المسرح الأوسط

عاد مسرح راميتا ليفتح أبوابه للجمهور، هذا المسرح المغلق لسنوات تجدد نشاطه مؤخراً بعد قرار عرض مسرحية “السيرك الأوسط” فيه، وهي عن نص للكاتب السوري الكبير الراحل محمد الماغوط وإخراج غزوان قهوجي أما البطولة كانت للفنان محمد خير الجراح، أريج خضور، سمير الشماط، باسل الرفاعي، محمد سويد، محمد أيتوني، داوود الشامي، ربى طعمة، وبين بطاقات الألفي والألف ليرة سورية حجز الناس كراسيهم العتيقة فكان الإقبال جيداً ليبتدئ العرض عند الثامنة والنصف وينتهي بعد ساعتين و نصف من بدايته!!

وقد كان لفريق ETSYRIA حواراً مع بعض من نجوم العمل


رائد مشرف: ليس عرضاً تجارياً

عن أسباب انقطاعه عن الدراما والمسرح قال رائد إن ذلك يعود لظروف الحرب إنما عودته للمسرح كانت أقوى منذ شهر آذار حيث أخرج عرض “وحشة” على خشبة القباني، والآن يقوم ببطولة “السيرك الأوسط” التي لا يعتبرها مسرحاً تجارياً بل كوميديا سياسية، وقريباً هناك عرض على المسرح القومي، وعن رسالة المسرحية اعتبر أن ذلك يعود للمتلقين فإن لم يفهموها فهُنا تكمن المشكلة في القائمين على العرض، تلفزيونياً شارك مشرّف ببطولة فيلم من إنتاج التلفزيون السوري من إخراج وليد درويش أما عن الموسم القادم فهناك وعود كثيرة بعمل درامي، وعن علاقاته بالوسط الفني اعتبر أنه مُقِلّ في علاقاته إجمالاً وربما بسبب تقصير منه، وأن هذه العلاقات حتماً تلعب دوراً في ظهور الفنان أو ابتعاده.


سمير الشماط: “المسرح ما بيطعمي خبز”

عن دوره المحوري في العمل وفكرة ترسيخ اسمه كممثل في أذهان الناس اعتبر سمير أن التلفزيون أقوى من المسرح كونه يدخل البيوت ويشاهده العديد من الناس أما المسرح فهو شعبي إنما يقوم بعمل إيجابي وتفاعلي أكثر بحكم أنه مباشر لكن التلفاز هدفه الشهرة والوصول بشكل أكبر، وعن المسرح التجاري قال سمير إنه نوع من أنواع المسرح ويجب بعد عشر سنوات أن يعود الناس لثقافة هذا المسرح و يتابعون القصة خلال ساعتين، ليس لمدة ثلاثين يوماً في رمضان فقط، فهناك قصص مكثفة ممكن أن تصل لذهن الجمهور بطريقة كوميدية لا تخلو من القسوة في الكلمة، وصرّح أن العمل الفني في المسرح “ما بيطعمي خبز” لكنه يقدم المتعة والضحكة والدمعة فهو قادر أن يوصِل من خلال جمهوره عدة أفكار ولا يتوقع أن يكون هذا العرض هو الأول والأخير، وعن تخوفه من أداء نص للكبير محمد الماغوط قال “سألنا أنفسنا كيف سيتقبل الناس محمد الماغوط في 2018؟ فلذلك حاولنا تقديمه بطريقة سليمة تتناسب مع الواقع كي يستقبله الجمهور بشكل صحيح” و عن الدراما صرّح سمير أنه لا جديد حالياً على الساحة بل مجرد نقاشات تدور دون اتفاقات رسمية.


أريج خضور: مشكلة المسرح مادية

عن المقوّمات الجمالية وأهميتها في العرض اعتبرت أريج أنه هذه المقومات قد تفيد في التلفزيون بنسبة 30% إنما هي خرجت بعدة أدوار بشخصيات لا تعتمد على الجمال في الدراما وقد تعمّدت ذلك منذ بداياتها، أما في المسرح لا يمكننا الحديث عن مقومات الجمال دون الأدوات التمثيلية فالشكل لا يفيد إلا بأماكن صغيرة معينة، وبهكذا نوع من العروض لا يهم الجمال إنما المهم هو أن نفهم محمد الماغوط وماذا يريد أن يقول، واعتبرت خضور أن أي تجربة تقدمها تتخوف منها لكن الماغوط يتكلم عنا لذلك يخرج من الممثل شيء تلقائي من ذاكرته وتاريخه، الذي تربى عليه، وعن العروض الراقصة والأغاني في العرض قالت أريج “إن الاستعراض جداً مهم، فقد أصبح الشكل مهماً عند الناس، فلكي نتوصل إلى مضمون العرض ورسالته علينا أن نقدمه بشكل ملفت لأننا أصبحنا استعراضيين في كل شيء نقوله، وشخصية “جوجو” التي قدمتُها في المسرحية هي شخصية تشبه السبب الذي أوصل الدراما السورية إلى وضع “ما تحت الصفر” بسبب الدخلاء على المهنة ، فـ “جوجو” دخيلة على التمثيل في العرض لكنها وصلت بشكلها وحالتها الاستعراضية إلى الشهرة، فنحن نذكر الجمهور في النهاية أن هذا الشيء ليس صحيحاً”.


