شكلين ما بحكي ومنتهيّة وجهان لعملة واحدة

بقلم: محمود المرعي

تتنوّع الخيارات وعروض العمل على النجوم من حيث الشخصيّات وصراعاتها، كادر العمل، أساليب الراحة والرفاهية، الأجر الّذي يتقاضونه، وهذه النقاط ما هي إلا نبذة فقط عن ما يميّز شركات “البان عرب” عن شركاتنا السوريّة المحليّة الّتي وصل أغلبها إلى درجة عالية من عدم تقدير نجومنا.

لكن.. لطالما أن كل المقوّمات اللوجستيّة في أوجها لماذا لا يتم تقديم نص قوي يناسب أداء قوي ليغدو العمل متكاملاً لا يظهر بقالب بيئة شامية مستحدث كما حدث في “الهيبة” وعلى مدى أربعة أجزاء؟ فقط مسلسل “أكشن” لطيف يمكننا مشاهدته للتسلية، فهو ليس العمل المناسب لنستخلص منه قيمة أو حكمة، لكن ما الّذي جعله يشبه “باب الحارة إلى هذا الحدّ؟

جبل شيخ الجبل صديق مقرّب لأبو شهاب

المعلّم “جبل” هو ذاته العكيد “أبو شهاب” لكنه بتسريحات شعر حديثة تختلف بين جزء وآخر وليس بعمامة، تختلف الأزمنة ولكن المضمون واحد، رجل “زكرت” “معدّل” “كفو” قلبه على ضيعة “الهيبة” كما قلب “أبو شهاب” على حارة “الضبع”، وإذا كان “جبل” مهرّب سلاح، فـ “أبو شهاب” أيضا كان يعمل في تهريب الأسلحة إلى حارة “الضبع” لمجابهة العدوان الفرنسي.

تسابقت بنات أبو حاتم الخمسة للارتباط بـ “أبو شهاب” كما “جبل” الّذي تسابقت عليه بطلات العمل جزء تلو الآخر ولا بد طبعاً في كل جزء من وجود مشهد لتذوب البطلة في شبابه ورجولته.
كل هذه الأسباب تجعل من “جبل” نسخة محدّثة عن “أبو شهاب”.

ناهد عمران /أم جوزيف

المرأة القويّة صاحبة الكلمة، التي تقف سيفاً بظهر أولادها وتصدر الأوامر ليتم تنفيذها، حال “أم جوزيف” التي تكافح من أجل أبناء حارة “الضبع”.
وفي عودة “جبل” إلى أهله يحضرنا مشهد عودة “المخرز” إلى حضن والدته التي جسدت دورها أيضاً الكبيرة منى واصف في مسلسل “ليالي الصالحية” مع الفرق أنه كان مشهد ملائم للعمل على اعتبار النص ككل محبوك ومتراكب على عكس نص “الهيبة” الذي بدا المشهد فضفاضاً عليه ومجرّد تريند!

صخر/معتز

الشاب “الحمش” سريع الاشتعال، يستلم الزعامة عن أخيه في وقت غيابه، وظيفته فقط أن يكون شخص عصبي طيلة الوقت مع القليل من الحكاية!

نمر السّعيد/ أبو النار

لا بد من وجود عدو لدود لـ “جبل” يظهر بشكل مفاجئ يتصارع معه فيُظهر الكاتب مآرب العدو النتنة ليخلق حالة من تعاطف الجمهور مع جبل وكما كان “أبو النار” يضمر الشّر تجاه “أبو شهاب”، نرى” نمر السعيد” يودّ الأخذ بالثأر ولكن من دون أن يشطب “جبل” بالخنجر على وجهه!

باب الحارة والهيبة لا نعلم من يموت ومن يعيش:

يختلف عباس النوري مع بسام الملا فيموت “أبو عصام” ليتصالحا مجدّداً فيعود!

يختلف سامر كحلاوي مع سامر برقاوي فتختفي شخصية “الدب” أيضاً ولكن دون عودة حتى هذه اللّحظة!

