أرواحنا بحاجة لِصداها

منذ أحد عشر عاماً اجتمع طاقم عمل متكامل من ممثلين وكاتب ومخرج، وفنّيين، ومنتجين لبناء مسلسل استثنائي لم يُروّج له بالشكل الصّحيح.

اثنتان وثلاثون حلقة اجتمعت مع بعضها البعض لتكوّن دراما نادرة من حيث الفكرة، وازدحام النجوم فيها، وحواراتها الّتي تبدو كلوحات فنّيّة متكاملة لكنّها لا تُرى بالعين، بل تسمع بالآذان.
مسلسل “صدى الروح” إنتاج 2006, تأليف: “حافظ قرقوط”، إخراج الراحل: “محمد شيخ نجيب”.

تقوم فكرة المسلسل على طبيب سوري ثري درس الطّب النّفسي في نيويورك، فتكلّفه الجامعة بإجراء بحث خاص به، ويقرر إجراءه في بلده الأم سوريا.
يتوجّه الدكتور “سامح” الّذي لعب دوره الممثّل والمخرج “رامي حنّا” إلى إحدى مستشفيات المجانين، وينتقي مجموعة من الأشخاص لإجراء بحثه عليهم بمساعدة ماستر السّلوك البشري “نسرين” الّتي لعبت دورها النّجمة “نادين تحسين بك” لتكون داعم أساسي لسامح ومرجع مهم له لتبادل وجهات النظر.

 

قضايا اجتماعيّة متعددة تتم مناقشتها من خلال استعراض قصص مَن حُكِم عليهم بالجنون لمجرّد أنهم يعانون من أمراض نفسيّة، ففي شخصيّة السّيد “منير” الّذي لعب دوره النجم “بسام كوسا” نرى شخصيّة الموظّف الّذي يحمل في عقله الكثير من الأفكار حول تطوير الأمة، والكثير من الاقتراحات الّتي تساهم في تطوير الشّعوب، فيبقى على أمل بأن تتم ترقيته وأن يشغل مكاناً مرموقاً ومنصباً خاصاً في المجتمع إلى أن يمر عمره وينتهي به الحال إلى التّقاعد فلا يحمله عقله ويعاني من مرض نفسي يجعله منفصلاً عن شخصيّته الحقيقيّة، يتكلّم مع نفسه كثيراً ويقف على الأماكن العالية ليلقي الخطابات وكأنه إحدى الشّخصيات المهمّة الّتي يصل صوتها.
تتخلّى عنه زوجته الّتي لعبت دورها النجمة “نادين خوري” لأجل إنقاذ مستقبل ابنتيها حيث أنّ حالة والدهما جعلت الناس يلقبانهما بـ “بنات المجنون”!، ممّا جعل العرسان يهربون منهما.
أما شخصيّة “صباح” الّتي لعبت دورها النّجمة “سمر سامي”, تناقش حالة فقدان الأمومة، فتظل طيلة المسلسل تمسك بأوراق على أنّها صور طفلها الّذي قام زوجها بخطفه والهرب به واضعاً إيّاها في المشفى، ليتبيّن في نهاية الأمر أنّها عاقر، وعدم استيعابها للأمر جعلها تتوهّم بأنّ هناك طفلاً لها، فتتعامل طيلة الوقت على أنّها أم لابن مفقود، لذا يضعها زوجها في مستشفى ويسافر.

 

