لَمْ نضحكْ في رمضان!!

 

لطالما كانت الأعمال الكوميدية السورية في المقدمة منذ زمن، حيث تدخل لقلوب المشاهدين بسلاسة وعفوية وأداء متقن للنجوم، فيبتعدون عن التهريج ويقدمون للجمهور كوميديا واقعية ذات محتوى قيّم، هذا ما افتقدته الدراما السورية منذ زمن ليس بالقصير، فلم تعد تطالعنا أعمال متميزة في إطار الكوميديا وتفرض نفسها إلا فيما ندر ،ومازال يحصل ذلك في السنين العشرة الأخيرة.

في هذا الموسم حضرت أربعة أعمال كوميدية هي “الواق واق”، “حريم الشاويش”، “قسمة وحب”، “جوليا”.

فماذا قدمت لنا هذه الأعمال؟


حريم الشاويش وخيبة جديدة

أعاد مسلسل “حريم الشاويش” من إنتاج قبنض وتأليف هاني زينب المخرج أسعد عيد بعد غياب طويل إلى الدراما السورية، فلم تكن هذه العودة ميمونة ولا تليق باسم مخرج مثله استطاع قبلاً أن يترك بصمته.

وقع أسعد عيد في أغلاط كثيرة بدءاً بالمونتاج الذي يقطع المشهد فجأة دون مبرر، وانتهاءً بالصوت الذي لم يكن موفقاً في كثير من الأماكن، ولم يستطع عيد أن يجعل الفنانين يتحركون بسلاسة أمام عدسته، فنلاحظ أن كل شخصية وكأنها تؤدي الدور لوحدها، فلم يعرف بعض الفنانين تسليم الحوار للطرف الآخر، وقد تكرر هذا كثيراً خصوصاً مع الوجوه الشابة الجديدة التي اعتمد عليها المخرج في العمل، وربما السبب هو ضعف الإنتاج، فأغلب الأحداث مثلاً تدور في منزل الشاويش إلا أن بناته الستّ غير مشهورات أو معروفات لدى الجمهور فلم يتفاعل معهنّ أحد خصيصاً أنهنّ لم يثبتنَ أنفسهن كفنانات قادرات على أداء الكوميديا، أو حتى أداء أي دور درامي، ومن الواضح أن أغلبهن يقف حديثاً أمام الكاميرا.

كما لم يحتوِ العمل على نجوم سوريين من الصف الأول، بل ارتكز على نجوم الصف الثاني، ومع الاحترام الكبير لهم إلا أنهم لم يقدموا جديداً بل تراجعوا خطوات كثيرة للوراء بعد اختيارهم لأداء البطولة في مسلسلٍ لا يملك أي حبكة أو قصة واضحة المعالم أو حتى كوميديا مضحكة، بل كانت الحركات مفتعلة ومزعجة والحوار ليس مضحكاً أبداً، ويليق بمسلسلات الكرتون فقط.

الشيء الوحيد الذي نستطيع مدحه هو الأزياء والتحرر في العمل، فرغم أن المسلسل ينتمي لفئة أعمال البيئة الشامية إلا أنه لم يظهِر النساء كجوارٍ أو خادمات للرجل، بل كانت النساء تلقينَ التقدير والمحبة والاحترام ليس في كل شخصيات المسلسل إنما في أغلبها، كما أن الملابس الباهية جعلت النجمات يظهرنَ بمظهر جميل وحضاري مقارنةً بأزياء أعمال البيئة الشامية الأخرى التي تبين أن المرأة عورة بينما حقيقةً في ذاك الوقت كانت سوريا على موعد مع بداية نهضة فكرية تحررية.

لكن ذلك لا يشفع للقائمين على العمل، فهم قدموا عملاً مخزياً للأسف، لا يُقَدَّم للمرة الأولى على الشاشات بل هناك أمثلة أخرى شبيهة به وفشلت أيضاً مثل “حارة الطنابر” و”ليالي شامية” ، إلا أن صانعي “حريم الشاويش” لم يتعلموا منها.


قسمة وحب..  نجومٌ عرب..  بلا سبب!!

في مسلسل قسمة وحب “الغرفة 14 سابقاً” نشهد فندقاً كبيراً لصاحبته ذكريات “صفاء سلطان” التي تقع بينها وبين النزلاء مواقف كوميدية لطيفة.

جمع العمل عدة نجوم من سوريا ولبنان والعراق إلا أنه لم يركز على النجوم السوريين، ولم تتضح رغبة المخرج عمار تميم في جمع فنانين عرب في عمله سوى رغبته ببيع المسلسل لقناة عراقية أو لبنانية وقد نجح بالوصول إلى قناة السومرية العراقية فقط.

