ياسر العظمة … فن إضحاك العقول

 

تلك الحكايا التي عبرت عن همومك نقلتها مراياه بصورة أوضح فأظهرت تفاصيلها الأعمق, من جمع جدية الحقوقي وخفة ظل الفنان الكوميدي ليصدّر لنا مشاهد تعكس آلاماً راسخة في الوجدان وضميراً نائماً قد اعتاد السكوت عن فساد المجتمع حوله فكان لابد من إيقاظه.

ياسر العظمة “الدمشقي الأصيل والفنان القدوة” استطاع أن يكون سبَّاقاً بين أبناء جيله, فكان النجم الأبرز في سوريا الذي تقبله الجمهور بجميع الشخصيات على العكس من معظم الفنانين في زمن مضى ممن ارتبطوا بالشخصيات التي مثلوها واستغرق الجمهور وقتاً طويلاً حتى فصل بينهم وتصالح مع شخصيات أخرى قاموا بأدائها, فتمكن من وضع حجر أساس متين لمراياه الناقدة للمجتمع.

“أسطورة الكوميديا” نأى بنفسه عن السياسة ومتاهات مواقفها بقدر ما تعمّق في تحليل مجرياتها وبسطها في لوحاته ليكون مرآة نفسه ومعبراً عن مواقفه من الظلم والكبت والنفاق وغيرها من الآفات المجتمعية دون ضجيج إعلامي وبلا أي خطابات وشعارات مبتذلة رنانة, ولم تكن المواقف الكلامية وحدها من أبعدها عن فنه بل استطاع أن يحيّد عائلته وحياته الخاصة عن ما يقدمه, فلم يرتبط اسم ياسر العظمة يوماً بخلاف عائلي ولم تستطع عبارات مواقع التواصل الجاذبة لمزيد من المشاهدات أن تخدع جمهوره عندما حاولت الزج باسمه إلى جانبها, فالجميع عرفه فناناً قدم نفسه كمحترف لا كمتملق ولا كلاهث خلف الأضواء, فالضوء سطع دوماً منه وانتشر ليرشد العديد من الفنانين ممن قد تتلمذ على يديه وتخرج من رائعة الكوميديا السورية على مدى عقود الـ “مرايـا”.

البداية كانت شغف الطفولة, فكتب وأخرج ومثل وغنى في مسرحيات قام بإعدادها أثناء مراحل دراسته أبرزها مسرحية “موسيقيين بالفطرة” التي ضمت أغاني ومشاهد من تأليفه وأدائه, المسرح الذي لم يغادره في مرحلة احترافه, فكانت “غربة” و “ضيعة تشرين” التين أنتجتا  في السبعينات, وبالعودة لمرحلة سابقة وفي الستينيات كان برنامج “أبجد هوز” الذي أراد به تصحيح اخطاء العامة للغة العربية, أما الظهور المميز فيعود لعام 1982مع أول موسم للسلسلة الكوميدية الأشهر  “مرايا” والتي تتابعت أجزاؤها بمسميات مختلفة فمن الاسم الاول ولخمس مواسم امتد على مدى عشر سنوات إلى “شوفو الناس” في عام 1991, ومن التسميات التي اعتمدت أيضاً في بعض المواسم “مرايا2000-حكايا, مرايا 2001-حكايا المرايا, مرايا 2002-حديث المرايا, مرايا 2004-عشنا وشفنا”.

الآن في زمن “الغربة” نمسح الغبار عن مرايا قديمة لنجدها ما زالت بذات صفاءها القديم تعكس صورنا كما هي الآن-لنتساءل عن سرها- فهل نحن من توقف الزمان بنا أم أن لمن كتب وأوصل هذه الأفكار رؤية سابقة للمستقبل؟, وفي زمن الضحك المجاني الرخيص ما يزال الناس بانتظار فصل جديد من ما عشناه و”شفناه”.

“الضحك يبدأ في العقل والعقل يصنف الموقف ويضبطه ثم يضحك, فليست الغرائز الدنيا من تجعل الانسان يضحك” قالها الأسطورة في لقاء تلفزيوني نادر وأثبتها على مر سنين عمله, فكان حكواتي الحارة الناقل الأمين لقصصها والمسؤول عن صدقها, المسكين على أبواب الفقر الأخلاقي والغني في أفكاره, خياط الجروح ومضمدها, حرامي القلوب باعث البهجة والمحامي المفوَّه صاحب الإقناع, الشيطان المغلوب على أمره والملاك الطيب.

الأسطورة التي نتمناها قدوة في الفن كوميدياً كان أم لا, الجِد والبعد عن الظهور البهلواني, من استطاع كسب القلوب والاحترام, من كانت رسالته سابقة للحدث فعبرت عنه دون رفع الرايات الملونة’ من اختصر الألقاب باسمه , فكان ” ياسر العظمة” وكفى.