نوار يوسف.. “الرقّاصة” تحت المجهر

 

 

 

حسين روماني

صحفي ومدير منصة TrueMedia


على أحد شرفات دار الأوبرا في دمشق دارَ الحديث، سرقنا دقائق من وقت فنانةٍ اختصرت الزمن، مشت بعد تخرجها من المعهد العالي للفنون المسرحية (2009) دربها الخاص في الشارع الفني، بشخصيات من قلب الواقع، جسدت الإشكالية والجدل، فكانت بين المسرح والسينما والتلفزيون المريضة، الهاربة من الفقر، والضائعة، واليوم هي الرّاقصة على أنغام التجربة التلفزيونية الأولى للمخرج السينمائي محمد عبدالعزيز، وتقف أمامه للمرة الثالثة.

شاليمار

بدأنا من حيث انتهت بطلة “قلم حمرة” في مشاركتها الأحدث في مسلسل “ترجمان الأشواق”(كتابة بشار عباس عن فكرة للمخرج محمد عبد العزيز) الذي انعقد في قاعة الدراما بالدار، ونظمته المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني (سيريانا) منتصف شهر تشرين الثاني، سماء دمشق استمعت اليها وهي تخبرنا عن “شاليمار” التي جسدتها في العمل وعنها قالت: “فتاة أتت إلى العاصمة، لم تجد سوى مهنة الرقص بالخبرة التي لديها، ليست بـ “الرقّاصة” الخبرة مثلها كمثل من بقي من أصحاب ذلك الكار ولم يسافر، كما حصل مع الراقصات المحترفات، ولأن والدها غير موجود على قيد الحياة، وبسبب ابتعادها عن أمها التي بقيت من فسيفساء العائلة، تعرّج على قصة حب مع رجل بعيد عن تلك البيئة جغرافياً وفكرياً، وتعشق مثقف يساري لديه مكتبة، تتردد عليها بحجة كتب الأبراج و”التبصير”، لتتعمق العلاقة مع كل كتاب. مايدفعها لدعوته إلى سهرة من سهراتها وتصل بذلك إلى علاقة لطيفة تجمع الطرفين وتعلّق عليها كل حياتها وآمالها”، وأضافت، “يرى المشاهد تلك الفتاة كيف أنها اتخذت هذه المهنة، وبنفس الوقت هناك ضوء مسلّط على جوانب عميقة بحياتها، كيف تحب وتعشق، ومدى حاجتها للإهتمام مايدفعها إلى المحاربة من أجل بقاء هذا الرجل متربعاً على عرش يومياتها، ومبعداً عقلها وفكرها بقدر الحب المستوطن عواطفها عن التواصل مع أي رجل آخر، لكن ولأنه متزوج ولديه عائلة لم تلتفت إلى تفاصيلها “شاليمار” لفقدان ذاك الشعور، فإنه يختار العودة إلى أسرته، وهنا تبدأ معاناة تلك الراقصة”.

بين الراقصات وملاهي الليل

اعتمدت نوار على المشاهدة الحية لتلك المهنة، جالت في عدة أماكن ليل، وعقدت عدة جلسات مع ممتهنات الرقص، ولم تتجاهل التدريب العملي للجسد وحركاته حتى وصلت بالشخصية إلى الأداء أمام الكاميرا، هذا ما أخبرتنا به قائلةً: ” تدربت على هذه المهنة على مرحلتين، الأولى مدة 20 يوماً كانت على يد (الطبّال) مرافقي في المسلسل، خلال جولة بين الأماكن التي يعمل بها، ما جعلني أتعرف على إحدى الراقصات، وأتحدث معها عن أدق التفاصيل في عملها وحياتها التي تبدأ من سواد الليل حتى خيوط النهار، سواء بتقديم نفسها أو بالأزياء التي ترتديها خصيصاً للرقص، والعلاقة بينها وبين الزبائن، وحتى آلية انتقالها من ملهى إلى آخر، وبعد تلك الفترة انتقلت إلى التدريب على الرقص مع المدربة غنوة زعبلاوي، التي ساعدتني بشكل كبير لكي أفهم حركة جسد الراقصة بنظرة أدق”.

بعد الرابعة .. الأولى له والثالثة لها

بطلة “الرابعة بتوقيت الفرودس” التي حصدت على دورها فيه جائزة أفضل ممثلة في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي عام 2015، ولدى سؤالنا لها عن التجربة الجديدة مع مخرجه محمد عبد العزيز للمرة الثالثة، لكن هذه المرة في عمل درامي هو الأول لمخرج فيلم “حرائق”، باحت لنا بأنها كانت مستبعدة تماماً عن المسلسل، إلا أن اعتذار الممثلة الموكل إليها أداء الدور، ولضيق الوقت كانت نوار يوسف خياره الأسرع، لمعرفته بما لديها من أدوار سابقة، وأكملت أن هنالك صداقة شخصية تجمعها مع المخرج وزوجته الممثلة رنا ريشة، لكنها بعيدة كل البعد عن العمل وظروفه واختياراته، فلو أنه لم يرَ وجودها في عمله التلفزيوني الأول أمراً ضرورياً لما كان قد دعاها إليه. وعن ما تركته التجارب الثلاث معه من انطباع قالت نوار: “لكل مخرج خصوصية معينة، وخصوصية محمد عبدالعزيز تكمن في حصوله على مايريد من أداء وإحساس أمام الكاميرا، برؤيته ونقاشه الهادئ مع الممثل، يعطيه الوقت الكافي ودون أي إنفعالات يصل إلى مبتغاه، وليس في باله كم الورق المنتهي كما يفعل بعض المخرجين”.

