2020 تسرق الضحكات الباقية؛ وآخرها شويكار .. البسكوتة الأرستقراطية

بقلم شارل عبد العزيز

لعل النقاش الموسيقي “المصري _ التركي” حول أصل الموسيقى الشرقية والمقامات والآلات كالعود والبزق والرقص الشرقي هو الأكثر احتداماً وبحثاً حول الأصل أولاً والصقل ثانياً، من قدّم أكثر ومن حفظ أكثر، وهذا المزيج التاريخي نشأ عنه مرة أخرى فنانة تركية الأصل مصرية الجنسية، استطاعات أن تجذب انتباه فطين عبد الوهاب، المخرج الكبير، في نادي سبورتينج، والذي وجد فيها نجمة كوميدية خاصة، وموهبة خالصة كقانون تركي وقع بين يديّ عبده صالح مثلاً ودوزنّه مسرحياً، هذه الآلة التركية الصنع والمصرية الدوزان هي شويكار ابراهيم طول صقال.

“سيدتي الجميلة”

ورحلت شويكار، سيدتي الجميلة، أحلى كوميديانة شقية في تاريخ السينما، وأخر رمز من رموز البهجة والجمال والسعادة كما نعاها محمد هنيدي اليوم.
اشتهرت الراحلة بالأدوار الكوميدية بالعديد من المسرحيات الخالدة مثل حواء الساعة 12، وسيدتي الجميلة وغيرهما، وفي السينما أفلام مثل مطاردة غرامية، وأنت اللي قتلت بابايا، والعتبة جزاز ، وأخطر رجل في العالم، وفيفا زالاطا، وشنبو في المصيدة.

وكما تمردت شكويار على الصورة النمطية للفنانة المصرية، تمردت كذلك على نوعية الأدوار الخفيفة التي حاصرتها وقدمت صورة السيدة المصرية الجدعة والدلوعة، والقوية والضعيفة، بكل تقلباتها الحياتية بعدد من الأعمال مثل الشحات، والكرنك، وأرزاق يا دنيا، ودائرة الانتقام، والكثير من الأعمال التليفزيونية الخالدة مثل امرأة من زمن الحب، ولذلك لقب الأستاذ فؤاد المهندس لها “بالبسكوتة” لم يكن عن عبث.

“روميو وجولييت السينما المصرية”

استلقى فؤاد المهندس على خشبة المسرح في أحد مشاهد “أنا وهو وهي” بجوار شويكار، ثم فاجأها أمام الجمهور بطلبه للزواج منها، قائلاً: “تتجوزيني يا بسكويتة”، لم تصدق شويكار نفسها، وقفت وأكملا المسرحية، وبعد سنوات حين تحدث المهندس عن التزامه الدائم بالنص ورفضه للخروج عنه، سأله صحفي عن تفسيره عما فعله في هذا العرض المسرحي بطلب يد شويكار للزواج، فابتسم المهندس وقال: “ده روح النص”.

قدما معاً ثنائية فنية كانت الأبرز في تاريخ السينما المصرية، وثنائية في الحياة أيضاً، كان يعشقها كممثلة تقف إلى جانبه، ويعشقها كزوجة تحضّر له الشركسية بالفراخ، كان لا يستطعم الأكل إلا من تحت يديها.
ونشبت 3 خلافات بين فؤاد وشويكار في أول أسبوع من عام 1971، ردد خلالها فؤاد أكثر من مرة استعداده لطلاقها، واستمر زواجهما حتى عام 1980 حيث وقع الطلاق بينهما خلال عرض المهندس مسرحية «سك على بناتك»، وبقيا أصدقاء حتى رحيله، حاول أن يجد شريكة فنية بعدها ولكن هيهات أن تُكرر “الطانت شوشو” كما كانت تُحب أن تُنادى.

“غرام في أغسطس، ورحيل في أغسطس”

آخر أعمال شويكار في السينما كان “كلمني شكراً” عام 2010، وفي التلفزيون كان “سر علني” عام 2012، وقررت بعدها الابتعاد عن الشاشة ليقتصر وجودها على مداخلات هاتفية، لكي تحافظ على صورتها في ذهن الناس رغم أنها لم تعتزل لأنها تكره هذه الكلمة وكان من الممكن أن تعود في أي وقت، ولكن معاناتها في الشهور الأخيرة كانت بسبب مشاكل في الحوض أثرت على حركتها.
كانت تعيش مثل أي سيدة تتابع التلفزيون وتشاهد أفلام سينمائية، بالإضافة لزيارة أصدقائها والعائلة حتى أخر أيامها، وكما قدمت في منتصف الستينات فيلم غرام في أغسطس، رحلت في منتصف أغسطس ليصبح غراماً ورحيلاً في شهر واحد.

“العتبة جزاز .. والفن نايلو في نايلو”

إن وقوفها على خشبة المسرح في فيلم العتبة جزاز لتغني هذه الأغنية وهي تقول “ولمّا صارحته لقيته .. قال إيه حيشاور عقله وال..” تشعر أن دلع وأنوثة الدنيا كلها محبوسة داخل مشهد سينمائي يبقى قيمة من ذهب في أرشيف مصر.

وفي أخر حديث لها نبهت الناس من فايروس كورونا، وقالت: “مش مصدقة نفسي إزاي الحكومة مدلعانا كده”، فمن الطبيعي لمن عاش أيام العز والدلع أن يستهجن ما آلت إليه أيامنا اليوم، وكما ترسل الدول المتقدمة طائرات خاصة لمواطنيها في الأزمات لحمايتهم، هكذا يفعل الزمن الجميل اليوم، يرسل الموت ربما ليجلب له أبناءه، فمن تربّى على عز السابق لا يقبل ذل اليوم، ومن عاش أيام الفن الحقيقي، لا يقبل بفن اليوم الذي أقل ما يقال عنه “نايلو في نايلو”.