دانا مارديني.. قرعت باب النجومية وهربت

بقلم: شارل عبد العزيز

حين نقول أن العصر الحالي عقيم لا ينجب نجوماً يعني أن التجربة والبرهان أثبتت لنا ذلك في السنوات الأخيرة، ولكن تعميم الأمر مرفوض بجميع الأحوال لأن هنالك بعض الأسماء استطاعت خرق القاعدة والوصول إلينا من شبابيك الدراما التي أقفلت أبوابها أمام كل الوجوه الشابة، وربما دخول ممثلة مثل دانا مارديني التي قدمت نفسها كموهبة عكس التيار السائد جعل منها في سنواتٍ قليلة اسماً لامعاً عرفه الكثيرون، فهي ممثلة بأداء حقيقي، لديها أسلوبها الخاص، لا تملك تلك المفاتن الجسدية الخارقة التي يوظفنها الممثلات اليوم في الدراما، بل أتت من خلفية أكاديمية وأدّت أدواراً في أعمال مهمة فأبهرت.

من مقال “شباب يصنعون الفرق/ دانا مارديني”

بداية “ولّادة” في الولادة

أن تبدأ فتاة حديثة التخرج مثل دانا مارديني العمل مع أستاذة مخضرمة كرشا شربتجي وبعملٍ ناجح مثل “الولادة من الخاصرة” يعني أنها قفزت خطواتٍ عديدة، وهذا الأمر يُعتبر سيف ذو حدّين، لأن النجاح حينما يكون سريعاً قد لا يستوعبه الممثل ولا يتحمّل أعباءه، فاليوم مثلاً لا يوجد في الدراما السورية من يوظّف المواهب ويصنع نجوماً بحق، بل على العكس، من ينجح اليوم من الجيل الجديد يعني أنه وضع نفسه بحربٍ مع الكبار، دون أن يرغب بهذه الحرب حتى، لأن مقاعد النجوم في الدراما السورية اليوم لا يستغني عنها أصحابها بسهولة ولا يقبلون بمشاركتها مع أحد منذ التسعينات وحتى اليوم، وقد سمح استمرار الولادة من الخاصرة لثلاثة أجزاء لدانا في أن تثبت نفسها أكثر وتضمن الوجود في عملٍ ناجح مساحة اللعب فيه كبيرة.

ففي مشهد واحد استطاعت فيه “حنين” أن تقنعنا أنها ممثلة بحق حين كانت تبحث عن أخيها “منير” ووجدته مقطعاً داخل حقيبة، دموعُها وصوتُها المتهدج وصرخاتها أثّرت بشريحة واسعة من السوريين والعرب الذين شاطروها نفس الحالة في وقتٍ تعصف بالبلدان حروباً صعبة فقد فيها الناس أبناءهم وأحباءهم.

وجاءت فيما بعد الفرصة الكبيرة مع الراحل حاتم علي في “قلم حمرة” الذي أعطاها دوراً مختلفاً أمام كاريس بشار، فقدّمت معها ثنائية ناجحة في عملٍ كسر الجمود آنذاك، ولكن الفرصة الحقيقية كانت حين تصدت مارديني لبطولة مسلسل “الندم” بالمشاركة مع محمود نصر الذي شاركها سينمائياً أيضاً بطولة فيلم “رسائل الكرز” للمخرجة الفنانة سلاف فواخرجي في وقتٍ كانت فيه الدراما السورية قد بدأت بالاحتضار وعاجزة تماماً عن تقديم أعمال جماهيرية، لكن استطاع “عروة وهناء” الوصول بقلبيهما إلينا لتكون قلوبنا عليهم وعلى تلك الملحمة التي صنعها “حسن سامي يوسف والليث حجو” بحرفيةٍ عالية كرّست دانا كممثلة خاصة لا تشبه أحداً، وحين شبّهها السوريون بسمر سامي ربما لم يكونوا قاصدين الشكل أو الأداء بقدر ما كانوا بحاجة ممثلين جدد يتعلقون بهم ويقنعونهم بأن الدراما لا زالت ولّادة للأسماء ولو من خاصرتها حتى.

شرّ لا بدّ منه!

كالأم المرضعة التي لا يمكن أن تطعم ابنها طوال العمر، استنفذت دانا في ظل التراجع الدرامي فرصها في الدراما السورية، لعدم وجود مشاريع حقيقية تساعدها على الاستمرارية في التصاعد لأنها أتت في التوقيت الخاطئ، فلو بدأت في الألفينات مثلاً لكان تخاطفها المخرجون والمنتجون، ولكن التمثيل ليس مشروعاً فردياً، وحين تغيب بقية العناصر يضطر الممثل حينها للقبول بما هو متاح، لذا لم تحمل تجربة “أهل الغرام3” أي جديد، ودخلت دانا بعدها ككل زملائها في سرداب الدراما المشتركة عبر تجربة “جيران” وهو عمل كوميدي قدمت فيه دانا شخصية مبالغاً فيها كثيراً ـ وهو يتحمل هذه المبالغة بالطرح ـ، ولكنه لم ينل تلك الجماهيرية العريضة ولم يضف لدانا الممثلة أي جديد لا على مستوى الأداء ولا على مستوى الجماهيرية، وحاول بعدها رامي حنا أن يخرجَ من دانا ما يميّز شخصية “لينا” ولقد بذلت فيها جهداً جيداً مع أنها لم تكن بطلة العمل الوحيدة كما في الندم مثلاً، ولكن لا يمكن للممثلة السورية فرض شروطها في الدراما المشتركة لأنها العنصر الأضعف على عكس الممثل الذي هو اللَّبِنة الأولى فيها.

