محمد حداقي: لا أريدُ مواجَهَةَ الرياحِ عارياً

خاص etsyria/ حسين روماني  


لم يمنع مطر نيسان جمهور مسرح الحمراء بدمشق من الوقوف طوابير أمام شباك التذاكر، ليحجزوا مقاعدهم قبل ساعات من عرض مسرحية “فابريكا”، التي كانت بتوقيع المخرج والنجم أيمن زيدان. صور الممثلين اعتلت جدران المسرح، منهم من اعتدنا رؤيته ومنهم نراه لأول مرة، إلا أن صورة الفنان محمد حداقي  بتصميم يُنسَب في هيئته إلى ستينات القرن الماضي، أخذت المساحة الأكبر، معلنةَ عودة بطل “سوبر ماركت” إلى الخشبة ببطولة مسرحية بعد غياب دام أربع سنوات.


“لا يوجد في المسرح سوى الممثل”


العرض الذي كتبه الروائي الصربي “برانيسلاف نوشيتش” أعدّه محمود الجعفوري وأيمن زيدان الذي تولّى مهمة إخراجه أيضاً، يروي بأسلوب الكوميديا السوداء حكاية مجموعة من المرشحين للإنتخابات البرلمانية بمختلف انتماءاتهم، والصراع الذي يدور بينهم للفوز بمقعد تحت قبّة البرلمان، بشعارات متشابهة حد التوأمة، أدّى خلال دقائقه الفنان حداقي دور “أبو ليلى” المرشّح من التيار المؤيد، الذي يدخل المعركة الانتخابية فيحاول حصد أكبر عدد من أصوات الناخبين بأساليب تتناسب وشعوب العالم الثالث، لكنه سرعان ما يكتشف وزوجته “أم ليلى” (لوريس قزق) عشق ابنتهم “ليلى” (لمى بدور) لـ “شادي” (حازم زيدان) صاحب الفكر المعارض، لتختفي المبادئ على حساب المصلحة الشخصية ويجعل من تزويج ابنته وسيلة للوصول إلى غايته بطبقة إجتماعية أرقى.


“أحب المسرح مع أيمن زيدان”


انتظارنا في الكواليس سمح لنا بحديث سريع مع محمد حداقي، رفضه أولاً بالإعتذار لتشابه أسئلة الصحفيين، لكنه وبابتسامته سمح بإكمال الحديث، فباح لنا عن علاقته الخاصة مع المسرح فقال: ” لم أترك خشبة المسرح خلال سنوات المهنة، فآخر تجربة مسرحية (دائرة الطباشير) قدمتها أيضاً مع المخرج أيمن زيدان عام 2014، سبقتها عروض فواصلها الزمنية بين السنة والسنتين على أبعد حد، المسرح يصقل أدواتي بشكل كبير، يمدني بحالة من النشاط يتقاسمها جسدي، صوتي وإحساسي، وذلك السر الذي يعيدني دائماً للخشبة التي أحب، خاصة مع مخرج له تجاربه المسرحية الخاصة كالقدير أيمن زيدان، عرض اليوم كان قائماً منذ سنة إلا أن الظروف جعلته مؤجلاً”، وأضاف: “كل الجهد الموجود لدينا بذلناه، بالإعداد والرؤية والمتابعة لهذا النص الأوروبي الشرقي بما يتناسب مع الواقع السوري، لكن ذلك كله كان ينقصه التقنيات، فنحن متأخرون كثيراً عن العالم بالمسرح”.

حال المسرح السوري كان حاضراً في حديثنا، فما وصل إليه المشهد العام مؤلم لكل وفيّ لهذا الفن، وحاجته أكبر من نجم وممثل، وعن ذلك قال حداقي: “ما يحتاجه المسرح السوري اليوم ليس متعلقاً بوجود نجوم الصف الأول أو الثاني أو حتى الثالث في العروض المسرحية، ولايمتلك أساساً هذا المسرح سوى الممثل، فهو بحاجة إلى تقنيات ومكان وحتى خشبة مناسبة، أمعن النظر إلى مسرح الحمراء (البائس) القابع فوق (بئر) من (الفضلات)، الإضاءة الكهلة التي تجاوز عمرها عقوداً من الزمن، الخشبة المهترئة التي تُعَدَّل مراراً وتكراراً ولا تأخذ حقها الصحيح، بل تصبح أسوأ مما كانت عليه، الكادر البشري موجود، لكن ما نحتاجه حقاً آليات تنهض تقنياً بالعملية المسرحية، وحتى وإن وجدت تلك التقنيات الحديثة، صعب جداً إيجاد خبرات مطلعة على ما وصلت إليه المسارح العالمية تحسن التعامل معها، وهذا يحتاج إلى جهود حقيقةً من الهيئات الرسمية والوزارات المعنيّة بالمسرح”.


“مسرح الحمراء بائس”


“دائماً تراودني فكرة إخراج عمل مسرحي”، يجيبنا على سؤالنا الأخير حول رغبته بإخراج عرض على الخشبة، ويتابع: “لكنني لا أريد أن أخوض تجربة أدرك نواقصها التي لن أستطيع أن أستكملها، كمن يواجه الرياح عارياً، و أعلم نتائجها بشكل مسبق”.


تصوير: دنيا صبح