«خيط حرير» حكاية درامية صادمة.. «الفارق بات كبيراً»

بقلم: أنس فرج

أنت أمام مسلسل مفاجئ من ألفه إلى يائه، ستقدم لك الحكاية الخطوط كاملة وتعيد نسجها أمامك بحذر، فتشعر لوهلة أنك وقعت في المصيدة، وحين تصحى تكتشف أن ما شاهدته أمامك ليس إلا البداية.

هكذا نسج محمد سليمان عبد المالك نص مسلسل “خيط حرير” ليخرجه إلى الشاشة المخرج إبراهيم فخر، وتشمل شبكة الحرير بين خيوطها كل من النجوم مي عز الدين ونيقولا معوض وأحمد خليل وسوسن بدر ومي سليم وأحمد صيام وصفاء الطوخي ومحمد علي رزق وحنان سليمان ومحمود عبد المغني وهنادي مهنا وحازم سمير ويوسف عثمان وطيف واسع من الفنانين.

حظي المسلسل بفرصة عرض تلفزيوني لائقة لا تنالها المسلسلات السورية في الفترة الأخيرة، لم تحتكره منصة دون شاشة، بل جاء عرضه بوقت الذروة على قناة ON وبتدفق خمس حلقات بالأسبوع بالتزامن مع عرضه على منصة “Watch It”.

يروي المسلسل قصة “مِسك” الفتاة التي تبحث عن فرصة عمل في شركة “دويدار” للعقارات، وهناك تلتقي “حازم” ابن صاحب الشركة وتبدأ قصة حب تنتهي بدمار “مِسك” ورحلتها نحو الانتقام بتشويق امتد لـ 35 ساعة تلفزيونية.

وأحاول في هذا المقال مقاربة مجموعة من نقاط القوة في مسلسل لو سنح له اللحاق بالموسم الرمضاني الفائت لنافس على قائمة أفضل العروض المنجزة في 2020.

ومن قال: أن المسلسل الطويل انتهى!

حين يبني الكاتب نصه بامتداد رشيق ويتمكن من تقسيم الأحداث على حبكة متواصلة لسلسلة تلفزيونية مكونة من ثلاثين حلقة، فهو بلا شك سيضمن لمسلسله النضج الكافي لبناء الشخصيات والتأسيس لماضيها بطريقة تشرح الفعل ورد الفعل بشكل انسيابي دون وجود فراغات تحت اسم “التشويق” وبلا مماطلة تضع المسلسل في خانة الملل، هكذا تمكن كاتب “خيط حرير” من السير بزمنين بطريقة ذكية لا تتعب المشاهد بالانتقال أو الفهم مبتعداً عن بدائية الطرح التي يتبعها الكتاب المبتدئين بعرض الحدث والعودة للزمن الماضي لعرض مسبباته.

وهنا بدا التقابل واضحاً في زمنين الفترة بينهما تمتد لعشر سنوات، تغيرت فيها ملامح الأبطال وتبدلت طريقة تعاطيهم مع الواقع وتفاعلهم مع مشاكل الحياة، وكأنّ النص يطرح بين سطوره سؤال “ماذا حدث في السنوات العشر” ليصل الأبطال لهذه الدرجة من الحقد والرغبة في الانتقام.

ومع تتالي الحلقات يظهر الثالوث الأكثر استقطاباً في العمل وهو “حازم، مسك، رجاء هانم” وحولهم تلتف مجموعة من الشخصيات التي استقلت بخطوط منفردة لكنها تقاطعت جميعها في شبكة خيوط “مسك” العائدة لاسترداد حقها من عائلة “دويدار”.

سوسن.. المدرسة

قبل أعوام قالت الفنانة السورية شكران مرتجى أنها تعلّمت الكثير من أداء القديرة سوسن بدر في “غراند أوتيل”، واليوم تقدّم سوسن دوراً يضاف إلى لائحة إبداعاتها في تركيبة درامية استثنائية أضافت عليها بدر ملامح جبروت أذهل الشارع المصري ومنحها مساحة كاملة للعب بذكاء فائق عبر شخصية لا يمكن نسيانها لسنوات.

المرأة المحافظة على مجد “دويدار” لن تقبل أن تساوم على قوانين الإمبراطورية التي بنتها في منزلها والتي لم تخرج منه سوى في مشهدين طيلة العمل، عند زيارة “مسك” لعقد الصفقة وفي حفل إطلاق الشراكة معها، ليكون القصر ملعب سوسن الوارف ومسرح إبداع بحركات الجسد، بالصمت، بالصوت وبالانكسار في النهاية، لتغيب في الحلقة الأخيرة تاركة فراغاً شاسعاً لا يملأه سواها.

وإلى جانبها جوهرة في الفن المصري اسمه أحمد خليل، الذي تمكن على كرسي متحرك أن يظهر التخطيط الحذق لرجل لم تهزمه السنوات بل كان كلامه في الموقع الصحيح وبالتوقيت المناسب.

