«ممالك النار» ليس بالبذخ وحده تُصنع الدراما

بقلم: طارق العبد

يعرف السوريون جيداً مفاتيح نجاح المسلسل التاريخي بدايةً من مكان التصوير والمناظر والممثلين والإنتاج مضافاً لهم قيمة النص وجزالة الحوار، فشدوا الرحالَ صوب الصحراء في التسعينات قبل أن ينقلهم الشغف مطلع الألفية لاكتشاف الأندلس درامياً ثم تفننوا في أدق التفاصيل لرصد حياة زمن الجاهلية وصدر الإسلام وغيرها من فترات تاريخية عديدة.

استذكار هذه النجاحات يمرّ عند بدء عرض “ممالك النار” (تأليف محمد سليمان عبد الملك- إخراج بيتر ويبر) فالعمل الذي قيل عنه الكثير لجهة الإنتاج العربي الأضخم لصالح “نتفلكس”، نجحت مجموعة “إم بي سي” في عرضه لتكشف حلقاته عن فترة شديدة الأهمية في التاريخ العربي مع نهاية دولة المماليك وتوغل الدولة العثمانية شرقاً وبدء سيطرتها على الشام ومصر، مع الأخذ بعين الاعتبار طبعاً حالة التوتر السياسي الخليجي التركي وإسقاطاتها على الدراما، هكذا انهمك العشرات من نجوم سوريا والوطن العربي في تحضيرات العمل الذي صور في تونس بسرية تامة وبعيداً عن أعين الصحافة قبل انطلاق حملة دعائية غير مسبوقة أثارت الجدل حتى قبل بدء عرض الحلقات.

وبعد عرض العمل بات من الواضح كمّ البذخ في أدق تفاصيله، من الديكورات الضخمة إلى الملابس والإكسسوارات ودقة المكياج لتصب في صالح تجسيد بيئة الشام ومصر في أيام المماليك وتركيا، ولا يمكن إغفال الأداء الرفيع للممثلين السوريين، فرشيد عساف يلعب في ملعبه الذي يتقنه ويبدو محمود نصر بأفضل أدواره منذ سنين، لتُضعِفَ الإضاءة من تعابير وجه عبد المنعم عمايري، وتبقى البطولة النسائية مظلومة نسبياً كما جرت العادة في الأعمال التاريخية رغم لمحات الأداء المميز لكندة حنا ونادين تحسين بك.

لكن كل ما قيل سابقاً في البذخ الإنتاجي والحضور التمثيلي يبقى ناقصاً أمام إشكالية كبيرة تواجه العمل وهي النص، فالحوارات تبدو إنشائية بل ومقتبسة بوضوح عن أعمال تركية عايشت فترات قريبة من تلك التي يتناولها “ممالك النار” وهذا ربما ما يفسر الانبهار بالشخصيات أكثر مما تقوله وتعبر عنه. وهذا أيضاً فتح باباً للمقارنة بين نجاحات سورية سابقة أيام “الزير سالم” أو “ربيع قرطبة ” و”عمر” وبين العمل الأخير الذي فاقت ميزانية حلقاته الأربع عشرة مليون دولار ميزانية الأعمال سابقة الذكر.

فيتجه العمل هنا إذاً إلى ناحية الدراما التركية التاريخية المعروفة ببذخ الإنتاج والمناظر دون التركيزعلى أهمية النص والسيناريو. وإذا كانت الأخيرة تستهدف بجزء منها الجمهور العربي فيبدو الرد من الجانب المقابل بنفس الطريقة ليخرجَ للمشاهدين عملٌ مثقلٌ بالرسائل السياسية ذو قيمة إنتاجية ضخمة وقصة مفككة وحوارات عادية لا شيء يلفت النظر أو يشد المتابعة.

أما الإخراج فلا يمكننا وصفه بالمبهِر، فمشهد إعدام “طومان باي” على سبيل المثال لم يكن بالجديد ولم يُضِفُ رصيداً حقيقياً للعمل، وربما لن يكون مؤثراً لسنوات كمشهد إعدام “نصار بن عريبي” في “الخوالي” مثلاً والذي بقي حديث الناس حتى الآن، في حين نجد الغرافيك غير متقَن الصنع فهو بعيد عن الحقيقة ولا يشدّ المُشاهد، كما كانت المعارك غير عظيمة في تنظيمها، بل جاء بعضها خجولاً رغم اللقطات التي أحيت فيها شيئاً مَسَّ المشاهدين لكنه لم يصل لقلوبهم تماماً.

العمل ضخم حقاً، ويسعنا القول إنه صدّر النجوم السوريين إلى الوطن العربي بشكل جيد بعيداً عن سطحية قصص الدراما المشتركة التي يشاركون فيها، إنما حقيقةً ما أثّرَ بالمسلسل وأَضَرَّ به هو الترويج الهائل الذي ناله ما جعل المترقّبين يرفعون سقف توقعاتهم كثيراً معتقدين أنهم سيشاهدون ملحمة شبيهة بالأفلام الأجنبية كـ “طروادة” أو “300”، لكن ذلك كان بعيداً.

مفيدةٌ هي عودة الدراما التاريخية للصورة، ففيها يتبين أداء الفنان ولغته الفصيحة، وتمكّنه من أدواته لذلك رغم بعض مساوئ “ممالك النار” وتسييسه الواضح لمآرب سياسية إلا أنه وجَّهَ الأنظار لضرورة وجود هذا النوع وضرورة إعادة تفعيل دوره لكن بشرط “الحيادية التامة”!