احذر المرور.. هنا الهيبة

 

مدير تحرير ETsyria – أنس فرج 

لم يوفّر صنّاع مسلسل الهيبة (نص هوزان عكو، إخراج سامر البرقاوي، إنتاج صباح بيكتشرز) أي فرصة تسويقية كانت لإثارة حالة من الجذب اتجاه المسلسل. فمنذ بلوغك قرية الهيبة أنت على موعد مع رتل من السيارات الفخمة غير المرسمّة توصلك قرية على الشريط الحدودي بين سورية ولبنان. وكما ستبهرك المناظر الطبيعية في بيئة حديثة العهد ضمن الدراما، سيقع على سمعك صوت الفنان ناصيف زيتون وهو يبرر بكلام الشارة الخطأ في خدمة الصواب، والقسوة كنوع من إثبات الوجود والكرامة.
كافة العناصر البصرية والسمعية تهيأ جواً من المناخ النفسي المشوق يوهم المشاهد أنه على موعد مع مسلسل مختلف من ألفه إلى يائه، فماذا عن التفاصيل؟
الهيبة تفرض قواعدها الخاصة في محاولة التفاف ربما لتقديم مسلسل يغطس في الرمال المتحركة دون الغرق فيها. فهو من ناحية يعمل على إبراز مظاهر مؤسسات الدولة في لبنان كالسفارة الكندية الحريصة على رعاياها والأمن الداخلي والشرطة وقوات مكافحة الإرهاب وغيرها من الهيئات القانونية، ليقابلها في الطرف الآخر منطقة خارجة عن أي سيطرة للدولة تظهر على شكل امبراطورية مصغرة لعشيرة شيخ الجبل وزعيمها الغني عن التعريف جبل؛ تاجر في بيع الألبان والأجبان يخفي شحنات من السلاح في سيارات البضاعة ويهرب المخدرات عبر طرفي الحدود في زعامة لا يكسرها تمرد ولا ينتقص من نفوذها واشٍ. حيث يُستثمر في العمل كافة الإمكانات لصناعة صورة جبل شكلاً ولفظاً حضوراً و”هيبة”، ما حول الفنان تيم حسن خلال أقل من شهر إلى نموذج عربي يقتدى في كلامه وطريقة صياغته للجمل، فضلاً عن حركات جسمه وفمه في مضغ العلكة وليس انتهاءاً بذقنه وستايل ثيابه. وفي المحيط العائلي لجبل تبرز قبة الهرم متمثلة بناهد عمران “أم جبل” سيدة تختصر تفاصيل الزعامة والنفوذ بنظرة عين وإيماءات وجه لا تتقنها سوى السيدة منى واصف، وأخٍ نزق لم يختمر فكر الزعامة في ذهنه بعد فتتصارع داخله القيم والمشاعر وأخت تغلبها العاطفة ورغبة التمرد على نظام العشيرة الآسر للحريات، كما يتواجد أولاد عم يشكلون بطانة جبل الحقيقية في النفوذ وفرض السيطرة وخال يظهر ممثلاً الشكل التقليدي من الزعامة. أما الزائر إلى العالم المجهول فهي زوجة الأخ المتوفي في كندا وهنا تمثل “عليا” نموذج المشاهِد الداخل إلى عوالم الهيبة مجبراً كي يبلغ من الفهم ما يفسر له أسرار هذا العالم وعوامل نفوذ جبل وعائلته وسط سعي الأم لإبعاد طفلها عن مستقبل خطير تحكم فيه القوة.
ووسط كل هذا النحت في شخصيات من المفترض أن رسمها يحقق متعة درامياً على الورق، صرحت الفنانة ندين نجيم أنها قدمت شخصية عليا بشكل أفضل من المكتوب نصياً. وهذا ما قد يفسّر أن النص ما كان إلا ملعباً خصباً لحرفيي تمثيل يعرفون ما يريدون وكيف يصنعون دراما حقيقية بحركات أجسادهم وسيميائية وجوههم حتى لو تفوق ذلك على الحدث متواتر الإيقاع والحبكة الرخوة في بعض المناطق. فلا يستطيع أي متابع درامي جيد إلا وأن يقاطع الهيبة مع مسلسل عشق وجزاء التركي ومسلسل جبل الحلال المصري ومسلسل narcos الأجنبي، ما يجعل الحكاية تحمل طابع الإسقاط الخارجي على بيئة مغيبّة عن الإعلام وتستقي من ملامحها في ذات الوقت ما يمنح المسلسل صك العبور إلى الشاشة ويهادن جميع الأطراف المشار إليها في العمل.
بعيداً عن الحبك الدرامي ومدى إتقانه في إقناع المشاهد بواقعية الطرح، يوفر الهيبة الجو العام المناسب لفهم البيئة دون الغوص في الأسئلة والأجوبة، فالتعامل مع الهيبة يعني أن تستغني قليلاً عما تحمله من مفاهيم السلطة وأساليب القوة لتترك نفسك عائماً على سطح مهتز مع دستور من القوانين وجملة من المبادئ المصنعّة ومحفوظة الحقوق للهيبة.