أسامة الروماني، مَن أعطى لمهنة «المشخّصاتي» قيمتَها

حاوره: جواد البعيني

فنانٌ كبير أخلص بعمله ممثلًا، مُؤلِّفًا، مخرجًا، ومديرًا للإنتاج، انطلقَ من ندوة الفكر والفن في ستينيات القرن الماضي، تلازم اسمه مع اسم شقيقه الممثل والمخرج الراحل هاني الروماني، حيث ساهما في تأسيس المنتديات الفنيّة والفكريّة بالتّزامن مع إنشاء المسرح القوميّ في سورية، فاستجابا لمبادرة الكاتب سعدالله ونوس والمخرج علاء الدين كوكش في تأسيس فرقة مسرحيّة خاصّة تاركين بذلك نقاط علام هامة في مسيرة المسرح السّوريّ، وهو مِن أوائل مَن نهضوا بالحركة المسرحيّة الطُلّابيّة وأحد مؤسّسي مهرجان دمشق للفنون المسرحيّة. بعفويّة الأداء وخفّة الظل برزَ مع فرقة أُسرة تشرين المسرحيّة في مسرحيتي “غربة وضيعة تشرين”. بالإضافة لعمله كممثل، ساهمَ في التّأليف ومعالجة النّصوص الدراميّة مع فرقة الفنون الدراميّة للتلفزيون السّوري التي أسّسها الدكتور رفيق الصبّان عام 1963.

اليوم نحن بضيافة مَن كان شاهدًا على معاملة  إنشاء نقابة الفنانين في سورية، حيث كان الفنان الراحل عمر حجّو يجمع تواقيعها، فأطْلَعَهُ على حاشية لأحد الوزراء كَتَبَ فيها: “لا مانع من إنشاء نقابة الفنانين، إذا كنتم ترون أنّ هذه المهنة تستحق أن يكون لها نقابة مهنيّة.”  ليعودَ الروماني اليوم من غربته مفصولًا من هذه النقابة!

مع القدير دريد لحام من مسرحية “غربة”

أستاذ أسامة أهلًا وسهلًا بك في منصة ETSyria سوف نبدأ حديثنا معك من المسرح …

“محمد الماغوط يملك فكر يعيش، دريد لعبته لعبة عرض” هكذا علَّقتَ على الجدال الذي دار مؤخّرًا حول تصريح الفنان دريد لحام عن مشاركته مع الكاتب محمد الماغوط في التأليف والكتابة. ماذا أضافت لعبة الفنان دريد لحام على فكر الأديب الراحل محمد الماغوط؟

سأعودُ بكَ إلى مهرجان دمشق للفنون المسرحيّة حين عرضنا مسرحيّة “مغامرة رأس المملوك جابر” للكاتب الراحل سعدالله ونوس وأراد سعدالله ونوس إخراجها، وقد فشل العرض حينها فشلًا ذريعًا رغم جماليّة النّص، وذلك بسبب تحيّز سعدالله لكل كلمة في النّص، ولم يفكّر في الحالة النّفسيّة للمُشاهِد، هناك فرق كبير بين كتابة نص ما وبين صياغته كعرض مسرحيّ، ففي العرض المسرحي لايستطيع المُشاهِد الرجوع إلى صفحة ما لفهم الفكرة ومراجعتها، العرض المسرحيّ هو عرض مستمرّ لذا يحتاج إلى طريقة معالجة مختلفة، ففي مسرحيتي غربة وضيعة تشرين كان دريد يفكّر بصياغة أفكار الماغوط  في قالب فُرجويّ إخراجيّ وذلك من خلال الإضافة، أو الحذف والتعديل على النّص، أما في مسرحية شقائق النعمان دريد لحام لم يتدخّل كثيرًا فظهرت بعض المَشاهِد بقالب أدبيّ وكأنّها افتتاحيّاتُ صحفٍ لاتصلح لأن تكون ضمن عرض مسرحيّ وكانت تحتاج إلى مشهديّةٍ ما، لتمرير هذه المقولات إلى المُشاهِد بطريقة جاذبة، لذا يحقّ لدريد أن يقول بأنه شارك الماغوط في التّأليف. والضجّة التي ظهرت حول تصريح دريد، القصد منها هو الأذى وليس إعلاء شأن الماغوط، إنما النّيل من دريد لحام، ودريد في مكانته يماثل الماغوط في مكانته. كلٌّ منهما كبيرٌ في ملعبه. 