قدم الكاتب بشار مارديني في قسمة وحب حالات اجتماعية مختلفة، لكنه لم يدخل إلى عمقها بل بقي على السطح في مواقف تبدو كوميدية لكنها ليست كذلك، باستثناء أن صفاء سلطان قد استطاعت أن ترسم الضحكة على الوجوه في مشاهد قليلة، فرغم ضعف النص تمكنت بأدواتها أن تشذّبه لنبتسمَ عدة مرات.

صفاء التي أبدعت مسبقاً في الكوميديا سواء في بقعة ضوء أو كسر الخواطر أو غيرهما تستحق عملاً يُبرِزها كفنانة كوميدية من الصف الأول لكن جاء نص قسمة وحب أضعف من أدائها، وزاد على ذلك وجود فنانين من دول عربية مختلفة لا يمتلكون أدوات إبداعية في الكوميديا إنما وجودهم كان فقط ليمنحوا المسلسل شهرةً أكبر لكن دون جدوى!!

وجود “وسام حنا” كبطل في العمل كان بغاية التركيز على جماله وشخصيته أكثر من كونه قادراً على تقديم دور كوميدي ناجح، خصوصاً إذا ما عرفنا أن “معتصم النهار” رُشِّحَ لأداء الدور قبله لكنه اعتذر، مما يوضح أن عمار تميم ركّز على الشكل في جذب الجمهور أكثر من موهبة الممثل نفسها فحتى معتصم لم يثبُت من قبل أنه يمتلك الروح الكوميدية الحقيقية وهو لم يعمل في الكوميديا إلا نادراً.

فجاء الأداء والنص خاليَين من روح الضحكة الحقيقية وبعيدين عن الواقعية بعض الشيء، ولم يسعف المسلسلَ أسماءُ الفنانين العرب المشاركين فيه رغم قدومهم خصيصاً للتصوير في سوريا 


جوليا.. هل سُرِقَت أمل عرفة؟

بعد تجربة ناجحة مع الكاتب السوري مازن طه في المسلسل اللبناني “كراميل” بموسم رمضان 2017 الذي قُدِّمَ كفيلم سينمائي لاحقاً أيضاً، تعاقدت شركة إيغل فيلمز مع الكاتب نفسه لإنتاج عمل كوميدي جديد فكان “جوليا”، هذا العمل اللبناني الذي تختفي اللمسة السورية فيه باستثناء الكاتب مازن طه ووجود النجمين قيس الشيخ نجيب وليليا الأطرش فقط.

حمّل المخرج أو ربما المنتج جمال سنان زوج الفنانة ماغي بوغصن دور “جوليا” لماغي الذي كان كبيراً جداً عليها.

بو غصن التي أقنعت وأضحكت الجمهور في “كراميل” لم تكن هي نفسها في “جوليا” المريضة نفسياً والتي تتقمص الأدوار التي تلعبها في المسلسلات وتجلبها لحياتها اليومية بحكم أن “جوليا” تعمل كممثلة في المسلسل.

فتارةً نجد ماغي تتقمص شخصية ملكة، ومرةً نراها حزينةً وتبكي دائماً، ثم تأخذ دور الفتاة المسترجلة ومن ثم الرقاصة وهكذا دواليك.

فكرة هذه الشخصيات التي اتُّهِمَ فيها الكاتب أنها مسروقة من مسلسل “سايكو” للنجمة أمل عرفة التي تؤدي فيه خمس شخصيات لكنه لم يُبَعْ حتى الآن لم تَلِقْ بماغي البتة، فهي لم تكن قادرة على أن تُضحِك الجمهور أو تمتِعه، بل اصطنعت الأدوار بطريقة قريبة من الابتذال، ولم تظهَر بعفوية حقيقية فكانت “مؤدية” أكثر من كونها “ممثلة محترفة”.

أما قيس الشيخ نجيب فقد أضافَ وصمة سيئة لمسيرته المهنية، فهو الطبيب النفسي الذي يعالج الناس ويقع في مشاكل مع طليقته ثم يصبح حبيب جوليا كونه يعالجها من حالتها.

هذا الدور الذي لم يُوَفَّق فيه قيس كوميدياً جاء غريباً على جمهور الشيخ نجيب الذي لم يعتد عليه أن يقدم أدواراً خالية من المضمون، خصوصاً أن شخصية الدكتور عاصي قد أساءت بشكل واضح للطب النفسي ككل، حيث نجد عاصي شخصيةً غير متزنة وبعيدة عن الاستقرار النفسي، كما يعامل مرضاه بطريقة غريبة مستفزة تهين هذا النوع من الطب الذي يُعتَبَر من أصعب الاختصاصات على الإطلاق، فشكّل قيس صدمةً للجمهور في تسخيفه لأهمية هذا الطب وجَعْلِه أضحوكةً بين يدي الناس الذين لم يضحكوا أصلاً عند مشاهدته.

