السنونو.. طائر بلا حكاية

بقلم: سالي حجازي

بعد حملة إعلانية ضخمة وتكتم أثناء التصوير، ومنشورات على فيسبوك طويلة من بعض المشاركين في العمل والمحللة للسنونو وفكرته كان الأمل، ومع البرومو الأول ومن ثم البرومو الثاني للعمل بدأت الخيبة تخيم على الجمهور، فلا هوية تدل على تشويق وإثارة فيما سيُعرَض، ولا كوميديا مضحكة في نكات نحفظها غيباً يرددها فناننا المفضل، لكن كان لابد من الانتظار فما اعتدنا عليه من الفنان ياسر العظمة كان يدور دوماً حول عمق الفكرة وجرأتها أحياناً، وصدق انعكاس صورتنا في مراياه أحياناً أخرى.

وتعددت الخيبات:

مع المشهد الأول ظهر «عوني الناكش» الذي نعرفه جيداً فهو الرجل الذي شاهدناه يعرف كل شيء في «مرايا 97»، عندما كانت وسيلتنا للمعرفة برامجَ تلفزيونية، وكتباً ومجلات وربما مقالات وأخبار جرائدنا المحلية، أما في عام 2021 وبعد أن كُتب علينا الشتات والهجرة كطائر السنونو الذي اختاره الفنان ياسر العظمة عنواناً لمسلسله، لم يعد تحدث اللغة الانكليزية أمراً مبهراً والتي نسي القائمون على العمل صعوبتها لقسم لايستهان به من جمهور بطل العمل فلم يعملوا على إضافة الترجمة أسفل الشاشة كما المعتاد عند تحدث لغة غريبة في أي عمل فني، كما لم تعد أصناف الطعام الغربي شيئاً غير مألوف في زمن بات كل شيء فيه يمكن سؤال اليوتيوب عنه (بصرف النظر عن صدق الإجابة).

لم يبهرنا عوني الناكش في مقدمته عن حياته، وربما لو أن هذه الحياة قُدمت درامياً كقصة رجل عصاميّ لوجدنا حبكة أفضل من التي قُدِّمَت في السنونو!.

قصة أم قصص متداخلة؟!

في الواقع لم يكن هناك قصة ذات حبكة وذروة بحسب المعتاد في الدراما، كما لم نرَ مجموعة قصص يربطها مصيرٌ ما على ظهر السفينة، وإنما كانت الحكاية أشبه بتصفح قصص إنستغرام، فلكلٍّ حكايته و(خوفه).

تفاصيل صغيرة بسيطة جداً بُنيت عليه شخصية كاملة، لتظهر بسذاجة واضحة، فهي إما مصابة برهاب الماء، أو تبحث عن صفقة جديدة، وأخرى لا دور لها سوى التعقيم أو الطبخ.

لم تتداخل القصص وإنما جمعتها السفينة فقط، لكن ما تداخل فعلاً هي حوارات وأفكار حفظناها لكثرة ما كررنا مشاهدتها في لوحات «مرايا» القديمة والتي أعيدت صياغتها في عدد من المشاهد، فباتت القصص المحكية أشبه بلوحات منفصلة لا يجمعها شيء سوى أنها اندرجت تحت اسم مسلسل واحد هو «السنونو»، ففي الوقت الذي كان فيه الجمهور ينتظر العظمة في أن يخرج من عباءة «مرايا»، إلا أنه أعادهم لتلك السلسلة بتكرارا الحوارات والجُمَل وحتى بعض القصص والأغنيات، فبتنا كأننا نشاهد المرايا بحُلة أخرى لا تشبه العمل الأصلي الهادف البسيط، بشخصيات من مجتمع بعيد عن الشارع ولا يشبه الواقع الحالي حتى.

فبقي السنونو تائهاً لا يعرف أين عشه أو كيف يطير، ومن الواضح أن الارتجال في كثير من المشاهد كان سيد العمل، أي أن الحوارات لم تكن مكتوبة مسبقاً، بل كُتبت أثناء التصوير أو سُلِقَت على عجل، أما الغرافيك فله حكاية أخرى، فقد كان هشاً بشكل واضح وكرتونياً، فلا البحر بحراً ولا القارب الذي ركبه عابد فهد مغادراً السفينة هو قارباً، ولا مشهد السفينة البعيد من فوق التي تمخر عباب البحر هي بسفينة مقنعة!