برأيك، كيف نستطيع أن نعيدَ إلى المسرح السّوري ألقه وتأثيره؟

المسرح لاينهض على أكتاف محبيه من ممثلين وفنيّين بلا دعم ماديّ من الوزارات القائمة عليه ففي كلّ دول العالم هناك ميزانيات كبرى لدعم المسرح، أمّا عن تأثيره فالناس تذهب إلى المسرح لسببين إما لمشاهدةِ نجمِهم المفضّل على الخشبة، أو لعنصر الجذب في موضوع العرض بكل حيثياته، بدءًا من جرأة الطرح وصولًا إلى التّرفيه والمتعة.

من مسلسل بصمات على جدار الزمن لداوود شيخاني

 دراما الأزمة والتّوثيق … بعد أن كنتَ أديب الشّيشكلي في حمّام القيشاني، وقُربِك من الفنان الراحل هاني الروماني خلال عمليتي التنفيذ والإخراج؛ هل شاهدتَ عملًا دراميًّا وثّق الأزمة السّوريّة بطريقة مهنيّة؟

أعترف بأنني غير مُتابِع لكلّ ما يُعرَض، ولكن برأيي الشّخصي توثيق ما حدث في سورية دراميًّا أو سينيمائيًّا موضوع سابق لأوانه، وذلك لأنّ التوثيق المهني والموضوعي يتطلّب إعطاء الحدث المُوثَّق زمنًا كافيًّا حتى نتخلّص من الانحياز والاصطفاف في المواقف والآراء، هل يستطيع أحدُهم الآن أن يقول: “قد يكون الطرفان على حقّ، وقد يكون بعض ما يقولوه على خطأ؟” لكن بعد مرور وقت تستطيع أن تتحدّث بلا حرج. وهذا ما جعلني حريصًا على تجسيد دور أديب الشيشكلي في مسلسل حمّام القيشاني من وجهة نظر أديب الشيشكلي بنفسه، وليس من وجهة نظر أعدائه به، وكنتُ مقتنعًا كممثل أثناء التصوير بأنّه شخص جيّد ودوافعه خيِّرة, هكذا تقارب الموضوعيّة بالتوثيق، غيرُ ذلك كلّ ما يُقدَّم لايتعدّى أن يكون صرخة آنيّة.

من مسلسل “حمام القيشاني”

هل هناك ما يمكن قوله بعد في أعمال البيئة الشّاميّة بقالبها الحاليّ؟

لا، وصُدفةً شاهدتُ بعض المَشاهِد من أعمال البيئة الشاميّة في رمضان 2021 وكانت مَدعاة للإحباط.

  إحداث المعهد العالي للفنون السينيمائيّة في سورية، هل هي خطوة مُبشِّرة للنهوض بالسينما السّوريّة؟

 السينما فن محليّ، إذا لم تُحقِّق إيراداتُ الجمهورِ المحليّ تكلِفة الأفلام وأرباحَها، يُفضَّل ألّا نقوم بصناعتها.  لذا إحداث هذا المعهد يتطلّب وضع خطة لخمسين عام، قائمة على سؤالنا لأنفسنا “ماذا نريد من السينما؟” وذلك كي لانُخرِّج دُفعات بلا سوق عمل. كمثال: في الهند يوجد سينما ولكن في الدنمارك لايوجد، طبعًا يوجد حد أدنى من الإنتاج السينمائي في الدنمارك لتغذية الحياة الثقافيّة كأفلام وثائقيّة، مجتمعيّة وغيرها ولكن لا أستطيع أن أقول سينما دنماركيّة مثلًا. برأيي الشّخصي بقدر ما كان إحداث معهد سينيمائي أمرًا مُلحًّا في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، بقدر ما يبدو الآن  مُبكِّرًا جدًا.

قاماتنا والتكريم ….. “غمرتونا بأفضالكم” عتاب وجّهتَه إلى المؤسسة العامة للسينما بعد إصدارها أفلام وثائقيّة عن تأسيس مهرجان دمشق للفنون المسرحيّة؛ ما سبب هذا العتاب؟

 لأنهم قاموا بتغيير تاريخ عاصرته وكنتُ جزءًا منه، فقد نسبوا الفضل في تأسيس مهرجان دمشق المسرحي لأشخاص لا تربطهم بتأسيسه أيّ صلة. وهذا المهرجان نشأ صُدفةً، ففي عام1969، كنّا نحضّر لعرض مسرحيّ كلوحات منفصلة من المسرح العالمي والعربي للاحتفال بيوم المسرح العالمي، وقد لاقى العرض استحسانًا كبيرًا من قبل الحاضرين، فاقترح سعدالله ونوس إقامة مهرجان باسم نقابة الفنانين، ودَعَمَهُ الوزير فوزي الكيالي معنويًّا باتفاقيات وزارة الثقافة مع بعض الفرق المسرحيّة العربيّة والأجنبيّة، لكن  وزارة الثقافة حينها لم تموّله ماديًّا، وقمتُ بنفسي بالتواصل مع الشّركات والمؤسّسات لجلب إعلانات، بغرض جمع الريع والتمويل لتغطية نفقات ومصاريف هذا المهرجان. وفي افتتاحه قمنا بإعادة عرض احتفالية يوم المسرح العالمي ذاته، واستمرّ المهرجان لمدة سبعة أيام.