شخصيّة “أيمن” “فايز قزق” عالم الفيزياء النوويّة القادم من أمريكا، والّذي تربطه علاقة قويّة بالمسجلة والأغاني، وأغاني فيروز بشكل خاص، يصرخ كثيراً ويردد عبارة “ضايق خلقي” وكأن هناك من يجلس برأسه، يخاف من النّار والآيس كريم ويردّد اسم “أميمة أميمة أميمة” مراراً وتكراراً إلى أن يقوم سامح ونسرين بأخذ الجميع في رحلة إلى اللاذقيّة ليتبيّن بأن هناك منزله الأساسي من خلال زيارته دون وعي إلى شقيقته الّتي تظن بأنه متوفّى، لتكشف الأيام بأن اسمه الحقيقي هو “حسام” الّذي تم اعتقاله في السّجون الأمريكيّة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر فيعذبونه واصفين إياه بـ”الإرهابي”.
شخصيّة “مروان” “عابد فهد”، الرجل الذّكي إلى أبعد الحدود، الّذي يحلل ويفلسف الأمور ليصل بها إلى أهم النّتائج، لدرجة أنّ سامح الّذي يجري البحث يقوم باستشارته!، فيقوم بالإشراف على جميع أصدقائه وحمايتهم ليتبيّن أنّه ليس مجنوناً، إنّما رفيقه أحد الأطباء “وليد” “محمد حداقي” قد احتجزه في المستشفى الّذي يعمل بها لأنه يعلم ماضيه وقضيّة تزويره للشهادة الثّانوية، وانتحاله لمهنة طبيب دون وجه حق.خ

شخصيّة “حياة” “ندين سلامة”، ابنة القرية التقليديّة جدّاً، الّتي لا يُسمَح لها بأن تعبّر أو تختار أي شيء، لا إكمال دراستها، ولا حتّى رفض أحد العرسان الّذي يُفرض عليها، أو أي شيء آخر.

تتعرّض لحالة اغتصاب وهي طفلة وتضمّد جراحها إلى أن تكبر ويفرض عليها والدها أحد الشّبان فترفضه مراراً وكل عملية رفض يقابلها تعذيب وتعنيف جسدي إلى أن يحدّد موعداً لعرسها فتهرب من المنزل لتواجه حياةً بائسة واستمرارية للعقد النفسيّة.

 

شخصيّة “فؤاد” “إياد أبو الشامات”، الشاب الّذي يخشى أي شيء، ويعيش فوبيا من الأشخاص والأماكن ومن التعبير عن نفسه فحياته مكوّنة من مخاوف، ويعود السبب إلى ذلك بسيطرة والدته عليه منذ الصغر، ومنعه من القيام بأي نشاط في الحياة من شدّة خوفها عليه، فممنوع عليه أن يلعب مع أطفال الحي، أو الذّهاب برحلة إلى البحر، أو أن يخرج مع خطيبته “إيمان” “نسرين طافش” الّتي ترى الجانب المشرق منه، فطيبته وصدقه مغريان في هذا الزمن، إلى أن تفسخ الخطوبة وتعترف بفشلها في تغييره، تحديداً بعد وفاة والدته، الحدث الّذي جعل من فؤاد مريضاً نفسياً يوصف بالجنون.

صدى الروح بناء درامي فريد من نوعه:
هذا المسلسل حبكة مترابطة، ومجموعة مشاهد موظّفة بشكل منظّم وهادف، فما من مشاهد حشو، أو لقطات لا معنى لها، أو شخصيّة عبثية لتمضية الوقت، فكل صورة ترمّز إلى شيء، وكل كلمة تدل على شيء آخر.
حواراته مغرية لدرجة تجعل المشاهد يقوم بإعادتها مرة بعد أخرى، فكل حوار بين الشخصيّات محدّد ومدروس، وكأن الكاتب والمخرج والأبطال اجتمعوا لسنوات قبل أخذ القرار في بدء التّصوير.

صدى الروح ملعب للنجوم:
لا شكّ أن الأسماء المهمّة والمقدرات العالية الّتي شاركت في المسلسل لها أثر كبير في نجاحه، فحركة جسد بسام كوسا أثناء شرحه لشيء ما، ونظرة سمر سامي القادرة على اختصار الكثير من الكلام، أو ضحكتا إياد ابو الشامات وفايز قزق، وهدوء نادين تحسين بك على سبيل المثال، والكثير من التفاصيل الأخرى لدى نجوم العمل جعلته كمباراة شيّقة في ملعب النجوميّة.
أخيراً، هناك الكثير من الأعمال الأخرى الّتي لم يكن لها نصيباً في التّرويج لها، ودراما كصدى الروح حَرِيٌّ بها أن تُكرّم بعد انقضاء أحد عشر عاماً، تقديراً لجهود الجميع ولروح الراحل “محمد الشيخ نجيب”.