حكايات “الاغتصاب” في الدراما السورية.. مآسي بلا حل

محمود المرعي – دمشق 

أن تكون مغتصباً يعني أن تقترف سلوكاً حيوانياً ، لطالما كان ضحيّته العشرات بل المئات من الفتيات في عالمنا العربي على اختلاف أعمارهن، حيث يقدم الجاني على فعلته غير آبه بالقوانين التي تجرّمه متجاوزاً بذلك جميع السلوكيّات الأخلاقية والإنسانية.
الدراما السوريّة تناولت هذا الموضوع في العديد من الأعمال، على اختلاف أعمار الضحايا وظروفها الاجتماعية. وبهذا الصدد يمكننا مراجعة العديد من الأعمال التي تحدثت عن هذا الجرم:


مسلسل “أشواك ناعمة” (2005، نص رانيا بيطار، إخراج رشا شربتجي)
يتناول العمل قصة رهف “نادين سلامة”، طالبة في المرحلة الثانوية، توفيّت والدتها منذ أن كانت طفلة في السابعة من عمرها، ممّا جعل والدها يقدم على الزواج بامرأة أخرى. وبينما يتغيب والدها وزوجته عن البيت لساعات تظل رهف بصحبة شقيق زوجة أبيها على اعتبار أنها طفلة وتحتاج إلى أن يتواجد معها شخصاً كبيراً واعياً ليرعاها في فترة غيابهم، فتتعرض رهف للاغتصاب من قبله وبذلك يدمّر حياة طفلة بريئة لا ذنب لها. تكبر رهف بعدها وتكبر معها الكوابيس، حيث يراودها كابوساً واحداً لا ينقطع، مما يجعلها في حالة توتر مستمر وخوف شديد من الجنس الآخر.. حتى وإن كان والدها!!


مسلسل “غزلان في غابة الذئاب” (2006، نص فؤاد حميرة، إخراج رشا شربتجي).
غادة “أمل عرفة”، الفتاة الأميّة البسيطة، التي يدبّر لها أخوها شهادة مجنون ليتم احتجازها ظلماً في مشفى مجانين. تتعرض في البداية لمضايقات من مستخدم المستشفى أبو زيدان “فؤاد حميرة” الذي يدّعى أنه رجل صالح ومغلوب على أمره. ثم تشتكي لإدارة المشفى قبل أن يجري تكذيبها من قبل القائمين عليه، محتجّين بأنها مجنونة وتتخيل العديد من المواقف. تسنح الفرصة لأبو زيدان لاحقاً فيقدم على فعلته، ثم نشاهد غادة تخرج من المستشفى مباشرة لتكمل ما تبقى من مأساتها وسط العائلة المتواضعة. تنتابها أعراض الحمل بعد فترة وجيزة، وتمر الشهور لتنتحر مستخدمة حجر بناء تقوم بضربه على بطنها مراراً وتكراراً حتى يموت الجنين تماماً.. وتموت هي أيضاً.


مسلسل “سيرة الحب” (2007، نص لبنى حداد-يزن أتاسي، إخراج عمّار رضوان).
في إحدى حكايات هذا المسلسل بعنوان ” 508″ وهو رقم مادة من قانون العقوبات السوري؛ مفادها الإفراج الكامل عن المغتصب في حال وافقت الضحية على الزواج منه.
تتعرّض كنانة “ديمة بيّاعة” للاغتصاب من قبل غسان “ميلاد يوسف” الشاب الذي وهمها بالحب، فأعطته كامل الثقة التي لم يكن أهلاً لها. ثم تستعين بمحامية مرموقة لتخرجها من هذه الورطة، فتقوم بوضعها في دار رعاية بعيداً عن أبيها وتجنباً لتعرض أخيها الكبير لها الذي أراد ذبحها ليغسل عاره.
تتولى المحامية قضيّتها لتبلّغ عن غسان الذي يرمى في السجن ريثما يصدر حكماً بحقه، فيعرض على كنانة الزواج من أجل الإفراج عنه وهو الحل الذي يناسبه ويناسب عائلتها التي أرادت (لملمة الفضيحة)، فتأبى كنانة الزواج من الشاب الذي انتهكها. يرمي غسان في السجن لمدة 21 سنة، كان ثمنها حياة كنانة التي انتهت على يد أخيها الصغير بدفع من أبيها وأخيها الكبير، وبهذا تدفن أحلام فتاة شابة ما زالت طالبة في الثانوية.

