حكايات الزواج المدني في الدراما السورية..

محمود المرعي- دمشق

معالجة تتغير وواقع ثابت

“الزواج المدني” قضية اجتماعية كثيراً ما نوقشت وما زالت تناقش ضمن الدراما السورية بشكل دوري، ومن وقت إلى آخر. كاستعراض لنظرة المجتمع تجاه هكذا قضية شائكة من ناحية وسط جمود القانون في مكانه دون أي تغيير.
وبهذا الصدد، يمكننا مراجعة وذكر العديد من هذه الأعمال منذ بدايات الألفية الثالثة، في محاولة للتعرف على أهم مستجدات القضية وتحولات طرحها خلال عقد ونصف من الزمن.
البداية المبكرة كانت مع مسلسل “أحلام كبيرة” (2004، نص أمل حنا، إخراج حاتم علي) حيث يقع عمر “باسل خياط” في حب منى ” سلاف فواخرجي” وتنتهي الحكاية بإجبار منى على السفر من قبل أهلها خوفاً من تجاوز العادات والتقاليد ما يضيع أحلامها وأحلام عمر الكبيرة الخائبة في التحقق.

بعد عام جاء مسلسل “أهل الغرام – الجزء الأول” (2005، نص لبنى حداد وزهير قنوع، إخراج الليث حجو)
في حكايا من حكايات المسلسل بعنوان “يا مريم البكر” يغرم فادي”قصي خولي” بابنة الجيران لين “ديمة قندلفت” وتنتهي الحكاية من قبل “لين” التي قررت أن تسافر هرباً من مصيرها، صانعةً مصير آخر لنفسها ومستغنيةً عن حبها الأول والأخير، صديق الطفولة والجار والحبيب.

الأكثر جدلاً ربما كان مسلسل “ليس سراباً” (2008، نص فادي قوشقجي، إخراج المثنى صبح)
نصادف في الحكاية جلال “عباس النوري” مغرماً بحنان “كاريس بشار”. يقدم النص حلاً موارباً عبر الزواج بالسر عبر اتفاق بين الطرفين. إلى أن يتوفى جلال وتضطر حنان إلى كشف الأمر، فتُقاطعها العائلة مع تهديدات زوجها السابق بحرمانها من ابنتها الوحيدة.
في العمل حقق جلال وحنان رغبتهما في الزواج متخطين الواقع الصعب لكن الموت لم يمد بعمر هذه الرغبة حيث يموت جلال تاركاً لحنان جنيناً منه في بطنها والنسخة الأولى عن روايته الأخيرة “ليس سراباً”.

بقالب جديد جاء مسلسل “بنات العيلة” (2012، نص رانيا بيطار، إخراج رشا شربتجي)
قامت الكاتبة بمناقشة هذه القضية بعد الزواج، حيث نرى أن ريتا “ديمة قندلفت” قد تمت مقاطعتها بشكل نهائي من قبل العائلة، واتهامها بأنها السبب في إصابة والدها في سكتة قلبية أدت إلى وفاته.
لكنّ ثمّة مشهد في الحلقة الأخيرة يبعث على الأمل، حيث يحترق متجر زوج ريتا أحمد “إياد أبو الشامات”، مما يجعل أصحاب المتاجر الأخرى والذين من بينهم شقيق ريتا يهرعون لإطفاء الحريق، فنرى شقيقها يساهم في إخماد الحريق لتكون إشارة إلى أننا جميعاً شركاء في الإنسانية، بصرف النظر عن الأديان التي نتبعها.

لم يغب الطرح الشائك عن مسلسل “قلم حمرة” (2014، نص يم مشهدي، إخراج حاتم علي) من خلال قصة الأرملة هيفاء “كاريس بشار” التي توفي زوجها المختلف عن دينها بوقت مبكّر بعد أن غدت أم لشاب وشابة تحاول جاهدةً تأمين الحياة الكريمة لهما. علماً أنها من عائلة ثرية، إلا أن عائلتها تمنّعت عن مد يد العون كي تلقّنها درساً لا تنساه طيلة حياتها، وهنا كان الطرح يناقش ارتدادات هكذا زواج على المدى البعيد.

أيضاً مسلسل “علاقات خاصة” (2015، نص نور شيشكلي، إخراج رشا شربتجي) قدم نموذج مايا “ديمة قندلفت” التي تقرر الانتحار، ليلة عرس حبيبها السابق تيم “باسم ياخور”. لكن تيم ينقذها ويقرران الهرب والزواج في بيروت لبدء حياة جديدة مع استمرار محاولات أهل وأقارب مايا بقتلها.
ينتصر حب مايا وتيم بعد تجاوز العديد من التحدّيات، لتنجب مايا طفلة من تيم قبل وفاتها المستعجلة! وكأن الموت لعنة في هكذا قصص..

وأخيراً عاد مسلسل “أهل الغرام 3” عبر خماسية بعدك حبيبي (2017، نص نجيب نصير، إخراج المثنى صبح) لمناقشة تطور قصة يامريم البكر في الجزء الأول بعد مرور ربع قرن تقريباً.
فادي” محمود نصر” و ميرا “نجلاء خمري” هم أبناء فادي ولين بعد زواج كل منهما على حدة فيقع الأبناء في الهوى دون علم ماضي الأهل. يتوصل البطل والبطلة في نهاية الخماسية إلى فكرة قد تبدو غريبة، والتي مختصرها ” عدم ارتباط الحب بالزواج” حيث تنتهي الخماسية مع استمرار علاقة فادي وميرا دون علاقة زوجية. حيث أن الحب هو الأقوى، وإن كانت العلاقة غير الشرعية قانونياً هي الحل الوحيد في مجتمعاتنا فلتكن!، وكل شيء يهون في سبيل استمرارية العلاقة تحت ظل القوانين والأعراف الخشبية!

السؤال الذي يطرح نفسه ماذا طرأ على واقعنا منذ 2004م حتى يومنا هذا!.
ما بين فادي في “يا مريم البكر” , وفادي في “بعدك حبيبي”؟! هل تحطّمت الحواجز؟ أم أنها ما زالت ثابتة في مكانها؟!
وبما أن الدراما هي مرآة للواقع ترصد تغيراته، فهل استطاعت الدراما أن تضع بصمة حقيقية لقضية إشكالية قدمت عبر سياق طرح حكاياتها وما قدمته من نهايات حلولاً مواتية لإنقاذ واقع المجتمع دون ضياع الحب أو ازدياد التعنت أكثر!!