عبد المنعم عمايري.. الجوكر خارج ملعبه أحياناً

بقلم: شارل عبد العزيز

لا يمكن في أي حالٍ من الأحوال حين نتحدث عن عبد المنعم عمايري أن نناقش موهبته أو قدرته على تجسيد شخصية أو صناعة “كاركتر” يليق بالورق الذي بين يديه، لأنه أستاذ مضاعف، أولاً لأنه مدرّس في المعهد العالي للفنون المسرحية أخذ بيد العديد من الطلبة في بداية مسيرتهم حتى أصبحوا نجوماً لاحقاً كقصي خولي، باسل خياط، سلافة معمار، قيس الشيخ نجيب وغيرهم، وثانياً لأنه استطاع بمسيرته التي فاقت العشرين عاماً إثبات نجومية عربية استطاع فيها أداء مختلف أنواع الشخصيات كسر فيها النمطية التي كانت كشبح يؤرق كل فنان، ورفض أن يوضع في قالبٍ واحد.

فإن “رامز عبد المجيد” الدكتور الانتهازي الذي استغل طيبة “عشتار” (أمل عرفة/ناجي طعمي)، يختلف عن انتهازية “أبو الميز” الذي غدر بصديقه في مسلسل “كسر الخواطر” (محمد عمر أوسو/نذير عواد)، و”أبو حاتم” الذي لم تعطه الحياة من الحنية والرزق الشيء الكثير في مسلسل “بكرا أحلى” (محمد عمر أوسو/محمد الشيخ نجيب)، يختلف ببؤسه عن “سرور” الشاب الفلسطيني الذي خسر حياته لأنه وقف في وجه الاحتلال في مسلسل “حاجز الصمت” (هاني السعدي/يوسف رزق)، بالإضافة لعدة أدوار كوميدية واجتماعية وتاريخية وسواها من التجارب التي أثبتت أن عمايري يستحق لقب “الجوكر” الذي بات يُمنح اليوم لأي أحد.

لكن حتى الجوكر في ورق اللعب والذي يعتبر ورقة رابحة في يد اللاعب، تتوقف قيمته على ذكاءه في اختيار المكان المناسب له، فإما أن يسد فراغاً ليكون في موقعه الصحيح، وإما أن يضيف فرص وصول اللاعب للمركز الأول، ولكن حين تكون الخيارات في غير مكانها، ويقرر اللاعب وضع الجوكر موقع رقم ثلاثة كوبة مثلاً في لعبة تحتاج إلى النقاط العالية، يعني أن الجوكر لا يفيد في هذه الحالة، وهذا ما يحصل غالباً مع عبد المنعم عمايري!

الرهان على الكل

كاللاعب المحترف الذي يراهن على كل ما في يده حتى ولو كانت أوراقه غير قوية فيخسر جراء تهوره، هكذا يفعل عمايري، لأن الموهبة -حين تكون الاختيارات خاطئة- قد لا تنفع، ولم يستطع الأخير رسم استراتيجية واضحة لمسيرته الفنية ليكون في موقعه الصحيح، بل كان في الغالب عشوائياً، يتعثر كثيراً أكثر مما يفلح، وتحديداً في الأعمال الكوميدية التي نجح في أن يكون من ضمن الأسماء الناجحة فيها لاسيما مشاركاته في سلسلة “بقعة ضوء” مثلاً، ولكن إخفاقاته كانت أكثر في “صايعين ضايعين، سليمو وحريمو، إذاعة فيتامين، صبايا..” وغيرها من الأعمال غير الكوميدية مثل دومينو، الرابوص، وأعمال البيئة الشامية حتى، وخاب ظن الجمهور هنا ليس بتلك الأعمال لأن النجاح والفشل معيار خاص بالعمل نفسه.

لكن بخيارات عمايري التي من المفترض أن تكون مدروسة أكثر، والتي لم تكرّسه طيلة هذه السنوات كي يكون خياراً أولاً عند المخرجين وشركات الإنتاج، أو ربما فشل في أن يكون “شبّاك تذاكر” بمعنى النجومية كأبناء جيله مثل عابد فهد وباسم ياخور وسواهم، وقد يكون عمايري اعترف مراتٍ عدة بهذه النقطة، فالخلاف الذي حصل بينه وبين أيمن رضا على خلفية تصريحات الأخير حول عدم اهتمامه بصحته دعاه للتأكيد على أن تاريخه رُقِّط بنقطة سوداء عندما صاع وضاع، في إشارةٍ منه أن العمل كان نقطة سوداء بتاريخه.

في الواقع النقاط السوداء أكثر بكثير “وما بتنعد” كأغنية مسلسل “الهيبة” الذي شارك فيه مؤخراً، وربما الظروف الشخصية والعائلية قد أثّرت سلبياً عليه لأنها تبعد الفنان عن التركيز بمهنته التي تحتاج للتفرّغ الكامل أو شبه الكامل، بالإضافة لكثرة الشائعات حول اسمه كزواجه من “دانا الحلبي” أو سلوكيات مختلفة تخص عمايري وحده، رغم أنه ساهم بتغذيتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يجيد استخدامها كمعظم زملاءه، وبالتالي سلّم عمايري جوكره الفني وأذعن للاعبين غير محترفين في الدراما وأخفق في رهانه غير مرة.

