتكامل “كاتب، مخرج، ممثل”، يضاف لها أيضاً منتجٌ يمتلك وعياً، ومشروعاً فنياً.

التوازن ضروريٌّ في سوق الدراما الغزير هذه الأيام، ووجود أعمالٍ دراميِّة حكومية جيدة -“حكومية نقصد فيها من جهة الإنتاج”، ومميزة ضرورة لا يختلف عليها اثنان ربما، فليس كافياً ان نجلد الآخر في كل موسمٍ رمضانيٍّ على منتجه إن لم يعجبنا، ونغفل في نفس الوقت على حقيقة أن لا ننتظر الآخر كي يحكي عنَّا، وكي يطرح مقولاتنا كما نتمنَّى، ونشتهي، فنحن الأولى بالحديث عن نفسنا، وعن حياتنا من خلال مؤسسات الدولة التي يمكنها في لحظةٍ ما من أن تحقق التوازن بين النوع والنفعية.