#بدي_مشروع_تخرج_الرابعة

 

 

هاشتاغ أطلقه فنانين وأصدقاء لطلاب السنة الرابعة في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق بعد قرار صادر عن عمادة المعهد يقضي بحجب مشروع تخرج طلاب السنة الرابعة.
تفاعل كثر مع الهاشتاغ رغم ضعف التفاعل بهذا النمط في سورية نسبياً مقارنة بالدول المجاورة. ولكن الحدث اقتضى انفعال وردات فعل ونقاشات حادة في الوسط الفني وبين الصحفيين السوريين، فما الذي استدعى حجب المشروع؟
كي نفهم أكثر الوصول لهذا القرار لابد من الاطلاع على المسببات التي أوصلت معهد التمثيل الأول في سورية إلى حالته المزرية الراهنة، التي استشفها طلاب وخريجين وأساتذة منذ سنوات ولطالما نبهوا لحالة تدهور يعيشها المعهد العالي.
حالة عامة عصفت بالمعهد قبيل سنوات من الحرب وزادت آثارها وضوحاً في الأعوام الأخيرة.
فقبل شهور زارت الصحفية الشابة نور ابوفراج المعهد وأجرت لقاءاً صحفياً مع بواب المعهد ليتلو عليها تفاصيل الزمن الجميل والحياة المسرحية الفنية الحقيقية التي شهدها المعهد منذ تأسيسه في دمر وثم انتقاله للأمويين وسط العاصمة. هذه الحقيقة تسايرت مع نمو متزايد لاسم الدراما السورية محلياً وعربياً وغدت أكاديمية التمثيل السورية الوحيدة منبر الشهرة الأفضل للطامحين بالنجومية، حلم فرض رهانات وردية من الطلاب منذ دخولهم عتبة المعهد بشق الأنفس. حيث لا متسع إلا للعشرات سنوياً في أقسام أربعة وبذلك يجد الطالب نفسه داخل فقاعة ملونة بطيف نجوم يراهم ويصافحهم وجهاً لوجه وببعض كلمات إطناب قد يجالسهم ويسهر معهم على نفس الطاولة، ويتجه بذات الوقت لتصدير نفسه للمجتمع المحيط بصورة الفنان المتأثر بفضاء شخصيات المسرح حيث لا تقليدية في الثياب أو الشعر وحتى نمط الحياة.
ما يقال في الشارع “خسة” هو فعلاً ما كبر في رؤوس بعض الحالمين وتنامى وخاصة في قسم التمثيل داخل المعهد، ما خلق فجوة بينهم وبين طلاب الأقسام الثانية التي عانت تهمشياً إعلامياً وعدم تقدير لقيمة هذه الأقسام في العملية الفنية المتكاملة. لذا سعى المعهد لتنظيم فعاليات تحاول تعويض الرأب ولم شمل الجميع تحت راية المعهد.
لكن الأحداث المتتالية في الصراع السوري انعكست على بنيوية المعهد التدريسية فانتقلت كوادر للتدريس وللعمل خارج سورية، وليس هروباً من الواقع فقط بل نزقاً من عدم قدرة المعهد على تطوير منظومته لتناسب الحدث المتسارع، خاصة وأن الفن ولا سيما المسرح هو وليد الصراعات والأزمات. بالمقابل استنزف المعهد طاقات من نجوم سورية في التدريس على مدى سنوات دون تقدير وافٍ لما قدموه، وآخر الأصوات التي جاهرت بذلك القدير بسام كوسا حين نعت المعهد بالخرابة بعد عرضه مع طلاب السنة الرابعة العام الفائت. فإذا كان المعهد لا يقدّر أساتذته فكيف يحترمه طلابه؟!
لكن الحلقة الأكثر قسوة في حال المعهد اليوم هو التسيب الذي اعترى طلاباً يعانون من حجم بؤس عالٍ لعدة أسباب أهمها غياب الفرص الحقيقية لصقل الخريجين وتقديمهم بشكل نظيف ومحترم للوسط الفني، دخول الشللية مع المخرجين إلى داخل المعهد، غياب الشرط الملزم لشركات الإنتاج في اختيار وجوه جديدة من الخريجين حين تجري كاستنج لعمل درامي ما. وقبل ذلك الصدمة النفسية العالية بين قسوة الواقع ومناخ المعهد، فإذا كان طلاب المعهد العالي يتدربون على صقل إحساسهم والتعبير عن مشاعرهم بسهولة فهذا سيجعلهم عرضة للانفعال أسرع وللتمرد على واقعهم الذي يشمل المعهد أيضاً، وجميعنا نتذكر كيف استفز الفنان غسان مسعود قصي خولي في حصة درسية دفعته لكسر الشباك والفرار من المعهد يومها. وهذا ليس تبريراً لما حدث في المعهد ضمن الفصل الأخير من تسيب في الدوام ورفض للتعامل مع الأساتذة حتى الوصول إلى حد التشاجر بالسكاكين كما نشر الصحفي خلدون عليا حسب مصادر موثوقة، بل هو محاولة لفهم المسببات التي دعت لهكذا تصرف خاصة وأنه لا يمكننا مهما حاولت الجامعة والهيئات الحكومية في سورية إقناع الطلاب أن الوضع مستقر والعملية التدريسية تسير بشكل سليم من إخفاء المشاكل التي تصل حد الكوارث في بعض الأحيان داخل المنظومة التدريسية.
المقاربة السابقة جاءت بعد وعود من فنانين لطلاب المعهد بتعويضهم عن المشروع بالمشاركة في أعمال درامية، ونقد لاذع لعميدة المعهد الفنانة جيانا عيد وحالة تذمر ومكاشفات بين خريجين وطلاب درسوا وما زالوا يدرسون على مقاعد معهد قدم للشاشة العربية خيرة أسماء النجوم السوريين، ولكنه كحال الدراما رفض في مكان ما التطور ومواكبة التغير المتسارع في مفاهيم الإنتاج وكتابة السيناريو التلفزيوني والسينمائي، فضاق الأفق فيه كمسارحه الضيقة حتى تكاد تتلاشى فرص الأمل في إنقاذ معهد ما إن تزوره حتى يطالعك اسم فواز الساجر وسعد الله ونوس، فترتعش قليلاً وتصمت في حضرة الغيّاب.