انتظرنا في رمضان 2019 ماذا ستقدّم دانا، هل ستعود للدراما السورية الصرفة بمشروعٍ جديد يضيف لمسيرتها ويعطيها المساحة التي تستحق؟، أم أنها ستبقى في الدراما المشتركة التي باتت “كالأخذ عَسْكَر” الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود؟، لكن دانا بددت كل التوقعات حين عزفت عن المشاركة بأيٍ عمل درامي لثلاثة مواسم متتالية، البعض بقي ينتظر عودتها أملاً بعملٍ جديد، والبعض ربما نسيها لأنها لا تملك أرشيفاً كبيراً يسمح لها بالابتعاد، سيما أنه في كل موسم تظهر عشرات الأسماء، أما دانا التي اعتكفت عن أي إطلالة إعلامية أو مؤتمرٍ صحفي أو حتى استلام جائزة، بررت غيابها أن العروض المقدّمة لا تتوافق وطموحاتها وقناعاتها، يعني أنها تلقت عروضاً في السنوات الفائتة ولم تقبل بها، مللنا الانتظار وكانت قد بدأت بزيادة نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي وهذا ما استغربناه، لأن من يبتعد عن الإعلام، يبتعد عن الإعلام كله بكل منصاته، لكن ربما كان تعويضاً لمحبيها ورغبةً منها بتذكيرهم بها، مع أنها تعرضت لانتقادات لعدم ضبط المحتوى الذي تنشره عبر صفحاتها، إلى أن سمعنا أنها تتحضّر لعملٍ مشترك في تركيا بعنوان “ع الحلوة والمرة”.

دانا «خياراتٌ أحلاها مُرُّ»

توجّس الجمهور حين درى أن العمل مشترك وعرف أنه “فورمات” مستنسخ عن مسلسلٍ تركي فَشِل في بلده الأصلي، وفعلاً منذ عرض الحلقة الأولى كانت الصفعة، ونحن هنا لسنا بصدد نقد العمل لأنه أقل من أن يُنقد أو تُروى عيوبه وتفاصيله، فهو ليس عملٌ دراميٌ لنحكم عليه بمعايير درامية، هو وجبة للتسلية لا تسمن ولا تغني من جوع لمن لديه وقت فراغٍ طويل ويرغب بملئه بما لا يشغل ذهنه ولا بصره حتى، أي هي “دراما نسوان الفرن” اللواتي ينشغلن بالحديث عن التي تزوجت، والتي تطلّقت، وكيف هذا انفصل عن التي يحبها، وكيف تلك تجهّز لعرسها، وكيف الثالثة يرغب حبيبها بالعودة إليها، والرابعة التي وقفت إلى جانب صديقتها، وغيرهم من الشخوص التي لا تتبنى قضية ولا هموم تُذكر، فكانت دانا في معمعة درامية فاشلة، وكان من غير الممكن أن تنسينا “فرح” شخصية “حنين” مثلاً، وبكاءها على أخيها الذي مس قلوبنا، “فرح” التي تعتمد على الصراخ وحركات الوجه سبيلاً لإقناع المشاهد!.

ربما كان لهذا النوع الدرامي جمهوره ولكن له ممثلاته أيضاً، فعلى سبيل المثال هناك ممثلات يعملن في السينما المصرية، فإن اختارت إحداهن أن تشارك في الأفلام الكوميدية أو الرومانسية الخفيفة، فإن ذلك لا يقلّل من قيمة الممثلة تلك فقط، بل يعني أنها تراجعت عدة درجات للوراء بعد أن قدمت أعمالاً ذات قيمة، ووضعت نفسها في موقعٍ ليس لها، كما سمحت لأشباه الممثلات أن يأخذن مكانها الصحيح الذي بات شاغراً.

يَعتبر البعض أن الظروف الحالية تجبر كل من يعمل في مجال الفن أن يقبل بالموجود للاستمرار في العمل ولتأمين لقمة العيش، ولكن الجمهور الذي هو لجنة الحكم الأولى للفنان لا يقدّر ولا يعرف حتى هذه الظروف، هو يرى النتيجة ويحكم فقط، وحتى لو كانت الظروف مُبررّة، فإن التاريخ الفني ينسف المبررات ويبقى لكل نتيجة عمل أثرٌ لا يزول، فنحن نعرف أن دانا انتظرت طويلاً، ولكن ما خُيّل إلينا بعد عرض مسلسها الأخير أنه لو كان ذلك أفضل ما عُرض عليها في السنوات الثلاث الأخيرة، فما مدى رداءة الذي رفضته؟

لا يمكن أن نغفل أو نبرر لدانا هذه الخطوة الناقصة، فالصحافة “الحقيقية” يجب أن تكون كالمعلمة التي تنذر الطالب المتفوق حين تتراجع نتائجه ولو درجة واحدة، فالجمهور رأى في دانا نجمة حقيقية قرعت باب النجومية، لكنها هربت قبل أن يُفتح لها الباب، أو ربما انتظرت طويلاً ولم يسمع صنّاع الدراما وولاة أمرها قرع هذه الصبية اللطيفة التي ملّت أن تحمل على كاهلها عبء الرسالة الفنية، فتعبت يداها وتهشمت من القرع المستمر، ولهذا قررت ألا تكون ممثلة عكس التيار، والشبّاك الذي دخلت منه في البداية ما عاد ليتحمّل طموحها وآمال الناس فيها.