شوق: حالة مؤجلة من الاقتناع

 

 

تسير كاميرا المخرجة رشا شربتجي في مسلسل شوق داخل دمشق، لتعيد التقاط المدينة كما عهدناها في أعمالها السابقة أو كما كنا نظن. يتحرك نظر المشاهد بين مكانين أحدهما قادر على استنباط ذكرياته معه عبر مزج أصوات القذائف والطيران بصور شوارع دمشق القديمة وساحة المرجة حتى ولو كان ذلك المزج مرهقاً ومستنزفاً للسمع في كثير من المشاهد. والثاني في معتقل حيث يخيل لمن يتابع أنه في مكان ما تحت سيطرة فصيل مسلح وينقلب فيه العالم الوردي إلى جحيم أسود يخطف حياة نساء معتقلات.

عالمان مختلفان حد النقيض وذلك ليس عصي تقبله، فلطالما تجاور الموت جنب الحياة في دمشق. لكن المختلف هو ذلك الانشقاق الصارخ بين مفاهيم الحياة في العالم الأول حيث أقصى ما يعني البطلة تخطي قصة حبيبها أو تذكر أمور تنساها، وبين العالم الثاني حيث تغامر النساء بحياتهن للهرب عبر حفر خندق في التراب.

وإذ نجد بعض الخطوط المتقاطعة بين المسلسلين حتى لا يشعر المشاهد أنه يتابع حكايتين منفصلتين في عمل واحد، تطالعنا مشاهد في بيروت ترتبط بالممثل جوان خضر حبيب البطلة. هنا يبدأ اسم العمل العريض باللهاث جرياً وراء إيجاد تراكب منطقي لخط القصة العام لا سيما في الحلقات العشر الأولى. لكن نص حازم سليمان يجري أبعد من ذلك ليقحم التنظير في المحتوى الدرامي عبر جمل طويلة المدة تعيد تعريف المفاهيم الأولى للنزاع السوري. وحيث يتوجب على الدراما مخاطبة مشاعر المشاهد لتحريك دوافعه وبناء تصور تراكمي داخل مخيلته، نجد الدفة تسير معاكسة في شوق عبر تصنيف يلقي ظلاله على شخصيات العمل من الوهلة الأولى “ناشطة معارضة معروفة، مواطنة موالية بسيطة، امرأة مسيحية،..”  ها هو التعريف الأول الذي يسقطه السيناريو على الشخصيات ويبدأ من بعدها بشكل مكرر في الحلقات التباين بين الآراء ومحاولة ثقيلة الظل لتعايشها تحت سقف المعتقل المنخفض الارتفاع.

على الطرف المقابل تقابلنا شوق الشخصية الرئيسية، فقد سمي العمل على اسمها وسوّق وبنيت ملامح الشخصية  بشكل تنظيري طغى على بناءها الدرامي والذي من المفترض أن يكون الأقوى. وكأن الكاتب وهو يقتبس الخط العام لشخصية شوق من فيلم Still Alice والذي نالت عليه بطلته جوليان مور جائزة أفضل ممثلة في الأوسكار، ظن السيناريست أن شخصية شوق ستفجر بركاناً من الأحاسيس يتفوق ربما على وردة في غداً نلتقي ويختصر ملامح سورية الموجعة بهذه الفتاة الرقيقة المصابة بضعف الذاكرة، لكن النتيجة جاءت معاكسة بأداء الفنانة نسرين طافش التي كررت مطب مسلسل “في ظروف غامضة” قبل عامين بالمبالغة بالشكل والمظهر فجاء الأداء فاتراً إذا ما قيس بأداء سوزان نجم الدين وإمارات رزق في العمل.

وبما أن المسلسل سبق عرضه بشكل مشفر وانتهت حلقته الأخيرة حينها دون معرفة مصير الشخصيات، ما اضطر القائمين عليه لتبرير ذلك بضغط التصوير وعقد القناة التي اشترت العمل. وبعدها رسمت وعود بترميم حلقات المسلسل إلى أربعين بدل اثنتين وثلاثين.

شوق العابر بالزمن خمسة أعوام إلى الخلف لم يوفق حتى الآن في كونه مسلسل مفترض ذي صبغة واقعية، فتناولت بعض المواقع الصحفية عقب العرض الأول للمسلسل ملامح تقاطع بين شخصية روز وقصة اختطاف الناشطة رزان زيتونة، علاوة على محاولة لتبرير النشاط المدني والحراك السلمي الذي اصطاده التطرف كما يبرز العمل. وبهذا يشكل شوق قصة درامية يؤرقها نقل الواقع فتقنع حيناً وتتعثر أحياناً تاركة  للمشاهد بين مشهد وآخر مساحة للتفكير: نعم أنا مشتاق لدمشق، لزمن السلام، لأعمال رشا الواقعية، لشخوص درامية مستفزة.. فهل سأخرج بهذا العمل بشوقٍ يتخطى عمقه أكثر من مجرد عنوان؟!

 

 

بوستر العمل من #ETsyria