 

إشكالية تحت المجهر

ترى بطلة فيلم “سلّم إلى دمشق” أن “الإشكالية” ليست في الشخصيات التي قدمتها، النمطية والواقعية هي ما تلتصق بتلك الأدوار المأخوذة من المجتمع، لكن ما إن تتوضع تحت سماء الفن فإنها تتعرى من جوانب مظلمة أمام الممثل والجمهور فتكون مفاجئة، وعن ذلك قالت: “جميع الشخصيات التي قدمتها تقليدية، سواء الفتاة المصابة بالسرطان في (الرابعة بتوقيت الفردوس)، أو الفتاة الباحثة عن الحرية والهاربة من الفقر في مسرحية (ستاتيكو)، إلى “شاليمار” الراقصة الموجودة في المجتمع بوضوح وواقعية. لكن فكرة تجسيد تلك الشخصيات سواء على مسرح أو أمام الكاميرا هو أمر غير تقليدي، خاصة بالتعاطي مع تلك الشخصيات، مايسمح لنا كممثلين الدخول بتفاصيلها المخفية عن السطح الظاهر، واكتشاف دقائق الأمور كيف تمر. فكل الشخصيات تقليدية لكنها حين تتعرض لمجهرنا يبدأ الإشكال بالظهور من خلاله، ولذلك يتبادر إلى ذهن الجمهور أنها غير تقليدية”.

“ستاتيكو” الشام في بيروت

استطاع العرض المسرحي “ستاتيكو” الذي ألفه شادي دويعر وأخرجه جمال الشقير، أن يطرح رؤية خاصة بأصحاب العرض كفاح الخوص، نوار يوسف، محمد حمادة، وسيمون مريش، لواقع الإنسان السوري اليوم بظل الأزمات الراهنة، ومحاكاة الهم الإنساني، عبر رجل يريد الإنتحار تقف أمامه الصدفة بإمرأة تجعله يقلع عن الأمر خلال حوار مليء بالإجابة عن الكثير من التساؤلات الوجودية، لكن القدر الأعمى يبعث له من اللامبالاة جاراً ينفذ حكم السوداوية فيه. هي حكاية جعلت مسرح القباني ممتلأً من الحاضرين خلال عرضها الأول مطلع نيسان الماضي، لتذهب بعدها صيف 2017 إلى السويداء، وخريف العام نفسه إلى بيروت. لكن مع غياب الفنان كفاح الخوص صاحبة شخصية “حكم” في العرض الأخير، كان الدكتور سامر عمران هو “حكم” على أرض لبنان، ولم نستطع أن نمنع نفسنا من سؤالها عن العرض على مسرح المدينة في بيروت فلم تبخل صاحبة شخصية “أمل” علينا بالجواب: “كثيرة هي الفرق المسرحية التي تأتي إلى لبنان وتعرض مسرحياتها، خصوصاً السوريين الآتون من كل بقاع الأرض، لكنني شعرت بالسعادة عندما عُرِضَت مسرحية من قلب دمشق على مسرح في بيروت بعد سبع سنوات حرب. (ستاتيكو) قريبة جداً من الواقع السوري، تشبهنا وتتحدث بلهجتنا وليست معقدة عن الفهم، مزاج المسرحية يجعلني كأحد أبطالها مستمتعة بأداء العرض، سواء في بيروت أو في تونس، وربما أوروبا، لأنني أمثل شريحة من القائمين على المسرح السوري، اللذين يشبهون البلد إلى حد كبير، والمتواجدين على الأرض السورية منذ بداية الآزمة وحتى الآن”، وأضافت، “سعيدة بالتعاون الإيجابي من إدارة مسرح المدينة في بيروت، ولتفاعل اللبنانيين وحضورهم عرضنا، إنسانية الحكاية جعلتها مركبة على أي شخص من أي بلد، لذلك لاقت حضوراً لبنانياً وسورياً، لكن الأخير كان أقل من المتوقع، ولي في ذلك عتب لأننا ذهبنا بالمسرح السوري إلى خارج الحدود كي يستطيع من منعته ظروفه أياً تكن من مشاهدة العرض أن يشاهده، وذلك الأمر يعنيني لأنها وبالدرجة الأولى موجهة إلى السورية بغض النظر على أن رسالة المسرحية عالمية”.

جهد مكثف وجائزة من قرطاج

نجاح “ستاتيكو” تكللّ مؤخراً بدعوة رسمية من إدارة المهرجان الدولي لأيام قرطاج المسرحية بدورته 19 في تونس إلى مخرج العمل جمال شقير للمشاركة في المهرجان. فعن ذلك كانت آخر محطة لنا في حوارنا مع نوار يوسف وبتصريحها لنا ختمت قائلة: “لعرض بيروت خصصنا 15 يوماً من العمل المكثف مع الدكتور سامر عمران الذي انضم إلى العرض وتسلّم الراية من نجمه كفاح الخوص لأسباب شخصية، اتخذنا في تلك المدة الزمنية مسرح القباني بدمشق مكاناً للبروفات التي رأينا أنها كانت تحتمل وقتاً أكثر، العرض الذي قدمناه على خشبه مسرح المدينة يشابه نظيره الأول على خشبة القباني بنسبة 70%، لكل ممثل حضوره وأدواته التي يمتلكها. ولكل من الدكتور سامر عمران والأستاذ كفاح الخوص وجهة نظر وطريقة أداء لاتشبه بعضها الآخر. الآن في عرض قرطاج عدنا إلى مسرح القباني أيضاً بورشة عمل وتحضيرات لمدة 10 أيام قبل أن نتوجه إلى تونس، وكلنا أمل أن نحصد لهذا العرض وللمسرح السوري جائزة من المهرجان. لكن مايعنيني حقاً هو أن يكون العرض مضاهياً لعروض دمشق وبيروت”.