خاتون: التشويق يغطّي على الخطأ

متابعة من دمشق – جوان الملا

قدّم مسلسل خاتون بجزأيه نموذجاً مختلفاً في دراما البيئة الشامية، وذلك من حيث الحبكة وأداء النجوم وأسلوب المونتاج.


العمل من تأليف طلال مارديني وإخراج تامر إسحاق وتولى مونتاجه بشكل كامل المونتير كنان صيدناوي والذي أشادت الصحافة الموسم الفائت بتميز تقطيعه المختلف للمشاهد. خاتون من بطولة نجوم كثر منهم سلوم حداد وكاريس بشار وسلافة معمار وميلاد يوسف ومعتصم النهار وكندة حنا.

يبدو المسلسل منذ بداية جزئه الأول وحتى الآن عملاً تشويقياً بجدارة، حيث استطاع استقطاب عدداً كبيراً من الجمهور واحتل المرتبة الأولى في المشاهدة في دولة الإمارات خلال موسم رمضان الحالي متفوقاً على الدراما الخليجية في عقر دارها، حيث نجد أن التشويق والإثارة يطغيان على العمل بقوة. الجمهور على موعد في كل حلقة مع حدث جديد مفاجئ سواء كان يتوقعه أم لا، مما جعل النص الذي كتبه سيف رضا حامد عن قصة طلال مارديني قادراً على احتواء المشاهِد في كل حلقة ليتركه منتظراً ماذا سيحصل بعد ذلك بلهفة.


الأخطاء الدرامية في العمل كانت واضحة وجوهرية، بعضها يكمن في الحوارات والآخر في السياق الدرامي ذاته وفيما يلي أبرز ما ورد من أخطاء في الموسم الحالي من خاتون:

“خاتون” الحبلى من زوجها “كريم” المقتول على يد “الزيبق” غادرت منزلها وأخذت تشارك الزيبق ورجاله في ضرباتهم ضد الفرنسيين. دونما أن تأخذ بعين الاعتبار أنّ عُدّة الأرملة من زوجها تنتهي حين تضع حملها.
لكن إن تجاهلنا هذا الموقف بأن خاتون كانت في حالة حرجة حين هربت من مكان إقامتها – كما حصل- خوفاً من أن يقتلها شقيقها، سنقع في مطبّ خطأ آخر يتعلق بشخصية “سميحة” اللبنانية التي تقوم بأدائها الفنانة “ورد الخال” حيث احتالت على عائلة أبو العز ودخلت جاسوسةً إلى بيته ثم أقامت فيه لتعرف مكان خاتون دون أي شك من أبو العز أو أولاده. وذلك لمجرد أنها قالت لهم إنها هربت من “الفرنساوي” وقُتِلَ أخوها.


شهامة أهل العمارة وكرم منزل زعيمها أبو العز قد يبعد الشك عن احتمال شكهم بسميحة كجاسوسة، لنجد فجأة جرذاً يعض “درّيّة” زوجة الزيبق لتُصابَ بالطاعون وهي حبلى، ومن المعروف أن هذا الوباء شديد الخطورة. إلا أن التعامل مع المريضة كان ساذجاً جداً ولم يأخذ من يسهر على رعايتها طرق الوقاية كما يجب. فالخطوات الصحية في العلاج هي الحجر على المريضة فوراً والعناية بها من قِبَل مختصّين. حسناً ربما كان هذا عن جهل، لكن ما لا يمكن تصديقه أن تطول مدة حياة المريضة وأن يبقى جنين “درّية” حياً في بطنها رغم إصابتها بالمرض. والأنكى من ذلك أن تموت “درّية” ليبقى الوليد حيّاً في بطنها وتستخرجه منها الطبيبة على قيد الحياة بعد وفاة أمه بثوان.ٍ والوليد ظهر في حال لابأس عليه البتّة ودون أن تضع الطبيبة كفوفاً طبية في يديها حتى فاختلطت يداها بدماء الوباء!!
الغاية الدرامية واضحة من إنهاء الشخصية فـ “درّية” أوصت بزوجها لخاتون والواضح أن النهاية ستكون بتزويج خاتون للزيبق واعتنائها بطفله. ومن الأخطاء أيضاً أن يصدر حكم الإعدام بحق خاتون وهي ما تزال حبلى، فقانوناً ومنذ القِدَم لا تُعدَم المرأة الحبلى قبل ولادتها.


لكن برغم هذه الأخطاء الجوهرية في المسلسل يستطيع المشاهد إغفال تشغيل عقله بحثاً عن تبريرات قد لا تكون منطقية “كالذي ذُكر آنفاً ” مقابل أن يعرفَ إلى أين ستأخذه الأحداث، حيث دائماً كان هناك جديداً يجري يترك المشاهد متلهفاً محتاراً. ومن هنا كَمنت قوة العمل فغطّت على الأخطاء الأساسية لتبعدَ نظر المتفرج تلقائياً نحو أحداث جديدة متلاحقة. فكان خاتون بجزأيه ورغم أغلاطه مشوّقاً جداً ونال استحسان نسبة كبيرة من الجمهور العربي و استطاع أن يظل متصدراً ضمن أعمال هذا الموسم.


وطبعاً لم يكن هذا ليحدث لولا إبداع الفنانين المشاركين بخاتون، فكان دوراً حقيقياً يُحتسَب لكندة حنا في مسيرتها الفنية. و كذلك الأمر بالنسبة لمعتصم النهار الذي جسّد فيه روح ثائرٍ على الاستعمار بكل براعة، ولا داعي للحديث عن روعة أداء سلافة معمار التي قلبت الحارة كلها رأساً على عقب بسبب الفتنة والبلبلة التي تحدثها كل مرة وعن أناقة تمثيل سلوم حداد وعبقرية حركة عينَي كاريس بشار فقط دونما ذكر باقي تعابيرها. لنجد أنفسنا واقفين أمام كوكبة نجوم ونتغاضى عن الأخطاء، فالقدرة الفنية للنجوم ربما تكون ناجحة في كثير من الأوقات على حمل الأغلاط فوق أكتافها لتصنع منها عملاً يخلّف وراءه أثراً لا يزول.