حكايات سينمائية سورية: المخرج بين السينما والتلفزيون

 

بقلم الفنان بسام هاشم

تقدم شاشة السينما في صالة العرض أفلاماً قد لا نجد بينها تقاطعات سوى الصالة التي جمعتهم معاً رغم احتمال كون الإنتاج في ذات البلد، وبذات الكوادر وإن اختلفت أسماء الكتاب المخرجين وتنقلاتهم بين السينما والتلفزيون وحتى المسرح.

فما الذي تغير في المشهدية السينمائية السورية خلال العقد الأخير. سنقاطع فلمين سوريين بعدة نقاط من الناحية الفنية كمجرد أمثلة توضح الفارق ليس أكثر:

العمل الأول يحمل توقيع المخرج السوري جود سعيد خريج جامعة لويس لوميير الفرنسية بشهادة الماجستير في الإخراج السينمائي، وكان أول أعماله الطويلة عام 2009 الفيلم الروائي الطويل “مرة أخرى” من تأليفه وإخراجه وبطولة نخبة من الفنانين السوريين وإنتاج شركة سورية الدولية التي دخلت مضمار الإنتاج السينمائي لأول مرة منذ تأسيسها. يتحدث الفيلم عن أكثر المواضيع إشكالية وجدلاً حتى يومنا، وهي العلاقات السورية اللبنانية بدءاً من مرحلة الوجود العسكري السوري في لبنان وإلى ما بعد خروجه.

وقد حاول المخرج جود سعيد خلال ما يقارب الساعة ونصف الساعة مناقشة هذه العلاقة بكل مافيها من اضطرابات وهدوء على مدى حقبتين زمنيتين مختلفتين تماماً، بقالب من الجرأة الغير معتادة في السينما السورية إضافة الى عنصر التشويق والإثارة والحب، فكان كل مشهد من الفيلم له دلالات وإسقاطات معينة وفي مكانها الصحيح.

ومع جميع هذه العوامل والوظائف الفنية والتقنية الصعبة، استطاع جود خلق نظرة جديدة للسينما السورية وهيأ لها دخول عوالم جديدة بشخصيات جديدة ومختلفة وعين بصرية غير مألوفة سابقاً في السينما السورية، فلا يمكن لأي متفرج تابع الفيلم أن ينسى شخصية “مجد” ابن الضابط السوري المتنفذ في لبنان، والتي لعب دورها الفنان “قيس الشيخ نجيب” بإتقان وحرفية عالية جعلت أعين المنتجين المحليين والعرب ينظرون إليه نظرة الممثل الكامل والمحترف، بما تحتويه الشخصية على أفكار مضطربة وتناقضات مركبة صعبة أن تتواجد في شخصية واحدة في الواقع. وبهذا ترك جود سعيد ومن المرة الأولى بصمة سينمائية وتجربة مميزة وفريدة للصناعة السينمائية السورية. ليتعثر جود بعد ذلك حين دخل مجال الإخراج التلفزيوني مع ذات الشركة وأنجز عمل أحمر موسم 2016 الذي أثُقل بالصورة السينمائية على حساب البنية الدرامية والتراتبية السلسة للمشاهد والأحداث.

أما العمل الثاني فكان يحمل توقيع المخرج التلفزيوني “أحمد ابراهيم أحمد” الذي يدخل عالم السينما لأول مرة أيضاً بعدما قدم أعمال تلفزيونية ناجحة إخراجياً كلعنة الطين وطريق النحل. وذلك من خلال الفيلم الروائي الطويل “ماورد” المقتبس عن رواية “عندما يقرع الجرس” للروائي السوري محمود عبد الواحد وسيناريو الكاتب سامر محمد اسماعيل ومن إنتاج المؤسسة العامة للسينما.

 حاول المخرج التلفزيوني جهده التركيز على الصورة والألوان وجميع العناصر الخارجية للعمل، وترك بنية الفيلم الفنية وترابط أحداث القصة وشخصيات العمل للقدر والفنيين والفنانين. فمن بداية الفيلم وحتى آخر دقيقة منه، استطاع المخرج التلفزيوني تشتيت عين المتفرج بالخدع البصرية وحدة الألوان المبالغ فيها حتى تصل مرحلة الانفصام عن الواقع الحقيقي.

 وإذا أردنا التركيز في القصة وعوالم الشخصيات فنجد رابط هش كان قد افتعل لربط الأحداث الجارية في سورية بالقصة التي تعود الى خمسينيات القرن الماضي، وذلك من خلال قصص حب وتيارات سياسية مختلفة التوجه وموحدة بالمبدأ أقرب ما تكون للخيال وبعيدة كل البعد عن المنطق والواقعية. إضافة إلى الأخطاء العديدة التي وقع فيها الممثلون أثناء العمل. وكأن المخرج التلفزيوني أراد من عمله السينمائي الأول أن يكون جامعاً للتلفزيون والسينما والفيديو الكليب، بحيث يقع المتفرج في ورطة الفرجة، فلا يستطيع منح العمل صفة محددة ولا ربطه بالواقع الأليم والقاسي الذي يمر به. وبالتالي ضاعت الهوية البصرية والفنية التي اجتهد عليها كثيرا المخرج التلفزيوني، وسيذهب العمل بعد جولة سينمائية متواضعة إلى أرشيف المؤسسة العامة للسينما العريقة والمتشبثة في قلب السينما والسينمائيين السوريين ليودع مع ودائع ثقل عليها الغبار.
 وبهذه المقارنة السريعة بين إنتاجيين اثنين للسينما السورية في أقل من عشر سنوات نضع برهاناً للنظرية السائدة هذه الأيام عن ضياع وانحراف الطريق التي تُقاد عليها عجلة السينما في سورية، وأسباب ابتعادها عن الساحة العربية والمنافسة في المهرجانات والمحافل الدولية. ما يعزى في كثير من الأحيان إلى غياب التخصص في العمل الفني السوري والطموح المتزايد للفنانين السوريين كما المخرجين في توسيع نطاق مجال العمل الفني وإن جاء ذلك على حساب المستوى متجاهلين بذلك مثلاً أن مصطفى العقاد أبدع في السينما وخلدون المالح في التلفزيون.