وعن المسرح الجاد قالت خضور إن علاقتها فيه قوية فهي خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية، واعتبرت “السيرك الأوسط” مسرحية جادة، فكل ما يحمله الممثل ويتبناه من أفكار هو جاد وحقيقي، كما أن هناك العديد من العروض التي يقدمها المسرح القومي الذي نسميه “جادّاً” تجارية ليس لها معنى، والمسرح التجاري قد يُعتبر بداية حل، فمشكلة المسرح الأساسية بسوريا هي مادية، فعندما تُحَل المشاكل المادية سيعود الفنان للمسرح لأنه ممتع أكثر، وعن الدراما قالت إنها مبتعدة حالياً وليست حزينة على ذلك، فالنصوص والظروف والعروض المادية سيئة جداً، كما أن الدخلاء على المهنة جعلوا الوضع هكذا، ولم تحمّل أريج المشكلة هذه على الحرب، فالحرب برأيها تولّد إبداعاً.


غزوان قهوجي: العرض “عائلي”

 

عن التخوف من إخراج نص لمحمد الماغوط قال مخرج العرض غزوان قهوجي إنه لم يكن متخوفاً كونه لديه مخزون قراءات جيد وعلاقته قوية بكتابات الماغوط الصالحة لكل زمان و مكان فأقدم على هذه الخطوة نتيجةً لذلك، كما أنه لا يعتبر أن هناك أحداً وصياً على أدب أحد، فما يتركه الأديب الراحل يصبح تراثاً وملكاً للجميع، وعن سؤاله إن كان الماغوط حياً و حَضَرَ العرض فماذا ستكون ردة فعله؟ قال قهوجي إنه يعتقد أنه سيبارك التجربة فهو قدّم النص بطريقة صحيحة إلى حدٍّ ما.


وعن انتهاء العرض بشكل قاسي اعتبر غزوان أنه استطاع أن يُضحِك و يُبكي فهذا يُعتبَر ألف باء المسرح، وهذا أقل واجب يقوم به، فمشكلة باقي المسارح أنها لا تقدم هذه الجرعات من الكوميديا والتراجيديا بخلطة سحرية واحدة لذلك حاول تحقيق هذه المعادلة إلى حدّ ما، وأن رسالة العرض وصلت بجزء كبير، وعن الإقبال اعتبر قهوجي هذا الموضوع معضلة، ويحتاج إلى بروباغندا إعلامية وإعلانية سعوا لها بشكل جيد لجلب أكبر جزء من الجمهور كي يحضر ساعتي مسرح بدلاً من التلفاز والإنترنت.
وعن طول مدة العرض قال إن التقليد السائد كالعرض عند الساعة السابعة مساءً واستمراره لمدة ساعة ويكون تراجيديا غالباً والأشخاص المحدودين العاملين في المسرح القومي قد لا يتفق معه، فهذا لا يلغي المسرحيات الكلاسيكية القائمة على ثلاثة فصول مثلاً، إذاً هو نوع موجود، ويتمنى أن يحاكمه الناس على هذا النوع، كما أن المدة ليست طويلة إجمالاً وجيدة لحضور عرض “عائلي” فمهمة القائمين على العرض هو مسك إيقاع العمل.


وعن الإيحاء بكلمات نابية في عرض “عائلي” قال قهوجي: “نحن في 2018، ولا أظن أننا تجاوزنا الحدود المسموح فيها، فالكلمات التي قيلت لفظياً تُسمَع كل يوم في البيت والشارع والسينما، وكان يجب أن نعود بعد عشر سنين انقطاع بنوع من الجرأة، التي تسمح لنا أن نكون على الأرض كي لا نكون تقليديين، فمهمتي ليست تربوية بقدر ما هي إيصال رسالة معينة منطلقة من هم الشارع”


استطاعت مسرحية “السيرك الأوسط” أن تقول كلمتها للجمهور، ورغم الأداء السلس من أبطال العرض إلا أن إعداد النص لم يخلُ من التشتيت، فضاع الجمهور في بعض الأماكن بين تنقلات الممثلين المتكررة وبعض العبارات أو الأساليب القديمة المستوحاة من مشاهد تلفزيونية وسينمائية لا سيما في مسرحيات الكبير دريد لحام.

روحٌ جديدة أضفاها العرض على مسرح راميتا، واستطاع أن يشد الناس لحضوره خاصةً أولئك الذين يبحثون عن ضحكة وبهجة أكثر من المضمون العميق، فكانت سهرة ممتعة خالية من التعقيد، بسيطة، قريبة من الناس، تعمل على نقل روح الماغوط في كتابته، ومع أنها لم تصل بشكل متقن، إلا أنها عبرت بين المشاهد. فكانت “السيرك الأوسط” “مسرحاً أوسط” بين الجدّيّة والكوميدية والتي استطاعت فيها الأخيرة فرض نفسها أكثر في محاولةٍ منها للعودة إلى الضحكة المفقودة.