العقاد .. شمس لا تغيب

في ليلتنا الظلماء وأزماتنا المستمرة نفتقد اسماً سورياً لامعاً ، مصطفى العقاد المخرج العالمي السوري مَنْ صاحبه الإصرار لتحقيق أحلامهُ حتى لحظاته الأخيرة. فالشاب الذي عمل لعام كامل حتى استطاع جمع ثمن تذكرة السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية كي يحقق حلمه في دراسة الإخراج، وصل لمراده بعد سنوات وحقق الانتشار العالمي. هو السوري الذي نشر أفكاره وترجم انتماءه لصور سينمائية خالدة في وجدان العرب والمسلمين.
فلم تكن الجنسية الامريكية التي حصل عليها العقاد لتبعده عن هويته، ولربما كانت دافعه الأكبر لإعادة تصدير صورة حقيقية غير مشوهة عن أبناء جلدته كي يراها العالم أجمع. فعمد العقاد إلى نشر صورة الصحراء العربية بأسلوب يعاكس كل نمطية يحملها الغرب عنها. وذلك عبر فيلميه الأشهرَين عربياً “الرسالة” بنسختيه الانكليزية والعربية و”عمر المختار” ليكون عبرهما صورة سينمائية تعكس حقيقة العرب والاسلام كما رآها وعايشها في بيئته.
حفرَ العقاد بصورتِه السينمائية في الوجدان أعمالاً أصبحت من كلاسيكيات السينما المعاصرة ومازالت تحظى بنسب مشاهدات عالية عند عرضها على الشاشات العربية.
على الرغم من تعاقد العقاد مع النجم العالمي شين كونري، لكنه لم يحظَ بالحصول على تمويل لإنتاج فيلم سينمائي يجسد سيرة صلاح الدين الأيوبي، وهو المشروع الذي بقي مُصِرّاً على إنجازه وعمل جاهداً لذلك خلال عقده الأخير لم يبصر النور للأسف.

 

 

حتى أنّ العقاد طرق بتجربته أبواباً غريبة فخلال عيد القديسين قدّم جرعة سينمائية مرعبة في سلسلة أفلام “الهالوين” والتي ساهم بإنتاجها وإخراجها. وباسم الدين أيضاً وفي يوم مبهج للعقاد قبيل عودته مكرّماً إلى أرضه اغتيل السينمائي الإنسان الذي حمل رسالة المختار في قلبه، وترجمها لصورة مازالت تعرض على شاشاتنا وتسكن وجداننا. ولأن الأفكار لا تموت باغتيال أصحابها وإنما تنتقم لهم كيفما سرت، نفتقد العقاد ونجده معنا فكراً حراً ورسالة تحارب بالصوت والصورة أمام طغيان السلاح.