مي بثوبين منفصلين تماماً

بالحرير الخالص نسجت مي عز الدين شخصية “مسك” بزمنين، فبدت كأنها شخصيتين منفصلتين، فتاة بدأت حياتها لاهثة خلف مشاعرها ترى الحياة من نافذة الطيبة إلى سيدة أعمال تقود دفة مشاريع ضخمة وتقرر مصائر من حولها بكل قوة.

ليعصى على النسيان ندائها للساحر محمود عبد المغني ” يا علي”، ولتثبت أن البطولة ليست ملابس وإكسسوار فحسب، بل تنطلق نحو ملامح وطريقة تعبير جعلت من عز الدين رقم صعب في العمل وحجر أساس يستحق أن تتصدر بطلته البوستر وتشبك خيوط الحكاية لثلاثة أرباعها على الأقل.

لنفسح المجال لنيقولا معوض

منذ بدايته في الدراما المصرية بعملي “ونوس” و “سابع جار” لفت الممثل اللبناني نيقولا معوض الأنظار، فلم يمكن بديلاً بل ذكّر ببدايات صبا مبارك وإياد نصار في مصر، وسار بهدوء عبر ملامحه الهادئة ليقدم شخصية “حازم” الرومانسي بكامل الشاعرية في الزمن الأول، والزوج المهادن النزق في الزمن الثاني، وبينهما ارتسمت صورة “حازم دويدار” كرجل أعمال رضخ للنظام العائلي ليحظى بحياة مريحة فطارده شبح الماضي ولعنة الحب الأول، فعاش على حدود الزمنين كاتماً مشاعره، موارباً على حافة السقوط بحضور آسر حفر الشخصية في الذهن وصدّر نيقولا إلى الصفوف الأولى.

المعلّم “صلاح قنديل”

نحن أمام شخصية قليلة الوجود في الدراما، وهي “المعلّم” ويمكن القول إن شخصية “صلاح قنديل” هي الخط الخلفي للعمل وصانع حبكته، فضمن أداء الفنان حازم سمير الذي توسط الحلقات دروساً للحياة صقلت بمهارة وذكاء في لقطات دمجت بين أسلوب الحياة كتفكير وتنفيذ، فكانت “مسك” الفتاة التي تربت على يدي “صلاح قنديل” وخرجت نحو الحياة مجدداً بقوة كافية للمواجهة والوصول إلى الهدف.

هكذا وقف “صلاح قنديل” أمام صندوق زجاجي يشرح لـ “مسك” في أحد المشاهد كيف تنسج العنكبوت شبكة من خيوط الحرير للإيقاع بفريستها حين تشعر أن اللحظة باتت مناسبة للانقضاض عليه.

إذ لا يمكن إلا التوقف عند الأداء المبهر لحازم سمير في تبني الشخصية وتطوير مفرداتها وتقديمها للشاشة بنضوج على كثير من الممثلين أن يحسدوه عليه، وكأن في لحظة “مسك” هي “عشتار/ أمل عرفة” التي تتلمذ على أيدي “جواد باشا/ خالد تاجا”.

كلّ في مكانه

الصفقات في هذا العمل كثيرة، فـ هنادي مهنا تتقدم بقوة مناورة بذكاء وبحظ وافر أن تجمعها مشاهد رئيسية مع سوسن بدر، وكذاك حال زوجها في العمل محمد علي رزق في دور استثنائي أداه بإخلاص، لن يبخل الجمهور بالتصفيق أيضاً لصفاء طوخي الأخت النقيض لحنان سليمان، والبارعة في تقمص أدوار القوة والدهاء، ليكون رونق العمل بيد محمود عبد المغني بدور منصف لقدراته وانتقال واصطفاف متناهي السلاسة خلف نجوم العمل مباشرة بأقدام ثابتة وجاذبية عالية.

لكن لو

على الرغم من جرعة التشويق العالية التي حملها العمل، لكن البحث عن نهاية كان ربما عائقاً لتقديم خروج سلس من الحكاية، فدرجة عالية من الطوباوية حملتها النهاية كان من الأجدى عدم حسمها بطرف لصالح الآخر، فالمعارك مستمرة والشر لا ينتهي، والكل يتحمل جزء من المسؤولية فيما حدث.

لكن يبقى “خيط حرير” درس قاسٍ لصناع الدراما ممن يتعذرون بعدم القدرة على صياغة عمل مشوق، واللاهثين خلف الاستسهال وتغليب البذخ في الديكور والإنتاج على حساب الحبكة، وللممثلين الذين باتوا يعتبرون الدور فرصة مالية لكسب نقود أكثر وانتشار أوسع فقط.

هو الحرير إذا أخرج للهواء الطلق، غلا ثمنه وارتفع سعره وباتت منافسته رهاناً يدخل فيه الجادون فقط بتقديم ما يوازي مسلسل مثل “خيط حرير”.