يُدفَن “النّمس” في باب الحارة وقبل ردم التراب بدقائق يصحو فيتجدد دور مصطفى الخاني كما عبدو شاهين في “الهيبة” الذي يُطلق عليه الرصّاص فيموت ليعيش دور “شاهين” من جديد في الجزء الثاني على أنه عودة للأحداث السابقة ليتبيّن فيما بعد أنه لم يمُت بالأصل!
لا يموت “جبل” في الجزء الثالث فالعدو يُصيب ابنه وزوجته فقط فيصيب قلبه الحقد

باب الحارة والهيبة والأطفال في العيد:

منذ زمن كانت أسماء شخصيات الأطفال في العيد وهم يحملون خناجرهم البلاستيكيّة “أبو شهاب” “معتز” “خاطر” “عصام”
في أيامنا الحالية وعلى مرأى ومسمع الناس ينتفض الطفل الذي لا يتجاوز عمره العشر سنوات حاملاً سلاحه البلاستيكي أيضا ليقول وبصوت مرتفع:
“أنااااا جبل شيخ الجبل” وكأنها ميزة إضافية أو أن أبناء الحرب بحاجة لحرب درامية أيضاً ليزداد الطّين بلّة! وهذه ليست بحالة نجاح فانتشار أقوال الشخصيّات في الملاعب وعلى الألسنة هي ليس نجاحاً فعلياً بل غايتها صنع ترند يعيش لفترة من الزمن ثم يختفي، لأن النجاح الحقيقي هو الّذي يترك أثره على مرّ السنين.

وهنا نحن لا نلقي اللّوم على أصحاب العمل بل نحمّل المسؤولية للأهالي المتوجّب عليهم تفعيل دور الرقابة في المنزل على ما يشاهد الطفل من أعمال قد تؤثر عليه سلباً

جميلات باب الحارة وجميلات الهيبة:

كل جزء من أجزاء الهيبة يحمل وجهاً نسائياً جميلاً لتدعيم الحكاية بقصة حب طرفها الثاني لا يتغيّر! ومن يكون غير جبل؟

وبالمقابل كل جزء من أجزاء باب الحارة تقريبا يحمل أيضاً وجهاً نسائياً جميلاً مع الفرق أن طرفي العلاقة متغيّرين، فلدى الهيبة نادين نجيم ونيكول سابا وسيرين عبد النور وديمة قندلفت، ولدى باب الحارة جمانة مراد وميسون أبو أسعد وسلاف فواخرجي و… الكثيرات منهن، ولأن عددهن كبير ولم يعد الجمهور يتابع “باب الحارة” الذي أصبح بنسخة كرتونية مضحكة. فباب الحارة مع أنه خشبي إلّا أن الصدأ قد اعتراه منذ انقضاء الجزء الثالث أو الرابع منه، وفقد هيبته.

لذا حان وقت إغلاقه لأن الجمهور ليس بسيطاً أو ساذجاً إلى هذا الحد ومهما أحب نجوم هذه الأعمال سيصيبه الملل إذا ما شعر أن صنّاع العمل يسخرون منه، أما بالنسبة لـ “الهيبة” فيجب إيقافه ليكون له من اسمه نصيب!

ومن الأفضل أن يعود تيم حسن بعمل يعيده لتاريخه المهيب ، فقد اشتقنا لأدوار عالقة في الذاكرة، اشتقنا لـ “الجرو” و “نبيل” و “علي” و “نزار” و “عبود” و “جميل” و “الملك فاروق” و “أسعد الوراق” فما”جبل” أمامهم سوى جدار غير ثابت!

أخيراً .. نحن لا نقلل من قيمة هذه الأعمال فباب الحارة شهد حالة نجاح كبيرة في العالم العربي لكن جمهوره تسرّب شيئاً فشيئاً عندما فقد بنيانه الرئيسي القائم على الحبكة وسرد القصص والشخوص بطريقة لطيفة هادئة، وهذا ما سيحصل في الهيبة إن لم يتم إيقافه بالسرعة القصوى، فنحن نمتلك قدرات وخبرات عربية تسعفنا لكتابة أعمال تجمع ما بين الربح المادي والقيمة والمتعة والحدث الدرامي المشوّق فما الّذي يمنعنا عن تنفيذها؟
.