الكورونا.. يفعل في المسرح ما لم تفعله سلطات العالم!

بقلم: كرم صايغ

في كل بلاد العالم المجتمع الثقافي يحرض الشارع على القيام بنهضة فكرية أو ثورية ويساهم بتنشيط الرأي العام على سلطات الدول وسياسات دول على دول، أي وبمعنى آخر الثقافة هي محور تفكير الناس وحتى لو كانت بشكل غير مباشر. فالمسرح وبشكل أساسي هو حلقة من سلسلة الثقافة المجتمعية النابعة من قلب الشارع وإلى الشارع، إذ هو المنبر الأساسي لخطابات عالية الصوت في وجه الحروب كما في وجه الجهل.

أزمات العالم وحروبها لم توقف عجلة الإنتاج المسرحي على الرغم من بطئ دورانها مقارنةً بحركة الإنتاج الضخمة للعمل الدرامي والمتعرجة سينمائياً ولكن واليوم على الرغم من عدم توقف المسرح وصراعه أزمات بلاد العالم بصرخات ممثليه وموسيقا نوتاته يغلق أبوابه والسبب “كورونا”.

الحديث أصبح يميل باتجاه الملل من أخبار هذا الوباء الذي فعل ما لم تفعله رقابة مخابرات العالم، فلو تحدثنا عن زمن الحروب السياسية الضخمة التي عبر المسرح من خلالها منذ الحروب الصليبية حتى وصلنا القرون الوسطى، ومن ثم الثورة الصناعية في أوروبا متجاوزاً الحرب العالمية الأولى والثانية، ليقفز بخطابات مونولوجية ضربت بعرض الحائط سياسات العالم.

لبنان نموذجاً

ناهيك عزيزي القارئ عن كون المسرح في كثير من الفترات كان محركاً لصرخات الشارع وهذا لم يغفل عن المسرح العربي بشكل خاص. ففي حربا لبنان الأهلية الأولى والثانية ظهرت مسرحيات زياد الرحباني في حقبة زمنية تكاد فيه أسماء “جورج، محمد، اندريه، عمر، علي، ميخائيل .. إلخ ”  كالشتائم وتقطع رؤوس من يستخدمها للسخرية، فكان زياد كالرأس تحت المقصلة يرشق الطائفية ويلعن الحكام ويشتم رجال الدين وكأنه محرك الثورات ليجتاح المجتمع الثقافي اللبناني الفكر الماركسي الشيوعي بشكلٍ خاص كون زياد منتمي للحزب الشيوعي.

وعلى الرغم من أنه أجتهد لعكس الصورة الإنسانية من خلال الكلمات البسيطة الشعبية، استطاع أن يُظهر حالة المواطن اللبناني موجوعاً من حالة الحرب الدامية فاليوم الحروب لم تغلق أبواب المسرح بل لعنة ” الكورونا .”

مصر ليست استثناءاً

الأزمات لم توقف المسرح المصري أيضاً والمعروف بالحس الفكاهي الساخر كما أنه خليط بين الفكر السوري كونه استمد منهجه الأكاديمي من سوريا والفكر الشعبي السائد في حواري القاهرة.

وهذا ما عكسه القدير عادل إمام بطريقة تظهر صرخة المواطن البسيط حينما تجبره السلطة على أن يكون شبيهاً لزعيم دولة فنراه يظهر حالة الاختلاف ما بين الفقير والسلطة حتى ولو تشابهت ملامح الوجه في مسرحية ” الزعيم “.

ولكن ” لعنة كورونا ” اليوم أجلت المهرجانات المسرحية الهامة في مصر مثل مهرجان شرم الشيخ المسرحي في دورته الخامسة ومسرح ” إيزيس ” للمرأة وحتى أن المهرجانات العريقة في مصر مثل المهرجان القومي للمسرح المصري ومهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي.

والمخيف في هذا الوباء أنه لا يملك في داخلنا ذاكرة تشابهه لنتذكر مثلاً أن مسارح مصر قد أغلقت يوماً وحتى مسارح العالم .

سوريا المغلقة

كذلك الأمر في سوريا المؤسِسة للمسرح العربي من خلال أبو خليل القباني إذ أنها أول دولة عربية صدرت أعمال ومناهج أكاديمية تُدرس إلى اليوم في معظم مدارس التمثيل العربية، فمنذ انطلاقة المسرح فيها وهي منتج دائم للمسرحيات بنسب متفاوتة.

إلى أن وصل المسرح فيها لمراحل متصدراً عرش الأدب الثقافي والمسرحي عربياً ليصبح أقرب إلى الشعب في عصر الماغوط ويسطر كلمات حفرتها الذاكرة السورية في تفاصيل يوميات المواطن السوري، ويستخدمها فيما بعد وإلى اليوم كشعارات وحكم إن كان عبر السوشل ميديا أو حتى من خلال الأحاديث اليومية .

تراجع بعدها دور المسرح السوري لأسباب مرتبطة بهجرة الممثلين إلى الدراما كونها مصدر أكبر للرزق على عكس المسرح الغير مدعوم مادياً واقتصرت مشاركات الممثلين المحبين للمسرح سعياً للمحافظة على هوية المسرح السوري.

ورغم الجهود ومحاربة عين الرقابة في الكثير من الأعمال إلا أن المسارح  لم تغلق أبوابها يوماً وبقيت مشرعة أمام الجمهور وبشكل مجاني أو شبه مجاني إلا أن “الكورونا ” لوثت مقابض الأبواب لتغلق مثلها مثل كل مسارح العالم.

لعلنا نسأل كثيراً ما الغاية اليوم من أن نقرأ مئات الكلمات عن أن فايروس لا يرى بالعين المجردة قد أغلق مسارح العالم في حين الكثير يموتون ضحايا لهذا الفايروس؟

والإجابة بأن مساحة رسمت ابتسامة وعكست أوجاع الناس، صرخت بضمير في حين غفت ضمائر العالم تغلق أبوابها كما أن هذه المساحة كانت يوماً محارباً انتصرت من خلاله ثورات لتصبح بلادنا كما هي الآن ولو كانت شبه صاحية ولكن غيابها كان سيحتم علينا أن نعيش في صحراء من الجهل “وربنا يستر”.