الصورة اللونية والإخراج المتميز هما ما قد يشفعان لجوليا بغض النظر عن الأداء والنص، فقد استطاع المخرج إيلي ف.حبيب أن يلوّن الصورة مع الحالة المتناسبة التي تلبسها “جوليا”، فعندما تقمصت شخصية الملكة كانت الصورة توحي بتاريخ قديم، وحينما عملت راقصة كانت الألوان مبهرجة تتناسب مع المَشاهد، ولما أدت شخصية الفتاة المسترجلة جعلَ لون الصورة باهتاً وتنتهي هذه الألوان حينما تخرج “جوليا” من حالتها تلك نتيجةَ صدمةٍ ما، وهذا الأسلوب يُحسَب للمخرج إيلي، حيث نجح في تقديم نفسه كمخرج متميز حتى لوكان العمل ضعيفاً بباقي عناصره.


الواق واق.. ترميز عميق أضاع الضحكة

لم ينفذ مسلسل “الواق واق” عبر القنوات العربية أو حتى السورية، فأطلقت شركة إيمار الشام قناة “لنا” السورية وعرضته عليها في رمضان حصرياً.

الواق واق لممدوح حمادة والليث حجو هو عمل رمزي واقعي عميق جداً، قد يحتاج الشخص لمشاهدته عدة مرات كي يفهم معانيه المختلفة والتي ترصد الواقع والحالة العبثية التي يعيشها السوريون والعرب في حروبهم هذه الفترة.

عوَّدَنا ممدوح في كتاباته أن نستقي منها عِبرة وعَبرة وضحكة في آنٍ معاً، لكنه في هذه المرة لم يُوَفَّق في الضحكة تماماً وكان العمل غير مناسبٍ إدراجه في فئة الكوميديا، بل كان وجبة رمضانية دسمة بعيدة عن المُشاهد العادي، إنما تحتاج لشخص متعمق لا يريد أن يضحك، بل يريد الوصول للمضمون والعِبرة العالقة بين السطور.

الواق واق عمل متكامل نصاً وإخراجاً وأداءً، فكاميرا الليث حجو لم تخطئ في نقلاتها السلسة التي عودنا عليها، كما رَسَم النجومُ السوريون شخصياتهم بطريقة رائعة تبقى في أذهان مَن شاهد المسلسل وتحفر في وجدانه، إنما يكمن الخطأ حينما صدّرت الشركة هذا العمل على أساس أنه أقوى عمل كوميدي، وهو حقيقةً رغم لمسته الكوميدية الواضحة إلا أنه لا يوحي بالضحكة، فعلى من يشاهده أن يركز معه ومع شخصياته بكل دقة كي يعرف هدف وفحوى هذا النص العالق في جزيرة “درة الزبد” التي تتلاطم على سواحلها أمواج الخيبات تباعاً.

كما أن الشركة اتخذت قراراً خاطئاً آخر حينما صورَت العمل كاملاً في تونس مما رفع من ميزانية المسلسل بشكل كبير ولم يلقَ تجاوباً من القنوات لشرائه بسبب سعره المرتفع فبقي حبيس قناة الشركة التي قدمته بجودة ليست عالية على قناتها الجديدة “لنا” التي تفتقر للتجديد والعمل المكثف ولحزمة بثٍّ أفضل كي تكسب جمهوراً أوسع.

أثار هذا العمل أيضاً انقساماً بين الجمهور على عكس أعمال ممدوح حمادة التي يُجمِع الجمهور بكافة فئاته عليها، فمَن تعمَّق بالعمل وفهم رموزه نال استحسانه ورضاه، ومَن كان ينتظر ضحكة بسيطة ذات مغزى واضح مثل مواقف “ضيعة ضايعة” خاب أمله وانتقد المسلسل فتراوحت الآراء بين “الرائع جداً” و”السيئ جداً” ولم يقبل العمل آراءً وسط عند الشارع.

فمع من يكون الحق يا ترى؟ هل يتوجب على المشاهد في رمضان أن يشغل باله بفك شيفرة المسلسل التي كانت أكثر شيفرات ممدوح حمادة غموضاً وعمقاً؟ أم هو يرغب بمسلسل بسيط وسهل الفهم مثل “ضبوا الشناتي” كي يشاهده دونما إعمال للعقل في شهرٍ متعِب تملؤه الواجبات المهنية والدينية والاجتماعية؟


أخيراً نجد أن الضحكة غابت عن وجوهنا في رمضان 2018 مع غياب أعمالٍ مهمة كانت البسمة تتعكز عليها مثل “بقعة ضوء”.

فأخفق صنّاع الضحكة في رسمها على مُحَيّانا، ولم يكن هناك حلولٌ منطقية، فإما أن يجد المُشاهد نفسه أمام عمل سطحي يغرق في السخافة، أو عملٍ عميق وقوي جداً لا يستطيع فك طلاسمه بسهولة.

فهل باتت الكوميديا السورية البسيطة الناجحة أساطيراً وضرباً من الخيال؟ وهل سنظل نعيد ونكرر في الأعمال الكوميدية السورية القديمة كي نضحك مراراً وتكراراً؟