إلى الواجهة مجدداً

غاب عمايري عند تقديم الشخصيات الناجحة في السنوات الأخيرة لأن مشاركاته اقتصرت في الغالب على أعمال محلية لم تضف إلى مسيرته، لكنه استطاع عبر برنامج “شكلك مش غريب” الذي عرضته شاشة MBC تحقيق صدىً عربي كبير بتقليده عدة شخصيات فنية وفوزه في نهاية المطاف، حتى أتت الفرصة غير المتوقعة في المسلسل القصير “قيد مجهول” (محمد أبو لبن ولواء يازجي/السدير مسعود) بتقديمه شخصية “سمير عبد الرحيم” التي وضع فيها طاقاته الكبيرة في مكانها الصحيح.

ورغم أن العمل سبق الموسم الرمضاني الماضي بأيامٍ قليلة ولم يُعرض على قنوات فضائية، إلا أنه أعاده إلى الواجهة من جديد، وعززت شخصية “أبو كرمو” التي لعبها في مسلسل “على صفيح ساخن” (علي وجيه ويامن الحجلي/سيف السبيعي) من وجوده الدرامي لاسيما أن العمل رمضاني أتى بعد قيد مجهول مباشرةً لكن بشخصية مختلفة كلياً أثبتت أنه إذا ما كانت الفرصة مناسبة يمكنه بأبسط أدواته صناعة شخصية قد تبقى في أذهاننا لسنوات، وهذا ما يوضح أن أعمال المنصات والتلفزيون السورية لم ينتهِ عصرها بعد.

إلا أن شخصية “هشام” في مسلسل “داون تاون” (كلود أبو حيدر ومحمود إدريس/زهير قنوع) فشلت كالعمل كله في صناعة إضافة جديدة لعمايري كالعملين السابقين، حتى أتى خبر مشاركته في الجزء الأخير من سلسلة “الهيبة” الذي استقبلناه بتوجسٍ شديد.

وديع الحقيقي ووديع المزيف

لم يكن “وديع” هو الاسم الأول لشخصية في مسيرة عمايري بل سبقه “وديع” في مسلسل “ذكريات الزمن القادم” (ريم حنا/هيثم حقي) الذي عكس في بساطتها التحولات الجذرية التي قارنت بين أحلام الشباب وسلوكياتهم وبين النظام العالمي الجديد وقتذاك الذي فرضه تفجير الحادي عشر من أيلول وسقوط بغداد، لتكون المصالح الشخصية لغة العصر والتي خطفت من وديع حبيبته وجعلت أحلامه الوردية تتحول إلى كوابيس يراها حتى في ساعات الراحة.

هذا الوديع الحقيقي الذي مثّل شريحةً واسعة من الشباب العربي يختلف عن وديع في الجزء الأخير من “الهيبة جبل” (مجموعة كتّاب/سامر برقاوي) فكان المهندس الذي يُعيّن للعمل في سد مياه يقام في الهيبة، ويأتي من دمشق باتجاه لبنان بجواز سفر مزوّر ليسهّل مرور مقاتلي “داعش” لتهريب آثار تدمر عن طريق سد المياه إلى أوروبا، فهذه الشخصية الانتهازية التي لا تضيف لعمايري كان لابد لها في منطق البطل الأوحد في الهيبة أن تسقط أمام جبل “تيم حسن” لتضيع القصة بين الواقع والخيال، بين الأكشن والدراما، بين معالجة قضية قد لا تناسب العام الحالي ولكنها في نفس الوقت تحدث في زمن الكورونا.

قد لا تهمنا التفاصيل الدرامية للهيبة، هذا إن وجدت، لكن العبرة بالخواتيم، وهذا العمل العربي الضخم، الذي يُعرض على شاشة عربية ومنصة مهمة، لم يضف له كما أضاف قيد مجهول مثلاً، حتى لو اعتبر البعض أن أداءه كان جيداً، فهذا تحصيل حاصل لأن أدواته جيدة وليس لأن النص والإخراج مهمَّين، وليس على المستوى المهني فقط، بل حتى على المستوى الجماهيري، هتف المشاهدون لبطل العمل ونسوا أنه إذا كان تيم حسن هو جبل التمثيل، فعمايري هو القمة.

قد يعتبر الجيل الجديد من “الفانزات” أن وديع في الهيبة هو الدراما الحقيقية معتبرين أن وديع ذكريات الزمن القادم ما هو إلا وديعاً لذكرياتِ زمنٍ مضى لم يعد يلبي متطلبات الشاشة الحالية من العربدة بالأسلحة والنساء والأفكار، ولكن ذاك الزمن أخذ بطريقه الدراما الحقيقية التي كنا نشاهد أنفسنا من خلال شخصياتها، وترك نجومنا بلا هوية حقيقية تتفوق حاجاتهم المادية على أي رسالة فنية، ودراما بلا هيبة تتلخص في الزمن الحالي بفتاةٍ شقراء ومشطين من الرصاص.