في الوقت الحالي، ما رأيك بأداء المؤسّسات الثقافيّة كوزارة الثقافة والإعلام؟

باختصار أقولُ لكَ: الشّخص المناسب للمكان، هو مَن يَحسُبُ حسابًا لمن هم أقل منهُ رُتبةً، ويُحسَبُ لهُ حساب ممّن هم أعلى منهُ رُتبة. مع تقديري لكلّ الأوضاع الحرجة التي يمرّ بها وطننا، ولكن دور هذه المؤسسات الآن هو ردّ للجميل الشّخصي فقط.

من مسرحية البخيل لموليير 1973 إخراج أسامة الروماني للمسرح الطلابي

هل ستجدّد انتسابك لنقابة الفنانين؟

هناك فهم خاطئ للنظام الداخلي للنقابة، لايجوز فصل عضو من نقابة مهنيّة من أجل الرسوم الماديّة فقط، يتم تجميد عضويّته حتى يتم الدفع. وللأسف عند تواصلي مع أحد الإداريين في النقابة منذ سنتين قال لي: يجب أن تدفع الرسوم ومن ثم عليكَ أن تقوم بتقديم طلب إلى مجلس الإدارة وبعد ذلك يتم النظر بأمره إما مع الموافقة أو عدمها لذلك لم ولن أجدّد انتسابي.

الرمز السّري لكلّ أمنيّة: “افتح يا سمسم” من خلال تجربتك مع مؤسسة البرامج المشتركة لدول الخليج العربيّ في إعداد وإنتاج محتوى تعليمي، ترفيهي وهادف للطفل كبرنامج “افتح يا سمسم”، ما هي المقومات الأساسيّة لمخاطبة الطفل برامجيًّا بطريقة نحترم بها ذكاءه وننمّي مهاراته؟

هذا النوع من البرامج يجب أن يحقّق كلّا من المتعة والفائدة للطفل دون توجيه معيّن، و ألّا يتم النظر إلى الجانب الربحي من قبل الشركة المنتجة، فمؤسّسة البرامج المشتركة لدول الخليج العربي لم تفكّر بالربح عندما أنتجت افتح يا سمسم وقد كلّف الجزء الأول منه حوالي سبعة مليون دولار، وساهم في إعداد النصوص عدد كبير من الكُتّاب العرب قارب عددُهم الأربعين، بالإضافة إلى أطباء نفسيين، دكاترة في علم الاجتماع، ومدقّقي لغة عربيّة،  وكان التركيز على إعداد محتوى هادف موجّه إلى الطفل العربي.

ذكريات نادي شباب العروبة للآداب والفنون

أيّ غدٍ يتمنّى أسامة الروماني أن يحاكيه فنيًّا؟

أنظرُ إلى غدٍ يكون فيه الفن ليس للتغيير، أو لإحداث الثورات، وإنما فقط  للتنوير.

تقول لكلّ من يريد أن يقدّم لك عرضًا للمشاركة في أعماله: “كي تحافظ على الأسطورة، اخرج من الصورة”؟

ليس خروجًا من الصورة بالمعنى الحرفيّ ولكن بعد غياب إذا لم أدخل إلى الصورة كعنصر أساسيّ فيها يُفضّل أن أبقى خارجها، وهذا ما قلته لكلّ من قدّم لي عرضًا للمشاركة في أعماله بعدد قليل من المَشاهِد أو كضيف شرف.

بوقار هيبته وتواضع العارف بكلّ شيء، أجابنا نجم البدايات على أسئلتنا حاملًا بداخله تفاؤلًا، حبًّا، وتشجيعًا أعادنا بهم إلى شعور الأمان والانتماء في مشهده الأخير من مسرحية غربة عندما قال بصوته “بالفرح بالعزّ الدّيار معمّرة بالمحبّة مزنّرة” آملين أن تكون عودته المشهد الأول لعودة مبدعينا من غربتهم الداخليّة والخارجيّة.