سوسنةٌ من حمص تفوحُ موهبةً

 

هي سوسنةٌ من سوريا لم تستطع أن تخفي عبيرها ففاحت بعطر الموهبة جاذبةً لها الأنظار.
الفنانة سوسن ميخائيل من مواليد حمص 1968 خريجة كلية الآداب قسم المكتبات، لم تدرس التمثيل أكاديمياً بل احترفته منذ صباها وربما أصبحت الآن قادرةً على تدريسه للجيل الذي بعدها، فهي من أوائل الفنانات الشابات التي اختارها القدير “دريد لحام” في مسلسلاته مثل “عودة غوار” و “عائلتي و أنا” و “أحلام أبو الهنا” ليسطع نجمها معه مؤمناً فيها وبخياره لها، فمَن منا لا يتذكر السكرتيرة “رولا” التي تُبهر الموظفين والمدير بجمالها و غنجها في مسلسل “أحلام أبو الهنا” الذي كان بدايةً حقيقية لانطلاقتها نحو عالم الفن والشهرة؟.

 


فما إن برزت خفة ظل “رولا” على الشاشات وقدرتها اللطيفة في الأداء حتى تهافتت العروض على الفنانة الشابة الجديدة لتكون من الممثلات المشاركات في السلسلة الناقدة الأشهر عربياً “مرايا” مع النجم الكبير ياسر العظمة والمخرج المتميز حاتم علي اللذَين رَأا فيها مشروعاً حقيقياً لموهبة تمثيلية قادمة بقوة تلوح في الأفق.

و قد أصبح وجود سوسن قيمة لأي عمل جديد، فَلِيرفعَ المخرج والكاتب “فادي غازي” من سويّة أعماله اختارها في بدايات ظهوره بمسلسل “كل شي ماشي” لتقدّم سكيتشات لطيفة بكلّ روحٍ مَرِحة قريبة من الناس دخلت القلوب بسلاسة فحظي العمل بمشاهدات كثيرة وقتها.
لا تتوقف سوسن عند حَدّ حيث توسّعت في الأعمال الدرامية، و وقفت أمام النجم “بسام كوسا” في مسلسل “عصر الجنون” لتقوم بأداء دورٍ صعب و معقّد و مليء بالخيوط المتشابكة فهي الأم التعيسة التي خرج طفلها الصغير و لم يَعُدْ لحضنها، فنجدها تعاني الأمَرَّين، مرارة الحرمان من ابنها والبحث عنه طويلاً دون جدوى، و مرارة زوجها “الحشّاش” الذي لا يقدّم لها ولابنته أي اهتمام أو حب فتعيش “أمل” في حالة أمل لكنها مليئة بالجفاء والعزلة تجعلنا نتعاطف ونبكي صارخين معها في الحلقة الأخيرة “ريااااض” بعد أن وجدت ابنها شاباً عند عائلةٍ أخرى وقبّلتْهُ ألف قبلة بعد طول حرمان، لنبقى مستذكرين دوماً صرختها تلك ودموعها الغارقة بها مستنتجين أن هكذا أداء لا تتقنه سوى نجمة بمعايير متميزة.

 

 

تعاملت سوسن منذ بدايتها مع أكبر مخرجي سوريا فمن “هشام شربتجي” إلى “حاتم علي” فـ “مروان بركات” إلى عدسة “الليث حجو” في المسلسل الشهير “الانتظار” لتؤدي فيه دور الزوجة المخدوعة الباحثة عن حقيقة خيانة زوجها.
لم تبرع ميخائيل في دور الشخص المحبّب المهزوم فقط بل قادتها جرأتها لتلعب شخصية المرأة المبتزّة الشريرة “إنصاف” في مسلسل “سكر وسط” التي تهدد الشابات اللواتي قُمْنَ بعمليات إجهاض غير شرعية وتستلب منهنّ الأموال ليكون أداؤها مقنعاً و مستفزاً للمشاهد ويتمنى أن تذهب تلك الشخصية للجحيم لتثبت لنا سوسن مرةً أخرى أنها قادرة على جعلنا نحب ونكره الشخصية التي تتقمصها و ترتدي قناعها بكل تفاصيلها.
ولعلّ أبرز أدوار سوسن مؤخراً كانت في مسلسل “رفة عين” 2012 مع النجمة أمل عرفة و المخرج المثنى صبح، فهي الراقصة طيبة القلب التي تساعد العائلة الفقيرة و تأويهم عندها، حيث حققت شخصية “نانا” قفزة نوعية تُضاف لرصيدها، و تداولت العديد من صفحات السوشال ميديا وقتها المشهد الذي تُعلّم فيه “هدية” الرقص ليس لخفة ظل المشهد فقط، فكُلّ من شاهده قد أثنى على تعابير سوسن الرهيبة وهي ترقص و تبكي في آنٍ معاً بعد أن شاخَ جسدها وصار غير قادرٍ على الإغراء والرقص لتمتزج كل معاني تعابير الوجه الحزينة وذكرياتها السعيدة ومجدها الضائع وحنينها وقهرها في دقائق ممتعة شدّتنا لهذه الشخصية المركّبة التي أحبّها الجمهور وجعلته ينظر للراقصة نظرة مختلفة تخلو بعض الشيء من فكرة “العيب” و “الحرام” فالراقصة نانا قبل كل شيء كانت “إنسانة” حقيقية وليست جسداً يتمايل فقط.

وحتى في الدراما التراثية والتاريخية نشهد لسوسن أدواراً عدة شاركت فيها مثل مسلسل “حمام القيشاني”، و “ذي قار” وأيضاً في البيئة الشامية كان لها حضوراً مميزاً في مسلسل “طوق البنات”.
وللإذاعة نصيب من صوت نجمتنا فقد أدّت عدة شخصيات في المسلسل الإذاعي الشهير “حكم العدالة”.
و نالت خشبة المسرح قسطاً من محبة فنانتنا لتشارك مع عرابها “دريد لحام” وفرقة تشرين في مسرحية “صانع المطر” الكوميدية التي مازالت حافرةً في ذاكرة الجمهور و أيضاً مسرحية “العصفورة السعيدة” الموجهة للأطفال، لتكون بذلك متنوعةً عبثيةً شغوفةً بالفن جريئةً بكل ما تمتلك من أحاسيس و ملَكات.

الحديث عن هذه النجمة الرشيقة على الشاشة، الخفيفة على قلوبنا يطول لكن لا بد أن ننوّه أخيراً إلى أن سوسن ميخائيل تمتلك القدرة على استخدام أدواتها التعبيرية وحتى جمالها في تنسيق الشخصية، فتؤدي و تبرَع و تبدِع و تقنِع وتستطيع أن تنافس و تجد لها مساحة كبيرة في هذا المجال الذي بدا يغزوه الكثيرون دونما مقوّمات حقيقية مثلها.