البحث عن أداء!

عُرف الفنان ياسر العظمة باستقطابه لجيل الشباب من الممثلين وهو أمر ليس بالجديد في أعماله، ويُعاب على منتقدي الأمر عدم معرفتهم وملاحظتهم له منذ بدايات سلسلة مرايا، فكثير من نجوم الفن السوري كان لهم شرف الظهور الأول إلى جانب أسطورة الفن السوري، لكن وبالمقابل يعاب فعلاً على هؤلاء الشباب وعلى المخرج أيضاً استخفافهم بعملهم!

الشخصيات بدت هزيلة ضعيفة الأداء، والممثلون بدوا بحضرة بطل العمل كتلاميذ مجتهدين مستمعين جادين لدرس أستاذهم في حضرة موجه التربية!

قد يكون للنص دور في هذا الأداء، لأن الشخصيات غير مرسومة بإتقان على الورق أصلاً، فغالباً ما تظهر مشاهد عوني الناكش وحواراته دون ردود فعل معارضة من الشخصية المقابلة، وهو أمر غير منطقي، فلا يمكن الإقناع دوماً بلا حوار محبوك أو نقاش أو دفاع عن وجهة نظر الشخصية وأفكارها، لتبرز أغلب الشخصيات كمتلقية للفعل لا صانعة له.

عوني الناكش مرآة ياسر العظمة:

مرايا هذه المرة لم تكن مرايا المجتمع وإنما مرآة الفنان ياسر العظمة، يعكس عوني الناكش شخصية مُبْتَكِرِهِ بآرائه وأفكاره وأطروحاته بكل ماتحمله من قيمة,

لكن كانت هذه الأفكار أكبر من العمل الذي نقلها، وغير مناسبة، فهي تخاطب المتلقي كما لو كانت محاضرة وبطريقة مباشرة حوارية موجهة للمشاهد ولو لم ينظر عوني في عين العدسة مباشرة، على عكس ما كنا نتمناه وما اعتدناه في لوحات مرايا، فوجدنا أنفسنا نعود لمقارنة اللوحات القصيرة بعمل طويل، تلك اللوحات التي غالباً ما روت حكاية فيها عبرة، أو قصة تُقفل بدمعة أو ضحكة، بينما جاء العمل المتصل الطويل مباشراً باهتاً وأقرب لما قدمه ياسر العظمة من فيديوهات يوتيوبية من حيث عرض الأفكار، مع زركشات مملة لقصص تمر مرور الكرام على ظهر السفينة.

لعل لقب «الأسطورة» الذي منحه الجمهور للفنان ياسر العظمة هو الوحيد الذي لم يرتبط بعمل قدمه الفنان في قمة نجاحه كألقاب (الزعيم، تلساحر، الامبراطور، الناظر) والتي مُنحت لفناني مصر، اللقب الذي خطه الوجدان السوري لفنانٍ لامس الإنسان العربي عموماً لا السوري فحسب، سواء في الأجزاء الأولى من السلسلة الأشهر مرايا والتي بدأت بلوحات كوميدية خفيفة لتصل إلى ذروة نقدها الاجتماعي والسياسي مع نهاية التسعينات وبدايات الألفية الجديدة.

ليعود الفنان الأسطورة لنقطة البداية في عمل لم يستطع أن يلامس هموم الناس وحياتهم، دون إنكار قيمة بعض الأفكار التي قيلت على لسان شخصية العمل الرئيسية.

وعلى أمل العودة بمرايا جديدة قوية، أو مسلسل آخر يقدمه الفنان ياسر العظمة يشابه واقعنا وحياتنا وقيمنا تماماً على الطريقة التي نصح بها الكاتب الشاب على ظهر السفينة في أن يكتب عن حياة الناس وقضاياهم ومشاكلهم من وجهة نظره وقناعته لا من وجهة نظر «الشركات المنتجة ورؤوس الأموال».