كفى تجميلاً.. القشة مكسورة

 

حين تعلم أن السوق الدرامي المصري يقوم على عدة منتجين أحدهم ينتج أكثر من عشرة مسلسلات هذا الموسم، ستدرك أن حال درامانا ليست بخير..

حين تستطيع متابعة مسلسل درامي لبناني جديد كل شهرين خارج الموسم الرمضاني، بينما تنتظر عاماً أو عامين لمتابعة مسلسل سوري تنتظره، ستقتنع أننا لسنا بخير..

وحين يهرب مخرج من عمله قبل أيام لأنه استنزف في روح مهنته، ويطلب من كاتب إقحام خط مصري في مسلسل سوري ويفاخر منتج سوري أنه سيدخل السوق المصرية بأعمال لنجوم مصريين.. ثق أننا لسنا بخير وقد لا نكون.

قبل أسبوع وصفت المنتج السوري بأنه المسوق لعمله في ربع الساعة الأخيرة، لتأتي المفاجأة للوسط الفني كما الجمهور بخروج خمسة أعمال لحد الآن وربما أكثر من سياق العرض. وإن تعددت الأسباب فلم يتبلور لليوم في ذهن صناع الدراما مفهوم كيف نستطيع دخول سوق رمضان قبل كيف نصنع مسلسل لرمضان!!

سنرهق صفحاتنا بالتباكي وقذف من شوهوا الصناعة الوطنية التي ربما قد تكون الوحيدة المنافسة عربياً لليوم بعد ست سنوات من الصراع، نطلق الهاشتاغات التضامنية مع الدراما ونحفظ ماء الوجه من عرض الإنتاجات عرضاً غير لائق كما وصفه البعض. فأين نحن من الموسم الرمضاني قبل أربعة أيام؟!

لنستعرض عدة أمثلة قد توضح صورة مختلفة عما نحن عليه اليوم:

قلم حمرة والنجاح المعنوي

امتلأ الوسط الفني قبل موسمين بالحديث عن إفلاس المنتج هلال أرناؤوط بعد تجربة مسلسل قلم حمرة. المسلسل الذي شكل علامة فارقة باجتماع الكاتبة يم مشهدي بالمخرج حاتم علي عرض في موسم 2014 على قناة السومرية العراقية في فترة العصر. كانت أزمة الكهرباء في أوجها، والنسبة العظمى من المتابعين لا تعرف من هي السومرية. ومع ذلك وافقت الشركة على مضض بعرض المسلسل على اليوتيوب مسروقاً من السومرية في خطوة تعويضية نظراً لغياب المنصة المرئية التي تحفظ حقوق العمل من السرقة. وبرغم ما حل بالعمل من استنزاف للصورة والصوت استطاع شغل الجمهور السوري والنقاد. موسمان غاب المنتج بعدها وعاد هذا الموسم بعمل أوركيديا الذي جمع به عشرة نجوم سوريين من الصف الأول في دراسة أوضح لخيارات السوق وبالاتكاء على الهوية السورية في النص والإنتاج والإخراج.

 

 محمد مشيش: منتج شاب يصنع الفرق

حين تمتلك الموهبة تستطيع صناعة الظروف، بذلك استطاع المنتج الشاب محمد مشيش بالتعاون مع المنتجة صفاء أبورزق الانطلاق في شركة beelink والتي دخلت السوق المصرية كمنتج منفذ لأعمال مدبلجة كان أشهرها المسلسل الكرواتي “لارا”. قبل أن تصل إلى الإنتاج التلفزيوني وتقدم أعمال استطاعت خلال عامين إثارة الجدل. فبعد “طريقي” و”جراند أوتيل” تقدم الشركة هذا الموسم ثلاثة أعمال دفعة واحدة تحمل وصفة النجاح قبل العرض وهي “لا تطفئ الشمس” “حلاوة الدنيا” و”هذا المساء”. إثبات مشيش لنفسه والقدرة على التوزيع مع المنتج اللبناني جمال سنان يقدم ملامح جيل جديد من المنتجين لا ينتقل من البزنس للدراما ولا يعتمد على أموال الحكومات لتقديم أعمال معروفة التوجه مسبقاً.

 

 غداً نلتقي مفاجأة العمل المتواضع

 

في موسم 2015 وبينما كان مسلسل يصور في لوكيشن واحد هو مدرسة للنازحين السوريين في لبنان، كانت الشركة المنتجة نفسها تستأجر قصراً في منطقة جبلية لبنانية وسيارات فارهة وتبذخ في الدفع لإنتاج مسلسل مقتبس من فيلم العراب. وحين بدأ الموسم انتقلت كل الأنظار لغداً نلتقي المسلسل البسيط التكلفة ذي الكوادر الضيقة المعتمة فكتبت الصحافة العربية عن المسلسل ونجمته كاريس بشار ما يوازي رصيد ما كتبته عن الدراما السورية في عقد كامل.

 تخت شرقي عزف على لحن الواقع

حين قدمت الكاتبة يم مشهدي مسلسل تخت شرقي لم تكن المخرجة رشا شربتجي قد ذاقت حلاوة الدراما المشتركة بعد، ولم يكن إياد نجار المنتج قد عرف طعم السوق الخليجي. في ذلك العمل القريب من قلب السوريين رغم مرور ستة مواسم على إنتاجه ملمح واقعي للدراما استبقت فيه مشهدي الدراما المصرية التي عاودت الانطلاق في موسم 2012 بأعمال الطبقة المهمشة من الشعب بطرح مواضيع قريبة من المواطن العادي وطرحها بأسلوب درامي جديد اعتمد على أساليب الإخراج الجديدة وطورها. أما سورياً فحفر تخت شرقي في ذهن المشاهد السوري نوطة موسيقية درامية استعصى على أي مسلسل جاء بعد ذلك أن يفك نوطة يم مشهدي شديدة التعقيد.

 

 ثلاثية حمادة-حجو الإبداع بلا بذخ

على مدى ثلاثة تجارب استطاع الكاتب ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو تقديم شكل جديد للدراما الكوميديا السوداء التي تضحك المشاهد دون جرحه، وتلامس قضاياه الشائكة بأبسط المباضع. هكذا نجحت ثلاثية “ضيعة ضايعة- الخربة – ضبو الشناتي” في بناء خصوصية لثنائية الكاتب والمخرج فكان التفوق الأول والأخير للعمل بنجومه وليس للنجوم دون العمل بتكلفة لا تعد بالكبيرة إنتاجياً.

 

ما سبق ذكره هي ملامح سورية في أعمال سورية وعربية حركت حجراً في المياه الراكدة وأثبتت في مكان ما تفوق السوري كاتباً أو منتجاً أو مخرجاً فضلاً عن التميز الأكبر للممثل. ولأن الدراما السورية قامت على طاقات بشرية وليست مادية، تستطيع استعادة ألقها رغم المشهد الكارثي في سورية والمنعكس بطبيعة الحال على الإنسان السوري والفن السوري.