قناديل للعشاق بضوء “شمعة”

 

أنس فرج – جوان الملا 

ستخطو قدماها في دورب الشام، وتضيء القناديل من أجل العشاق. كانت الجُمل رنانة والنقابة بزعيمها تمنع جنية الحب من متابعة الحكاية… هذه قناديل العشاق!!
من الوهلة الأولى لسماعك باسم المسلسل يتبادر إلى الذهن سؤال عن الرابط بين قناديل الليل التي اشتهرت بها دروب دمشق القديمة والعشق الذي تتقنه سيرين عبد النور في مسلسلاتها فهي إيف الهاربة من الظلم تفقد في الطريق زوجها وابنتها ثم تلتقي بكوكب صاحبة ماخور في دمشق وتصطحبها كفتاة لبنانية جميلة.

ولأن الحكاية تروى بشكل مقلوب لم يبلغ الجمهور هذه التفاصيل إلا في منتصف العمل حيث وجد نفسه أمام قصص حب متقاطعة في وحدة المكان تختلط فيها العفة بالمكر والإرادة بالانكسار وسط جو درامي توثيقي يستعرض بشكل تجميعي قصص من تاريخ دمشق المتداول شفوياً أو من المراجع القليلة العدد.

يبدو العمل منذ بدايته مختلفاً، فهو لم يعتمد على ذروة أحداث معينة ضمن غالبية حلقاته كما لم يتطرق إلى حواديت البيئة الشامية التي اعتدنا عليها، فببساطة كان قناديل العشاق عملاً تراثياً يتكلم عن حقبة هامة عام 1734 ميلادية في فترة كانت مدينة دمشق مُتْخَمة بالصراعات، إلا أن العمل لم يشعِرْنا بوطأة هذه الصراعات إلا في حلقاته الأخيرة كسياق يبرر انتهاء قصص عدة وتصعيد يسبق الخاتمة. وبذلك جاء النص لطيفاً يتخلله مشاهد “بلاي باك” لأغانٍ جميلة غنتها “سيرين” بمشاركة صبايا إيڤ في العمل والتي كانت لأول مرة الفنانة السورية “سارة فرح” في دور تمثيلي من بينهن بالإضافة لصوت الفنان “مصطفى سعد الدين” ما قدم حالة فنية جديدة في هذا النوع من الدراما بأنامل الموسيقار طاهر مامللي والموزع الموسيقي أنس نقشي.

إيقاع العمل كان بطيئاً للغاية حتى أنه أخرّ في ظهور قصة الحب الرئيسية في العمل حتى الحلقة عشرين بما تضمن من قصص تعريفية ومداخل حكايات لم يظهر لها أبعاد في الحلقات الأخيرة حيث تحول العمل من صيغة الفلاش باك إلى صيغة السرد للأمام والتحدث بصيغة الراوي واسترجاع لقطات تجميعية من الحلقات السابقة. فضلاً عن الاتكاء المبالغ فيه على شخصية الحكيم “المُخلِّص” كرمز لإيجاد الحلول والحكمة وقبل ذلك الدراية في أهواء العشاق وحالهم.

من تابع المسلسل لا بد أنه كان مبتسماً بعض الأحيان بمشاهدة القصص المستوحاة من تراث مدينة أثيرة كدمشق شهدت تقلبات كبيرة وغاب أو غيب ذكرها في الدراما كمرجع توثيقي بالغ الأهمية. فهل أدرك الكاتب خلدون قتلان خلال في القصص التي صاغها على ورقه مراعاة التسلسل الزمني للحكايات، وتقديم صورة واقعية عن تلك الحقبة الزمنية الحساسة؟! بالمقابل لماذا أعاد المخرج سيف سبيعي التركيز مجدداً على حادثة هجوم البدو على دمشق وبهذا الشكل الفج بسياق معاكس للألفة والرومانسية التي سار فيها المسلسل منذ البداية؟!

سيرين عبد النور القادمة إلى صنف درامي جديد استطاعت أن تتفوق على نفسها إذا ما قورن أداؤها بما قدمته سابقاً. فقد عهدناها دوماً بدور المرأة البسيطة أو الجميلة التي تبحث عن الحب، لتبرز كامرأة مغامرة قتلت الآغا و هربت من لبنان لتعلكها الحياة ويعتريها الخوف فتجد نفسها سبيةً لماخور تصبح سيدته بعد ذلك وتمُرّ بأحداث مزعجة تتوجب منها انفعالات واضحة وعنيفة رغم أنها لم تتحرك ضمن حلقات العمل بالشكل المثير للنظر وإذ أدت غناء فكثر الانتقاد عن مدى جودة صوتها لأغنيات استيقت من التراث الشامي. قابلها في البطولة نجم مسلسل الندم محمود نصر بشخصية العاشق والبطل المغوار فشكل أسطورة في الحارة. ورغم خروج محمود من عباءة أدواره السابقة أيضاً، إلا أن محاولة صناعة بطولة خارقة جسمياً وطريقة تقديمه بدت غير مقنعة في كثير من المشاهد ولاسيما في تقاطع شخصيته مع شخصية أبوالكفية في فيلم بنت الحارس للسيدة فيروز. هدوء الندم استبدله ديب بانفعال القناديل فوفق حيناً وتعثر أحياناً في اللمعان كبطل خاصة أن مسار الشخصية انقلب فجأة برؤية إيف وانهارت قوى البطل أمام محبوبته.

هذا لا ينفي أن العمل اعتمد على ثنائية إيف-ديب. بل جمع وجوهاً انتهجت مساقاً جديداً في الأداء فكان لرامز الأسود وجلال شموط وغسان عزب وطارق الشيخ وسوسن أبو عفار وصباح بركات حضوراً مختلفاً. كما أثبتت الوجوه الشابة وجودها مبشرة بنجومية واعدة كحسام سكاف وريمي سرميني ومي مرهج ولميس عفيفي وريم نصر الدين وبلال مارتيني ومؤيد الخراط وأمير برازي.

إلا أن العمل الذي انتهى تصويره منذ أسبوع تقريباً يبدو عليه الخلل في تحقيق التكامل والسرعة في إنهاء مشاهده وهذا ما ظهر واضحاً في عدة لقطات، حيث جاءت بعض المشاهد عشوائية غير متناسقة لدرجة أنه قد تمر حلقة كاملة دون ظهور أثر للبطل أو بظهور مشهدين خجولَين للبطلة فقط و هي تدخن النرجيلة بجانب الشباك، كما بدا المونتاج متخبطاً قليلاً حيث تبدأ الحلقة بمشهد معين لتنتهيَ تتمة هذا المشهد في الربع الأخير من الحلقة!! وقد يمر ثلاث حلقات والأحداث تدور ضمن يوم واحد فقط!!
إلا أن العمل لم يكن بذلك السوء واستطاع جذب جمهور واسع، ربما لأنه خرج من قوقعة الفانتازيا الشامية بلباس تراثي أنيق فجاءت قوته ببساطته لنشهد على عملٍ مريحٍ للأذن و العين، خفيف الحركة و لطيف الأداء ضمن هذه المائدة الرمضانية الزاخرة بالأعمال الكاسدة.