جمال العلي: بطل اكتشفناه متأخرين

يحضر اسمه في حلقات ضيعة ضايعة، ترتعد فرائص أسعد وجودة. رجل الأمن في ناحية بريف اللاذقية حيث الجاكيت الجلدي الذي يرافقه دائماً والذعر الذي يزرعه كلما مرت سيارته في شوارع أم الطنافس الفوقا، سيقابله بدلة أستاذ المدرسة الابتدائية في الجنوب السوري. في ذلك الريف النائي عن الحياة تقابله حاملاً حقيبته السوداء، متمسكاً بمبادئه التربوية حتى الصميم، وتجرفه العادات تارة مع رغبة التمرد من تحت الغطاء. الأب الحنون في الخربة هو ذاته التاجر الباحث عن رزقه في حارة دمشقية، حيث يقبع دكان أبومحمود على خط التماس وهناك سنلمح المريول الداكن مع علامات الضجر من جار دائن لأجل غير مسمى، وجار منافس على لقمة العيش. انتظر فأنت على موعد معه رئيساً مؤقتاً لجمهورية درة الزبد في جزيرة الواق واق. أبودقور الراعي الهارب من سلطة زوجته المستبدة يحمل في خوفه رعب الهاربين من كنف استبداد لازمهم طويلاً، حتى لا يكاد ينطق جملة دون أن يذكر زوجته ويلعنها فلعنتها تلازمه في كافة التفاصيل، هي مضرب المثل مع “ابن سنو” الذي ينتظر أبوكاعود في أميركا، رأسمالي غريب يمثل الوجه الآخر لاستبداد كرجيّة. وبين النارين، باغتنا جمال العلي مرة جديدة كأنه يمثّل لأول مرة، محى من ذاكرتنا أدواره السابقة واستوطن ذاكرتنا لمدة ثلاثين يوم، فأين كان جمال سابقاً، وهل تأخرنا حقاً في اكتشافه؟!


ابن المسرح الأصيل

عقدان من الزمن وأكثر من حياة جمال الفنية في المسرح، من مسرحية “فصيل على طريق الموت” حتى فرقة القدس المسرحية، أكثر من عشرين عرض مسرحي وقف فيهم جمال على الخشبة، بولاءٍ لأرض المهد القنيطرة حيث سيعود لتشكيل فرقة عمال القنيطرة مع المخرجين عبدالرحمن خليفة ويوسف المقبل، ويترأس الفرقة بين عامي 1990-2004. حتى أن جمال عمل مع فرقة طلائع القنيطرة وقدم مع الأطفال عروض عديدة.


الكوميديا الملعب الرئيس

كاركتر رشيق في الحركة، وملامح تعبر عن الطيبة السورية. يتقن جمال لعب أدوار ابن البيئة في عدة مواسم من بقعة ضوء، وإذا ما عدنا سنوات للوراء، سنلمح بذور الكوميديا الأولى في شخصية “رئيس القلم” ضمن مسلسل عيلة 8 نجوم، حينها بدا جمال متقمصاً الشخصية مع لكنته الريفية المميزة والأقلام الملونة المشكولة على جيبة الجاكيت. ومن عربيات حتى باب الحارة، قابلنا جمال في ثنائي جديد مع الممثل السوري مصطفى الخاني، حيث أتقن دور “تنكة” وشكل حضوره عامل جذب في المسلسل رغم رداءة الأجزاء الأخيرة.


في دراما المجتمع.. جميل جمال

لم يترك جمال ملعباً في الدراما لم تطأه قدماه، فقدّم البداوة في فنجان الدم، والبيئة في الشام العدية، وقارب خطوط الألم في التغريبة الفلسطينية. ورغم ذلك برع في ملامسة الجرح وسط المشهد الكوميدي. وهنا يظهر الانتقال السلس لجمال من إلقاء الطرائف إلى إقناع المشاهد بتصديقه، وإغراقه في حالة متعة لا تتوقف عند حدود المشهد بل تستمر إلى ما بعد انتهاء المسلسل.


الواق واق… الاكتشاف المتأخر

كثيرة هي الأسباب التي تجعل شخصية أبودقور متميزة في مسلسل “الواق واق”. قد يكون أبرزها السجيّة التي ظهرت فيها الشخصية، دون تصنّع أو تكلف. أبودقور الشخص البسيط الذي لا يفقه في السياسة شيء، على عكس باقي الشخصيات الحاملين لأفكار أيدولوجية والمعبرين عن طبقات وشرائح مختلفة من الجمهور السوري. في حين يحضر جمال بعصا وحطة وعقال، ثياب مواطن بسيط ومفردات تقود الأغنام في مزرعة الواق واق.


سيمر وقت كثير حتى ننسى شخصية بودقور بكافة تفاصيلها، وقد نسأل أنفسنا ماذا سيحدث معنا إن دارت الأيام وصعدنا على برميل مقلوب، وقلدَّنا الجميع منصب الرئيس!!