كيف دارى “حمزة نمرة” قلوبنا بأغنية؟!

يختار الموج وجهة لانطلاق نغمه، حمزة نمرة المطرب المصري الواعد يخجل أمام جراح أوطاننا، يرتبك في مقابلته الأخيرة مع يسري فودة، يعزف بريشة عوده موسيقا على ضفاف الجرح وينبئ الجمهور هذه كلمات أغنيتي القادمة “داري” التي ألفها محمود فاروق. هكذا تروي الكلمات حالاً لشباب عربي حلم بالتغيير فانقلب الإعصار عليه فإما غاب مجبراً خلف شطآن بعيدة أو غيّب في ظلام نفسي أكثر أثراً من ظلام المكان.

يقول حمزة متسائلاً بأسلوب لا يخلو من سخرية موجعة عن أسباب التغيير في تعامل الشاب العربي مع محيطه، وكأنه يدفعه كل مستمع لسؤال نفسه. هكذا تخف حدة المواجهة بمواربة التساؤل فالمغني والسامع كلاهما يعرفان الحقيقة لكن أن تصل بسلاسة النغم ليس بالأمر المعتاد.

يتابع حمزة ليدمج ذاته بذات المستمع دون أن يتحدث بصيغة المتكلم. المخاطب هنا جزء من حوارية مفترضة بين السامع وروحه، يسافر به إلى الذكريات، يطؤها بإيقاع لطيف لا يزيد الجرح عمقاً بقدر ما يحدث صدمة عند كل جملة في نسق تتالي الجمل المغناة.

يتصاعد صوت حمزة تدريجياً دون إزعاج، ويتقدم بجرأة نحو العمق أكثر، وعندما يقترب من نهاية المقطع الأول يعيد غناء الكوبليه الأبرز بكلمات ك ” قلبي” و “حزننا”. وهذا ما يحول الانتباه نحو حوارية مختلفة قد تنشأ بين الإنسان وقلبه أو بين حبيبين أو صديقين.. فمن المستهدف؟!

لا يدع حمزة مجالاً للتنفس عبر اللحن المنفرد.. فيباغت المستمع بمقطع جديد فور انتهاء الأول. وبلغة أكثر مواجهة لينتقل من الحديث عن الفرد وذاته إلى علاقة البعد عن الأصحاب والأهل و”الوطن”. وبذلك يدمج غربة الجسد بغربة الروح ليصعّد من الجلد المتناهي الرقة لأفكار من يسمع.

نظرة الحنين التي يراها حمزة في العيون تدفعه للسؤال عن جدوى الحنين وتحديد ماهيته. فالسنين عابرة والناس مارة في طريق الرحلة.. فهل الألم مرادف للحنين في كلام الأغنية؟! سرعان ما يأتي الجواب بشكل مباغت حيث يدمج حمزة نفسه مع المستمع وبصيغة اندماجه في الحكاية يبدو وكأنه يروي جزءاً من تجربته الشخصية. السنوات مرت سريعاً والشباب العربي عاش على أطلال أحلام التغيير، فانصهرت أيامه في دوامة الشعارات واكتشف متأخراً ان العمر انسرق على البطيء!!

عقب الجرعة العالية يفسح حمزة المجال للمستمع أن يتنفس عبر الموسيقى بمستوى ثابت دون تصاعد أو هبوط وكأنه يمنح فرصة لمراجعة ما مر بشكل سريع. فما زالت الأذن في مدار الأغنية وصوت المغني سيعود بعد لحظات كي يعيد التذكير برسالة الأغنية وهي ترفع القلب عن الحزن وعن التأثر المبالغ به، عن نوستالجيا الحنين. فالحزن مكشوف مهما دارى الإنسان وحاول دفنه خلف ستار الابتسامة. ليأتي الختام منسجماً مع صوت الموج بحكمة عامة مفادها أن كل شيء تعلقنا به سنشهد على فراقه يوماً ما.

حكاوي حمزة في أغنية “داري” تعدت حدود الأربعة دقائق، هي رحلة فوق أمواج الخيال تفتح أبواباً مقفلة في القلب ثم تخرج منها بانسياب تاركة الباب نصف مفتوح كي لا نهرب من ذكرياتنا دون العيش في أسرها.


شاهد داري ياقلبي