من جانب آخر مسلسل” زهرة النرجس” (2008، نص خلدون قتلان، إخراج رامي حنّا).
نرجس “كاريس بشار” الفتاة القاصر ابنة القرية البسيطة. يرسلها والدها إلى المدينة للعمل كخادمة لدى أحد الأطباء المرموقين و الأثرياء. وهناك يقوم الطبيب باغتصاب نرجس، ثم يعيدها إلى أهلها مدّعياً أنها قد حاولت سرقة الذهب الذي بحوزته. مما يجعل والدها يقوم بتقييدها و تعذيبها، فتشفق عليها شقيقتها و تساعدها في فك الأغلال و الهروب إلى المدينة بعيداً حيث لا أحد يعرف مكانها ولا تعرف مكان أحد، لتخوض غمار الحياة الصعبة وحدها. 


مسلسل “طريق النحل” (2009، عن قصص واقعية، إخراج أحمد ابراهيم أحمد).
مرة أخرى يقوم هذا العمل بمناقشة الاغتصاب والعلاقة الوثيقة بينه وبين الفقر! حيث يطرح قضية وداد “قمر خلف” وهي شخصية حقيقيّة. وداد أم أرملة لأربعة أطفال تضطر للعمل كخادمة لدى عائلة ثريّة. يقوم رب العائلة بمحاولة إيقاع وداد في شباكه مستعينا بثرائه،مقدّماً لها العديد من المغريات من مال وذهب. إلا أن جميع محاولاته تبوء بالفشل، مما يجعله مضطراً للإقدام على فعلته عند تغيّب العائلة عن المنزل، فتقاومه وداد وتطعنه بسكين في ظهره ثم تسقط منهارة إلى أن تعود العائلة إلى المنزل وتتهم وداد بمحاولة سرقة رب العائلة. علماً أن زوجته على أتم دراية بتصرفات زوجها، لكنها تريد المحافظة على وجهها الاجتماعي كزوجة مثالية أمام محيطها. تسجن وداد ظلماً لمدة عشرين سنة كاملة.وكأن الفقير لا يمكن تصديقه من قبل الآخرين، لتخرج بعدها باحثة عن أطفالها بعد انقضاء العمر!!


مسلسل “عناية مشددة” (2014، نص يامن الحجلي وعلي وجيه، إخراج أحمد ابراهيم أحمد).
حنين “ريم زينو”، السيدة التي تنتظر عودة زوجها الجندي السوري المفقود في الحرب، والتي تعمل كمدرّسة خصوصية لدى العديد من العائلات من بينها عائلة ثرية لأحد رجال الدولة، فتتعرّض للاغتصاب من قبل رجال إحدى عصابات الحرب التي تلاحقه وهم يظنونها زوجته! فيقومون بخطفها واغتصابها لتفريغ كل أحقادهم المرضيّة على الأثرياء.


أخيرا مسلسل “الندم” (2016، نص حسن سامي يوسف، إخراج الّليث حجو).
رشا” جفرا يونس” الشابة الجامعية الغضّة، المقبلة على الحياة. تقدم إلى المدينة من أجل اتمام دراستها كطالبة في كلية الآداب، فتسكن برفقة صديقتها في غرفة عشوائية مهترئة. تتعرض للاغتصاب من قبل أحد رجال الأمن في الحي الذي تقطن فيه، فتقع في غيبوبة لتنتهي حكايتها على أمل أن تعود إلى الحياة مجدداً.
الأمثلة كثيرة، والحكايات درامية كانت أم واقعية لا تنضب أبداً وتبقى الأسئلة: من المسؤول عن الحد أو الإكثار من هذه الجرائم في المجتمعات العربية؟ هل هو استهتار الجاني بالقوانين التي لا تردعه بشكل كافٍ؟ أم أن سلوكه المرضي سيدفعه إلى فعلته مهما كان الثمن؟! وهل تنصف المجتمعات المرأة من هذه النّاحية؟، وإلى أي مدى يساهم المجتمع في ظلمها على مبدأ ” ما بدنا ننفضح!”؟!. والعديد العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة من قبل المجتمعات أنفسها قبل طرح نهايات مأساوية لها في الدراما.